هل تنجح أمريكا في تعويض أوروبا عن الغاز الروسي؟

تسعى واشنطن إلى ذلك من خلال مصر وقطر والجزائر

  • 46
صورة أرشيفية معبرة

تسعى الدول الغربية لتدارك آثار الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التي فرضتها على موسكو؛ فقد أعلنت دول الاتحاد الأوروبي أنها تحاول تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية بمقدار الثلث خلال العام الجاري، وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تعويض هذه الدول التي سارت خلفها في موقفها تجاه الحرب الدائرة؛ حيث اتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن أول أمس مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على إمداد دول الاتحاد الأوروبي بحوالي 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي هذا العام.

عقبات في الطريق

يعد هذا الاتفاق نوعًا من تعويض الولايات المتحدة الأمريكية للدول الأوروبية عن الغاز الروسي؛ فهذه الدول تعتمد على روسيا في توفير نسبة تصل إلى 40% من احتياجاتها للغاز الطبيعي، من خلال شركة "غازبروم" الحكومية الروسية، وتصل واردات أوروبا من الغاز الروسي إلى أكثر من 360 مليار متر مكعب. والتضحية بمخزون أمريكا من الغاز المسال يأتي في سبيل تقوية موقفها وكسب استمرار ولاء هذه الدول لها خاصة إبَّان الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، لا سيما في ضوء القوة العسكرية الروسية وخطط موسكو الاقتصادية المثمرة للالتفاف على العقوبات الغربية وتقليل آثارها، وبجوارها قوة الاقتصاد الصيني الداعم لها.

وفي إطار الضغط على موسكو بسبب غزوها كييف، وتشديد الحصار الاقتصادي الغربي عليها؛ تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى استيراد نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من مصادر أخرى غير روسيا هذا العام، وفي العام الماضي صدرت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 22 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. وتتعرض الدول الأوروبية لضغط كبير خاصة من أمريكا؛ من أجل تقليل اعتمادها على واردات الطاقة الروسية. في الوقت الذي يحذر فيه المستشار الألماني أولاف شولتز من أن فرض حظر على واردات الطاقة الروسية سيؤدي إلى ركود اقتصادي أوروبي على الفور.

لكن يأتي موقف الدول الغربية على اعتبار أن التخفيض التدريجي للاعتماد على الطاقة من روسيا سيكون له تأثير اقتصادي على موسكو، مثل العقوبات الاقتصادية بالضبط؛ ومن ثَمَّ تتولى واشنطن زمام المبادرة للكيد قدر استطاعتها لموسكو. وفي ضوء هذا الموقف تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى التعاقد على شحنات غاز طبيعي مسال من أمريكا وقطر ومصر والجزائر. لكن توجد مشكلة أخرى تواجههم وهي أن السعة الإضافية في منافذ تفريغ ناقلات الغاز الطبيعي المسال لأوروبا توجد في إسبانيا، ولا توجد بها شبكة خطوط أنابيب جاهزة لنقل تلك الإمدادات حاليًّا إلى دول شمال أوروبا. إضافة إلى أن كمية الغاز الطبيعي المسال من واشنطن إلى أوروبا ستعتمد في النهاية على التعاقدات التجارية، وصادرات أمريكا من الغاز الطبيعي المسال غالبًا تذهب عبر اتفاقيات توريد طويلة الأجل لدول معظمها تقع في قارة آسيا.

علاوة على أن سعة الإنتاج الإضافية لدى مصر وقطر والجزائر لن تستطيع سد ما يقرب من ثلث احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي التي تستوردها من روسيا؛ لأن سعة الإنتاج الإضافية لدى مصر والجزائر الآن لا تتجاوز 5 مليارات متر مكعب، والدوحة لديها سعة إنتاج حاليًّا تقدر بنحو 11 مليار متر مكعب. وهناك هناك ارتفاع كبير في سعر الغاز الطبيعي المسال مقارنة بالغاز الطبيعي الخام الذي تضخه روسيا إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب؛ ومن أجل ذلك سيتعين على الدول الأوروبية المغامرة بدفع أسعار أعلى كثيرًا لتحقيق هدف خفض اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي.

ويبد أن الهدف الأوروبي من خفض الاعتماد على الطاقة من روسيا غير واقعي؛ نتيجة لعدة أسباب تقنية أيضًا تتمثل في: سعة منافذ التفريغ، وتوفر خطوط الأنابيب التي تربط الدول الأوروبية، بجانب الالتزامات التعاقدية طويلة الأجل للدول المصدرة مع زبائنها الآسيويين ومناطق أخرى على مستوى العالم. لكن رغم كل تلك العقبات يتضح أن أحد أهداف زيارة الرئيس الأمريكي لبروكسل لحضور اجتماعات حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاجتماع بالقادة الأوروبيين- هو حث دول أوروبا على التخلي عن مصادر الطاقة الروسية؛ كي يزداد تضييق الخناق على موسكو.

موقف صعب

ومما زاد الأمر تعقيدًا أمام الدول الأوروبية أنها وجدت نفسها في موقف حرج عقب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء الماضي قراره بأن تكون مدفوعات تصدير الغاز الطبيعي والنفط لأوروبا بالعملة الروسية "الروبل" وليس بالعملة الأوروبية الموحدة "اليورو" ولا "الدولار الأمريكي". ولم يتضح حتى الآن رد الفعل الأوروبي تجاه ذلك الإعلان الروسي، خاصة أنه يعد دعمًا مباشرًا لـ"الروبل" الروسي الذي فقد نحو ربع قيمته منذ بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا.