هل الهدنة الإنسانية الإثيوبية خطوة نحو إنهاء الصراع الداخلي؟

خبير سياسي: آبي أحمد سيستفيد منها في تسويق مبادرة "الحوار السياسي الشامل"

  • 89
صورة أرشيفية معبرة

بعد مرور أكثر من عام ونصف على الصراع الدامي بين  القوات الحكومية الإثيوبية و"جبهة تحرير تيجراي" أتى على الأخضر واليابس، تعلن الحكومة الإثيوبية منذ ثلاثة أيام عن هدنة إنسانية مفتوحة الأجل؛ كي تصل المساعدات الإنسانية إلى سكان إقليم تيجراي الواقع شمالي البلاد.

ردود الفعل

قوبل هذا الإعلان باستحسان العديد من الجهات المحلية والعالمية؛ على أمل أن يكون بداية لوضع حد للمعاناة الإنسانية التي يعيشها ساكنو الشمال الإثيوبي بسبب المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية و"جبهة تحرير تيجراي"، ورحب به الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي،والإيقاد، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وتركيا، والعديد من الدول والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية.

يأتي الإعلان ضمن سياق الخطوات الفعلية التي بدأتها الحكومة الإثيوبية منذ نوفمبر الماضي نحو تحقيق الاستقرار وتهدئة الأوضاع الداخلية، واستجابة أيضًا لدعوة هيئة "الأمم المتحدة" وأمريكا وغيرها من القوى الكبرى التي تنادي منذ بدء الصراع إلى الكف عن القتال والتوجه نحو السلام والدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار فورًا دون شروط مسبقة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المحتاجين، ويضمن السلام والازدهار لجميع الإثيوبيين، ويسهم في الحل السياسي داخل البلاد.

واقع أليم

شهد إقليم تيجراي خلال الفترة الماضية ظروفًا إنسانية صعبة بسبب هذا النزاع، لدرجة أن برنامج الأغذية العالمي قدَّر أن أكثر من 9 ملايين شخص يقيمون في (تيجراي، وأمهرة، وعفر) يحتاجون إلى مساعدات غذائية إنسانية عاجلة منذ اندلاع الصراع في شمال إثيوبيا في يوم 4 من شهر من نوفمبر عام 2020م، وأعقب ذلك فرض القوات الحكومية الإثيوبية حصارًا خانقًا عليهم؛ ما نتج عنه آثار مدمرة على السكان بسبب استمرار النزاع في الإقليم ووجود قوات الجبهة في عفر –وهي المنطقة التي تمر عبرها القوافل البرية إلى تيجراي- دون تدفق المواد الغذائية والوقود إلى سكان الإقليم منذ منتصف ديسمبر الماضي؛ ما هدد حياة ملايين الأشخاص في تلك المناطقوعرضها لخطر المجاعة.

وعلى إثر ذلك اتهم "تيدروس أدهانوم" مدير منظمة الصحة العالمية في أول شهر مارس الجاري الحكومة الإثيوبية بعرقلة نقل الإمدادات الطبية والأدوية إلى الإقليم، ورفضت الحكومة الإثيوبية هذا الاتهام مؤكدة أنه لا أساس له من الصحة. ومن جهته أكد "متيكو كاسا"مفوض اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث في إثيوبيا أمس التزام الحكومة الإثيوبية بتعزيز المساعدات الإنسانية للمحتاجين في إقليم تيجراي، وأنه منذ يناير الماضي يتم تسيير رحلات جوية إنسانية إلى الإقليم لتوصيل الإمدادات الطبية والأدوية والأغذية لسكان الإقليم.

حوار وطني

أقر مجلس الوزراء الإثيوبي إنشاء لجنة "حوار وطني مستقلة" هدفها إيجاد توافق بين مختلف الأطياف المجتمعية والسياسية كنوع من الاستجابة لدعوة الحوار الشامل الذي وعدت به الحكومة الإثيوبية إبَّان إجرائها الانتخابات البرلمانية في شهر يونيو الماضي، وصدَّق مجلس النواب الإثيوبي على تشكيل اللجنة كمؤسسة مستقلة في شهر ديسمبر الماضي. وحينذاك قال آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي إن الطريق نحو المستقبل تعزيز الوحدة الوطنية، وتبع دعوة السلام هذه إطلاق سراح عدد من السياسيين المحبوسين لدى القوات الحكومية بمن فيهم بعض زعماء إقليم تيجراي المعارض.

وأعلن المؤتمر الأول لحزب "الازدهار" الحاكم في إثيوبيا -خلال منتصف شهر مارس الجاري- التزامه بالحفاظ على السلام والأمن؛ باعتبار أن السلام والأمن يمثلان الأولوية الرئيسة للحزب، وبدأ الحزب بالفعل في عمل مشاورات عامة مع قواعده في مختلف المدن والأقاليم؛ لمناقشة التوجهات السياسية التي تحدث عنها في مؤتمره الأول وحشد التأييد والتوافق حولها ومعرفة مختلف الآراء.

إيجاد حل سياسي

إعلان الحكومة الإثيوبية هدنة إنسانية مفتوحة وقبول "جبهة تحرير تيجراي" إيصال المساعدات الإنسانية إلى الإقليم يعد مؤشرًا على سعي طرفي الصراع نحو إيجاد حل سياسي للحرب الدائرة في إثيوبيا، وسط ترحيب محلي وإقليمي ودولي، وتكمن دوافع الحكومة الإثيوبية للهدنة الإنسانية في تخفيف معاناة الشعب الإثيوبي الإنسانية في (تيجراي، والعفر، والأمهرا)؛ من أجل تحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية على رأسها البحث عن سبل السلام، ونزع فتيل الأزمة والصراعات المسلحة، وحماية عملية الحوار الوطني الشامل الذي أعلنه آبي أحمد لتعزيز الوحدة الوطنية، وحتى تكون حائلًا أمام محاولات الضغوط الخارجية الدولية لا سيما العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتوقعة على إثيوبيا حال استمرار هذا الوضع الإنساني المتردي.

في حين تتمثل دوافع "جبهة تحرير تيجراي" لقبول تلك الهدنة في مخاوف قيادتها من تدهور الأوضاع الإنسانية وحدوث مجاعة محتملة في القريب العاجل؛ مل يؤلب شعب التيجراي ضدها والقيام بثورة جياع على تلك الحكومة المحلية للإقليم، إضافة إلى الضغوط الخارجية التي تتعرض لها قيادات جبهة تحرير تيجراي خاصة من واشنطن عن طريق "ديفيد ساترفيلد" المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي.

قراءة المشهد

في هذا الصدد، قال د. أبو بكر فضل محمد، الباحث في الدراسات الاستراتيجية بمعهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية بالخرطوم، إن الأوضاع في إثيوبيا اتجهت خلال الآونة الأخيرة نحو الاستقرار والتهدئة بعد صراع مرير وحرب ضروس تجاوزت إقليم تيجراي وعمت الأقاليم المجاورة كـ(عفر وأمهرا)، تلك الحرب التي استمرت لمدة زادت عن عام ونصف منذ اندلاعها في الرابع من نوفمبر ٢٠٢٠م، والتي خلفت وراءها أزمة إنسانية بالغة السوء بحسب تقارير أممية، لكن بعد معارك ضارية قادها الجيش الإثيوبي بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد ومناصريه من الشعب الإثيوبي مستلهمًا الجيش والشعب تمكن آبي من بسط نفوذ السلطات المركزية في معظم المناطق التي كانت قد وقعت في الجولة الثانية من الحرب في أيدي مقاتلي التيجراي، خاصة في إقليمي عفر وأمهرا.

وأضاف د. أبو بكر أنه بعد ذلك عاد آبي أحمد للعاصمة وأطلق حوارًا سياسيًّا شاملًا للتوصل  لتسوية سياسية مع معارضيه، ومحاولة إيجاد معادلة سياسية وإدارية بين المركزية القابضة والذاتية الإثنية في الأقاليم استجابة للخصوصية الإثيوبية الفريدة.

وتابع: تمثل الهدنة الإنسانية المعلنة من قبل الحكومة الإثيوبية في الرابع والعشرين من مارس الجاري، بداية الأمل والخطوة المهمة ضمن خطوات بغرض إنهاء الصراع بين الحكومة المركزية ومقاتلي تيجراي، وتمثل كذلك فتْح الطرق البرية لتوصيل المساعدات الإنسانية الماسة لعشرات الملايين من المحتاجين لتلك المساعدات في إقليم تيجراي واأقاليم المجاورة المتأثرة بالحرب وآثارها.

وأردف الباحث السياسي السوداني أن برنامج الغذاء العالمي يقدر عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية العاجلة في إقليم تيجراي والأقاليم المجاورة بنحو ٩ ملايين نسمة معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.

واستطرد: في تقديري اتجهت الحكومة الإثيوبية لهذه الخطوة انطلاقًا من مسؤولياتها الوطنية تجاه شعبها، والتزامًا بالمواثيق الدولية والقانون الإنساني الدولي، والعمل على  إنجاح الحوار السياسي وإنهاء الأزمة؛ لذلك اتخذت أديس أبابا هذه الخطوة للإسهام في تخفيف المعاناة الإنسانية وتهيئة الأجواء للحلول السياسية وكسب ثقة الشعب. وعلى صعيد آخر تبدو الخطوة استجابة للضغوط الدولية على طرفي الصراع؛ فحاولت الحكومة أخذ زمام المبادرة، ومن الإيجابيات أن جبهة تيجراي أعلنت موافقتها على الخطوة الحكومية المتعلقة بالهدنة الانسانية.

وختم قائلًا: يمكن القول إن الهدنة الإنسانية من جانب الحكومة الإثيوبية والترحيب من جانب جبهة تيجراي، كل تلك الخطوات تسهم في بناء الثقة بين الجانبين وصولًا إلى الدخول في مفاوضات لوقف إطلاق النار؛ ومن ثم الدخول في الحوار السياسي للتسوية الشاملة. ومن المؤكد أن آبي أحمد سيستفيد من هذه الخطوة في تسويق مبادرة "الحوار السياسي الشامل"، وخلق مناخ مواتٍ للمفاوضات مع جبهة تيجراي، والوصول لتسوية سياسية شاملة وتدابير أمنية تنهي الأزمة السياسية وإفرازاتها الأمنية والإنسانية؛ ومن ثَمَّ التفرغ لإعادة ما دمرته الحرب، وإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم. وقد جاءت هذه الخطوة بعد زيارة المبعوث الأمريكي ديفيد ساترفيلد لأديس أبابا مؤخرًا.