عاجل

هل توسع "الناتو" شرقًا خطأ أم صواب؟

  • 46
صورة أرشيفية معبرة

  استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتعرض أوروبا والعالم كله لخسائر كبيرة جرَّاء تلك الحرب التي ربما تطول، يطرح سؤالًا ملحًّا حول خطأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في توسيع حلف "الناتو" شرقًا، وأنه سبب الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، أم أنه كان ضرورة فرضها واقع تنامي القوة الروسية؟

مأساة كييف حاليًّا ليس لها مثيل في تاريخ أوروبا الحديث، وبقدر تحميل روسيا مسؤولية تلك الحرب، يمكننا أيضًا الإشارة بأصابع الاتهام ناحية الغرب في إثارتها وتأجيجها،إضافة إلى أن تاريخ الأزمة الأوكرانية يعود بالذاكرة إلى فترات ما بعد انتهاء الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا وتفكك الاتحاد السوفيتي؛ ما يضع توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" في مرمى الاتهام متحملا مسؤولية ذلك مثل موسكو تمامًا، لاسيما في ضوء تصريحات وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" بأن توريد "الناتو" الأسحلة لأوكرانيا بمثابة حرب بالوكالة، وأن مخازن تلك الأسلحة أهداف أهداف مشروعة للقوات الروسية، خاصة بعدما يتردد عن عزم واشنطن تزويد كييف بمروحيات "مي- 17"، ويعد كذلك انتهاكًا للالتزامات في مجال العلاقات الدولية.

غلطة كبرى

توسيع حلف شمال الأطلسي شرقًا كان خطأ كبيرًا، والولايات المتحدة الأمريكية تحمل النصيب الأكبر من تلك المسولية على اعتبار أنها قائدة ومحركة الدول الأوروبية والدافعة لهذا التوسع، بل سرَّعت من التحول إلى هيكل أمني جديد لأوروبا. لقد تمثل الخطأ الاستراتيجي في توسيع "الناتو" في ربطه فقط بالعلاقات مع روسيا؛ فالدول الغربية ترى أن هذا التوسع يجب أن يستمر من أجل الاستقرار في وسط وشرق أوروبا.

لكن رغم ذلك فقد كان في استطاعة الدول الغربية بذل مزيد من الجهود للتوصل إلى بنية أمنية أوروبية، وأوروبية آسيوية؛ لتوفير مظلة من العلاقات الاقتصادية الجديدة. علاوة على أن إنشاء منظمة أمنية أوروبية أطلسية جديدة تضم واشنطن وموسكو ربما كان سيقلل من احتمالية استياء روسيا من توسع الناتو والوقوف على حدوده هكذا؛ وكان هذا هو سبب الحرب على أوكرانيا؛ لذلك كان حريًّا أمريكا الالتزام بتطوير شراكة مع روسيا من أجل السلام. هذا بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة ثبطت الوحدة الأوروبية واستقلال الدول الغربية عنها؛ فهم لا يزالون يعتمدون عليها كثيرًا في الشؤون العسكرية والأمنية والدفاعية ضد روسيا.

الباب المفتوح

ورغم أن هذا التوسع  منح السلام والطمأنينة للمناطق التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي وما زالت مهددة من موسكو بحسب وجهة النظر الغربية، فإنه أضحى غاية في حد ذاته؛ بمعنى التوسع من أجل التوسع فقط لا من أجل الفائدة العملية دون أضرار، وانتهى الحال بتطبيق أوروبا سياسة الباب المفتوح للدول الغربية الراغبة في الانضمام للحلف، لكن رغم ذلك أيضًا فقد أعطى القليل من الالتزام الحقيقي لجورجيا وأوكرانيا على سبيل المثال، ونطاقًا قليلًا جدًّا للترتيبات الأمنية للدول غير التابعة لحلف شمال الأطلسي؛ وهذا معناه عدم الاستجابة للتحديات الاستراتيجية التي تواجه الدول الأوروبية غير الحليفة؛ ما أسهم في تحويل المواقف الروسية إلى مناهضة الغرب، وخلق مناخًا سياسيًّا استغله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتخذه ذريعة لحملاته ضد جورجيا عام 2008م، ثم تحول إلى أوكرانيا وهاجمها عام 2014م، وأخيرا غزاها عسكريًّا منذ أكثر من شهرين.

أسباب الخطأ

توجد أسباب متعددة توضح خطأ توسع حلف "الناتو" شرقًا، منها أن هذا القرار جاء خلال عصر ذهبي من العلاقات الروسية الغربية وفي مناخ مختلف، والسبب الثاني أن هذا التوسع أدى إلى تعريض استراتيجية توسيع الاتحاد الأوروبي للخطر، خاصة بعدما صارت عضوية "الناتو" شرطًا مُسبقًا غير مكتوب لعضوية الاتحاد الأوروبي. والسبب الثالث أن ذاك التوسع قلل ثقة موسكو في الدول الغربية و"الناتو"، خاصةً عقب العملية العسكرية لحلف شمال الأطلسي في يوغوسلافيا عام 1999م، وهي العملية التي كانت أول عمل عسكري موسع للحلف. والسبب الرابع أن هذا التوسع أوجد تناقضًا بين حق الدول في اختيار التحالفات الأمنية بحرية، وحق الدول الأخرى في معارضة توسع "الناتو" إذا ارتأت أنه تهديد لأمنها القومي مثلما فعلت روسيا مع أوكرانيا.