تدهور وانفلات أمني في السودان.. ومطالبات بتكوين جيش موحد

خبير سياسي سوداني يكتب خارطة طريق للخروج من الأزمة الحالية

  • 385
صورة أرشيفية معبرة

منذ نحو عامين ويعيش السودان الشقيق حالة من التوتر والشد والجذب وعدم الاستقرار السياسي؛ نتج عنها صدامات وصراعات داخلية وانتشار الجريمة بسبب الانفلات الأمني، وخلال اليومين الماضيين شنت قوات الشرطة السودانية حملات مكبرة في شوارع الخرطوم لضبط الخارجين عن القانون.

انفلات أمني

الشغل الشاغل حاليًّا في مجالس وشوارع الخرطوم هو ما تشهده العاصمة ومدن السودان الرئيسة من انفلات أمني في وضح النهار، وانتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لحوادث سطو ونهب؛ مما دفع سكان بعض الأحياء إلى تشكيل دوريات فيما بينهم لحماية ممتلكاتهم وشوارعهم وأحيائهم خاصة أثناء الليل، كنوع من محاولة التصدي لهذه الأزمة ومعالجتها قد استطاعتهم وسط ضعف السلطات الأمنية وعدم قدرتها على ضبط الأمور.

وفي ضاحية "الكدرو" شمال الخرطوم، أشعل بعض المجرمين النار في مناطق سكنية بعدما قتلوا أحد سكانها بدافع السرقة ثم فروا بعدها؛ تبع ذلك غضب مواطني تلك الضاحية، واتهم هؤلاء السكان المناطق العشوائية المحيطة بهم بأنها باتت عبارة عن وكر يأوي المجرمين، وتدخلت الشرطة لفرض الأمن ومحاولة السيطرة على الموقف، وتأمين تلك المنطقة، ونسقت مع القوات المشتركة التي تضم القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وإدارة مكافحة المخدرات، والشرطة المجتمعية؛ ونتج عن ذلك القبض على عدد من المجرمين الذين ينفذون عمليات الخطف والنهب من خلال قيادة الدراجات النارية، وباستخدام الأسلحة البيضاء، وأحيلوا إلى السلطات وجارٍ اتخاذ اللازم في حقهم.

تطورات الوضع

ما يسمى "السيولة الأمنية" تنتشر الآن في الخرطوم وبقية مدن السودان بكثافة، وهي نتاج بعض التفاعلات خلال الاونة الأخيرة وعلى رأسها الحراكات السياسية المتعددة، ودخول قوات الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق السلام إلى المدن وتفلُّت بعض أفرادها. ومن مظاهر تلك الانفلاتات ظهور عصابات اسمها "النيجرز" التي تمارس عمليات الخطف والنهب تحت تهديد السلاح، وظهور "تسعة طويلة" وهي عبارة عن مجموعات تستخدم الدراجات النارية خلال هجماتها الإجرامية، بجانب مجموعات أخرى تتقمص الشخصيات العسكرية وترتدي ملابسهم كنوع من صنع فتنة داخل البلاد.

تقع هذه الأحدث تحت مسؤولية الدولة ممثلة في الأجهزة الأمنية بحكم وجودها في نطاق السودان الجغرافي؛ وبالتالي فهي تحتاج من السلطات إلى رؤية واستراتيجية أمنية لمكافحتها؛ فارتداء الزي العسكري والقيام بتلك الأعمال الإجرامية واستخدام السيارات الحكومية أيضًا تطور خطير وينذر بوقوع فتنة كبرى بين أطياف الشعب؛ وهذا أمر في غاية الخطورة ويستلزم وقفة حاسمة حتى تعود الخرطوم إلى وضعها الطبيعي وصورتها الزاهية كأحد أكثر عواصم العالم أمنًا فيما مضى؛ ومن ثم ينتعش مجال الاستثمار مرة أخرى، فهو وثيق الصلة بالحالة الأمنية لأي بلد.

وكان من المفترض استتباب الأمن بعد القرارات التي اتخذتها السلطات السودانية في شهر أكتوبر الماضي، لكن الذي حدث عكس ذلك تمامًا؛ ويجب على السلطات نشر بيانات تلك الوقائع وتحديد المتسبب فيها والقبض عليهم في أسرع وقت ممكن، إضافة إلى ضرورة تشكيل محاكم رادعة لهؤلاء؛ حتى يستعيد الشارع السوداني ثقته في سلطات بلاده خاصة الأمنية منها، وتهدأ ثائرتهم لا سيما من حدثت ضدهم تلك الأفاعيل الشائنة، ولا بد من تكوين تكوين جيش قومي بعقيدة واحدة وحل جميع المليشيات ونزع سلاحها، ولا تبقة القوة إلا مع الجيش السوداني فقط والشرطة السودانية كذلك؛ حتى تستقيم الأمور.

المخرج من الأزمة

وفي هذا الصدد قال د. أبو بكر فضل محمد، الباحث في الدراسات الاستراتيجية بمعهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية بالخرطوم، هناك أطراف مستفيدة من الفوضى الأمنية الحالية داخليًّا وخارجيًّا، والمشهد الأمني في السودان الآن بالغ التعقيد نظرًا لتعدد الجيوش والمليشيات؛ وبالتالي تعدد مراكز القرار سياسيًّا وأمنيًّا، وهذه بمثابة الانكشاف الاستراتيجي للبلاد الذي يسهم في الضعف والتدهور العام؛ وبِناءً عليه تصبح البلاد عرضة للتدخلات الخارجية الكثيفة وتكون محصلتها النهائية سلبية على الشعب والوطن.

وأضاف د. أبو بكر أنه توجد أطراف إقليمية مستفيدة من السودان وترغب في استمرارية هذا الأزمات حتى تنفرد بالجنرالات لتسهيل الصفقات الكبرى تعزيزًا لمصالحها الاستراتيجية في السودان والمنطقة برمتها؛ لذلك هذه الأطراف تسعى لتأجيج الصراعات السياسية على مستوى المركز، وتحاول كذلك إشعال الحروب والنزاعات القبلية والفوضى الأمنية في الهامش بصفة عامة وأماكن التعدين بصفة خاصة.

وتابع: هذا بالإضافة إلى القوى الدولية التي لها وجود في المنطقة؛ حيث توجد روسيا في السودان بشركاتها الأمنية مستغلة تحالفاتها مع بعض المنظومات الأمنية والمليشياتية كـ"قوات الدعم السريع" التي هي الآخر مهتمة بأماكن التعدين في سبيل للسيطرة على مواقع إنتاج الذهب وتوسيع نفوذها اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا. هذا بجانب مطامع لقوى إقليمية ودولية في شرق السودان بغرض الاستحواذ على الموانئ والمواقع الاستراتيجية، وتسعى روسيا مع بعض أطراف المكون العسكري في الداخل لتأسيس قاعدة" فلامينجو" بالبحر الأحمر رغم معارضة الشعب لتلك الخطوة ومخاوف دول حوض البحر الأحمر.

وأردف الباحث السياسي السوداني أنه تزايدت في الآونة الأخيرة الفوضى الأمنية في دارفور لأسباب متعددة: منها تفلتات نهب وسلب لم تجد الحسم والضبط الأمني والردع العدلي من الدولة، ونزاعات قبلية تتجدد من حين لآخر، وأخرى مطامع إثنية وسياسية للسيطرة على مواقع استراتيجية مثلما يحدث في منطقة جبل مون وبعض مناطق شمال دارفور.

وختم حديثه بأن الحلول المناسبة لأوضاع السودان الحالية حيث الأزمات السياسية والاقتصادية والفوضى الأمنية والتدخلات الخارجية الكثيفة في الشؤون السودانية، تتطلب أولًا من القيادة السياسية والعسكرية في البلاد أن تعلي من قيمة الوطن والإحساس بالمسؤولية التاريخية أمام الشعب والوطن، والبعد عن المصالح الضيقة، والنظر والعمل على تعزيز المصالح العليا للبلاد. وثانيًا: يجب على المؤسسة العسكرية أن تضطلع بدورها الوطني في حماية البلاد وتأمين المواطنين من أي تهديد مهما كان نوعه ومصدره. ثالثًا: ضرورة دخول جميع أطراف الفترة الانتقالية مدنيين وعسكريين في حوار وطني شامل ينهي الأزمة الراهنة.