ضمن مخطط توغلها في أفريقيا.. الصين تسعى لتوطيد علاقاتها بالسود

  • 50
صورة أرشيفية معبرة

منذ عدة عقود والصين تسعى سعيًا حثيثًا للتوغل في قارة أفريقيا وتنمية علاقاتها مع الدول الأفريقية في جميع المجالات، والسودان من تلك الدول التي وطدت بكِّين علاقاتها معها من خلال الاستثمار النفطي والتجاري ومشروعات البنى التحتية لا سيما في ظل النظام السابق، ويبدو أن الصين تريد لعب دور أكثر نشاطًا في الخرطوم، وقد ظهر ذلك في نشاط مبعوثها للمنطقة العربية "تشاي جيون" الذي امتد ليشمل السودان، وتعيين بكِّين المبعوث الصيني للقرن الأفريقي في 11 يناير الماضي خلال جولة وزير خارجيتها "وانغ يي" في أفريقيا.

وبما أن السودان دولة عربية وأفريقية، فهي تحمل عضوية بارزة في منتدى التعاون العربي الصيني، والمنتدى الأفريقي الصيني كذلك، واستضافت الخرطوم بالفعل عددًا من اللقاءات الدورية لهذين المنتديين خلال الأعوام الماضية. ومن الناحية الدبلوماسية تُعد زيارة "تشاي جيون" للسودان خلال الأسبوع الماضي ولقائه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة- روتينيةً ضمن جولة تشمل عددًا من دول المنطقة. لكن ما يشهده الخرطوم من أزمات في الأعوام الثلاثة الماضية، وما حققته الصين من اختراقات سابقة في ظروف مشابهة لما يحدث في السودان وغيرها من دول أفريقيا، وكذلك توغل بكِّين القوي في المنطقة؛ يشير إلى أن هذه الزيارة وما سيتبعها عبارة عن محاولة لترسيخ دورها في المنطقة.

هذا بالإضافة إلى أهداف التوسع الصيني منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي؛ حيث نجد مشروع "طريق الحرير" وهو الحزام البري والبحري الذي يربط قارة آسيا والمنطقة العربية وشرق أوروبا، وهو ما يسعى إليه بجد الرئيس الصيني "شي جين بينج"، لدرجة أنه أنشأ له صندوقًا خاصًّا بحوالي 40 مليار دولار أمريكي لتمويل مشروعات البنية التحتية المرتبطة به.

حليف رئيس

لقد حافظت بكِّين على علاقات جيدة مع جميع الحكومات السودانية بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1956م، أيًا كان توجهها، وفي عام 1989م اتجه السودان شرقًا نحو الصين لا سيما بعد تدهور علاقاته مع أمريكا وفرض العقوبات عليه في عام 1997م، وكانت الصين حليفًا رئيسًا للسودان خلال تلك الأحداث. وبعد قيام "حكومة الإنقاذ" كلفت الحكومة السودانية وزارة التجارة بفتح مجالات التعاون الخارجي في عام 1994م  كنوع من الاحتياط بسبب الحصار المتوقع من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ووقعت حكومات السودان على 25 بروتوكولًا خلال الفترة الماضية مع الصين وأوكرانيا وروسيا لتمرير الخطوط البحرية السودانية بالبحر الأسود إلى البحر الأصفر. وبعد فرض الحصار على الخرطوم ساعدتها بكِّين بمعونات مختلفة، منها مستلزمات ملابس الجنود التي كانت تستورد من مصر حينذاك، التي تكلفت نحو مليون دولار.

وقد اتجهت الصين إلى السودان في عام 1993م من أجل الاستثمار النفطي. ولم تقتصر أهداف الصين من خلال علاقتها بالسودان على تأمين احتياجاتها من النفط فقط، بل زادت مجالات التجارة بينهما بجانب مشروعات البنى التحتية، وتوطيد العلاقات السياسية والثقافية، دون أن تؤثر الخلفية الأيديولوجية للنظامين على تلك العلاقات.

فخ الديون

كان يُنظر إلى العلاقات السودانية الصينية كنموذج يمكن أن يُحتذى به إذا صمدت أمام العقوبات الأمريكية، وحتى بعد انفصال الجنوب عام 2011م وتوقع تصدع العلاقات بعد ذهاب 75% من النفط إلى دولة جنوب السودان، لكن التعاون الصيني السوداني استمر وكان فاتحة لعلاقات صينية أفريقية أخرى. حققت بكِّين مكاسب كثيرة من علاقتها مع بالخرطوم، وفي مقابل ذلك قدمت قروضًا ومساعدات في عدة مجالا، لكن هذه المساعدات كانت بغرض تمرير الصين ما لديها من احتياطي الدولار في صورة قروض دون فوائد وبسخاء كي تفتح شهية الدول الأفريقية الفقيرة تجاهها، وهذا ليس في صالح السودان وغيره من الدول الأفريقية؛ لأن ذلك يؤدي إلى تراكم الديون السودان، وفي الوقت ذاته يضمن تدفق النفط السوداني للصين لعدة سنوات مقبلة.

وقد حدث ذلك بالفعل، ومن أجل ذلك حافظت بكِّين على علاقتها مع الخرطوم حتى بعد الانفصال وذهاب معظم البترول إلى الجنوب؛ فسعت إلى تأمين الحصول عليه من مكان، وحينما أحست الصين باستمرار حالة عدم الاستقرار في دولتي السودان وجنوب السودان؛ نفذت استراتيجية بعيدة المدى من خلال بناء المجمع البحري في جزيرة لامو الكينية على شواطئ المحيط الهندي لتسلُّم النفط السوداني، وضمان استمرارية تلقيها الموارد النفطية واستمرار التجارة مع دول القارة.

ورغم تلك الفوائد فإن المشكلة الأساسية للسودان التي ظلت الصين تتحاشى التعامل معها هي الزراعة؛ فقد اعتمدت بعض المشروعات الزراعية القليلة كزراعة القطن في الجزيرة وشرق السودان على المساعدات الصينية، ولم تدخل بكِّين بثقلها في هذا القطاع مثل باقي القطاعات النفطية والإنشائية، ربما يكون السبب في ذلك قلة الاستفادة الصينية الاقتصادية، أو أن بكِّين لديها اكتفاء ذاتي من الإنتاج الزراعي ولا تحتاج الاستثمار في هذا المجال.

الصين تسعى بقوة للهيمنة على الدول الأفريقية من خلال الاستثمارات والمشروعات، بجانب القروض التي تكبل بها أعناق العديد من دول القارة؛ حتى صارت الدائن الأول للبلدان الأفريقية على مستوى العالم، وكذلك المستثمر الأول في القارة السمراء، ولا يعنيها بأي حال من الأحوال أيديولوجية الأنطمة الأفريقية ولا ما يحدث داخل تلك البلاد؛ وهذه نقطة تشجع دول القارة على الاندماج معها بعكس الدول الغربية.