هل تصبح شمال أفريقيا ساحة صراع بين الشرق والغرب؟

المغرب يقترب من أمريكا وأوروبا.. والجزائر تقوِّي تعاونها العسكري مع روسيا

  • 43
صورة أرشيفية معبرة

تسعى روسيا وأمريكا إلى توسيع مناطق نفوذهما في قارة أفريقيا لاسيما دول شمال القارة، وزاد هذا التوجه  بالتزامن مع الأزمة الأوكرانية الحالية، وربما يكون هذا الأمر معتادًا في ليبيا منذ تردي الأوضاع فيها قبل نحو قرن، وتدخل أطراف دولية عدة فيها، ولكن الآمر مختلف بالنسبة إلى الصحراء الغربية وما يحدث مع الجزائر والمغرب من خلال المناورات العسكرية مع القوى الكبرى.

مناورات عسكرية

منذ فترة وسباق التسلح يسود بين الجزائر والمغرب، وكل دولة منهما تستعرض قواها من خلال المناورات العسكرية المتبادلة، لكن بعد مضي عدة أسابيع على مناورات مغربية فرنسية تمت على مقربة من حدودها مع الجزائر، أعلنت المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية عن الاستعداد لإجراء مناورات مشتركة مع الجزائر  لمكافحة الإرهاب، تقوم بها القوات البرية للبلدين خلال شهر نوفمبر المقبل بالجزائر في قاعدة "حماقير" الجزائرية، وقد انعقد المؤتمر التخطيطي الأول للإعداد لتلك المناورات في مدينة "فلاديقوقاز" بروسيا.

ستنفذ هذه المناورات تحركات تكتيكية للبحث عن الجماعات المسلحة، وكشفها وتدميرها، وسوف يشارك في التدريبات حوالي 80 عسكريًا روسيًّا من المنطقة العسكرية الجنوبية، وتنص خطة المناورات القتالية لقوات المنطقة العسكرية الجنوبية لعام 2022 على مشاركة عسكريين من المنطقة في تدريبات دولية مع وحدات من القوات المسلحة للجزائر ومصر وكازاخستان وباكستان.

قلق وتساؤلات

الإعلان عن هذه المناورات أثار قلقًا خصوصًا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على العالم أجمع، وطرحت تساؤلات أيضًا بشأن جعْل منطقة شمال أفريقيا ساحة للصراع بين الشرق والغرب، في ظل تقارب المغرب مع أوروبا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت ذاته تحالف الجزائر مع روسيا. وبقدر حرص الدول الغربية على تقوية علاقاتها مع الرباط خاصة في الفترة الأخيرة، تحرص موسكو كذلك على زيادة تعاونها العسكري مع الجزائر باستمرار عبر المناورات المشتركة أو اللقاءات العسكرية الرفيعة، التي كان آخرها انعقاد أشغال الاجتماع العادي للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية الروسية المكلفة بالتعاون العسكري والتقني في 25 مارس الماضي.

ساحة للحرب

المناورات العسكرية المنتظر حدوثها بين الجزائر وروسيا توضح طبيعة التوازنات الإقليمية والدولية لدول المنطقة؛ فهذه المناورات التي ستقام بالقرب من الحدود المغربية، رسالة واضحة ورد صريح على المناورات المشتركة "الفرنسية الأمريكية المغربية" على حدود الجزائر؛ وهذا يعني أن المنطقة دخلت بالفعل في مرحلة متطورة من التجاذبات والصراعات بين الشرق والغرب، التي تسعى موسكو وواشنطن من خلالها إلى توسيع مناطق نفوذهما والتعاون حاليًّا، خصوصًا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتدل تلك المناورات كذلك على مدى التفاهم التقارب بين الجزائر وروسيا، خاصةً إذا انتبهنا إلى رفض الجزائر طلبات الغرب بزيادة ضخ الغاز لأوروبا باعتبار أن ذلك يعد طعنة لعلاقاتها مع موسكو.

 ولها أيضًا دلالة تاريخية على اعتبار أن اختيار شهر نوفمبر له دلالة مهمة بالنسبة للجزائريين؛ فهو يوافق ثورتهم التحريرية التي اندلعت عام 1954م ضد القوات الفرنسية المحتلة، واختيار هذا الشهر لإجراء مناورات عسكرية كبرى مع روسيا ليست محض صدفة، فما هكذا تُدار الأمور، بل يحمل معاني عدة وكبيرة لدول العالم عامة والمنطقة خاصة، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار ما يحدث في العالم حاليًّا من إعادة ترتيبات جيواستراتيجية أكثر مما سبق، ويدل كذلك على أن الجزائر سيكون لها دور وموقع يليق بمكانها وسط تلك التوازنات داخل القارة السمراء، خصوصًا مع موقعها الجغرافي الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط والمتوغل في عمق الصحراء، بجانب نشاطها الدبلوماسي الكبير في كل مكان من أجل تثبيت موقعها كقوة إقليمية في شمال القارة لها كلمتها  وسط التجاذبات الدولية التي تحدث حولها.

وفي خضم تلك التحولات والتجاذبات العالمية تسعى الدول لإيجاد تحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية تتوافق مع رؤيتها، وتضمن مصالحها الحيوية، والجزائر يعيش مرحلة بناء شراكة قوية مع روسيا لا سيما خلال الفترة الماضية بعد زيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي إلى الجزائر، التي لم تحقق الجزائر ما كانت تطمح إليه من خلالها؛ ما جعلها تتجه مباشرة نحو الشراكة مع روسيا، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار طبيعة الخلافات المغربية الجزائرية، والرسائل التي تريد الجزائر إرسالها من خلال تعاونها مع حليف قوي مثل روسيا له حضوره وتأثيره الإقليمي والدولي، كنوع من الرد على التحالف أو التقارب "المغربي الأمريكي الفرنسي".