لماذا تندم أوكرانيا على تخليها عن أسلحتها النووية؟

  • 39
صورة أرشيفية معبرة

لا يزال الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا الذي بدأ منذ نحو شهرين ونصف يلقي بظلاله على مختلف المستويات، ويثير تساؤلات متعددة أهمها مدى صواب أو خطأ "كييف" حين تخلت عن سلاحها النووي خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي مقابل تأكيدات ووعود روسية وأمريكية وبريطانية بعدم المساس باستقلاليتها وسيادتها ووحدة أراضيها.

واقع مؤلم

ورغم اعتماد موسكو على الأسلحة التقليدية حتى الآن في العمليات العسكرية المستمرة حاليًّا، لكن ترسانة روسيا النووية الكبيرة كأنها تحرك الخيوط من خلف الستار وكان لها أكبر دور في عدم تجرؤ الغرب على اتخاذ خطوات تصعيدية عسكرية ضدها؛ فقبل الغزو بساعات قليلة تعمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تذكير العالم كله بأن بلاده إحدى أقوى الدول النووية، وأن من سيتدخل في تلك الحرب أو يمثل تهديدًا مباشرًا لبلاده سيواجه عواقب وخيمة ليس لها مثيل في التاريخ، ولم يكتفِ بذلك فحسب بل رفع بوتين حالة التأهب لقواته.

لكن بقليل من التفكير بتمعُّن ندرك أنه حتى دون وجود تهديدات نووية صريحة، فإن قوة موسكو النووية كفيلة بمنع الدول الغربية من مجرد التفكير في التدخل أو المشاركة في تلك الحرب، رغم دعم أوكرانيا بأسلحة خفيفة مضادة للطائرات وأسلحة مضادة للدروع، وأسلحة ثقيلة أيضًا، لدرجة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحدث أمس أمام الكونجرس وألمح إلى أنه لولا هذا الدعم لما استمر الأوكرانيون في القتال حتى الآن.

وهناك مخاوف من استخدام السلاح النووي الروسي في أي مرحلة مقبلة من الحرب، وهذه النقطة تحديدًا تقلق الغرب بشدة، وتسبب تلك النقطة حزنًا وغضبًا لدى الأوكرانيين لأنه بلادهم كانت ذات يوم موطنًا لثالث أكبر مخبأ للأسلحة النووية على مستوى العالم أجمع؛ فقد ورثت نسبة كبيرة من ترسانة روسيا النووية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام1991م، لكن في عام 1994م قررت أوكرانيا التنازل عن هذه الترسانة النووية مقابل وعود روسية وأمريكية وبريطانية بعد المساس بسيادتها ووحدة أراضيها من خلال اتفاق "مذكرة بودابست". وقد بدأ شعور الأوكرانيين بالحزن منذ عام 2014م بعدما ضمَّت موسكو شبه جزيرة القرم وغزت شرق بلادهم، والآن هم نادمون كثيرًا  على تلك المذكرة.

إعادة التفكير

بسبب تصرفات الرئيس الروس فلاديمر بوتين منذ عام 2014م وحتى الآن جعل الأوكرانيين ييندمون أكثر على تلك الاتفاقية، لكن رغم ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يتحملون جزءًا من المسؤولية؛ لذلك حذر سفير أوكرانيا في ألمانيا خلال شهر أبريل العام الماضي من أنه إذا لم تسمح واشنطن وحلفاؤها بالتحاق كييف لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو حتى لم تقدم ضمانات قوية وجادة وعملية لأمنها؛ فإن أوكرانيا ستحتفظ بحقها في إعادة النظر لوضعها النووي". وقد هدد الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي يوم 19 فبراير الماضي –أي قبل الغزو الروسي بخمسة أيام- بالانسحاب من اتفاق "مذكرة بودابست" إذا لم يتحقق هذان المطلبان. وبعد الغزو العسكري بأيام علق زيلينسكي ساخرًا على المساعدات الغربية لبلاده بأن وقود الديزل الذي قدمه "الناتو لقواته يمكن استخدامه في حرق "مذكرة بودابست".

لم يفت الآوان بعد

كان ينبغي على واشنطن ولندن تبنِّيهما رؤية أوسع تجاه التزاماتهما بموجب "مذكرة بودابست"، بجانب استعمالها كإطار هيكلي لإيجاد تعاون دفاعي أكثر مع كييف في الأعوام الثمانية الماضية؛ لأن مقاربة كهذه كانت ستطمئن الشعب الأوكراني بعدم معاناتهم نتيجة تخلي بلادهم عن سلاحها النووي، ولأسهم ذلك في تعزيز وزيادة مصداقية النظام الدولي في الحد من انتشار الأسلحة النووية. وعن طريق تدعيم دفاعات أوكرانيا -لا سيما الجوية منها والصاروخية- لتمكنت أمريكا وبريطانيا من رفع تكاليف الغزو الروسي كثيرا، بل ربما نجحا في ردعه.

مع كل أسف فاتت الفرصة لحدوث ذلك، لكن لحسن الحظ لم يفت الآوان بعد على تقديم الدعم الكافي لكييف من أجل الدفاع عن نفسها، من خلال توفير الدروع والدفاعات الساحلية والجوية والطائرات، وتقديم الدعم الاستخباراتي المكثف والمتْقَن لصدِّ الغزو الروسي.