لماذا توحَّد الشعب الروسي خلف قيادته في الحرب الأوكرانية؟

  • 91
صورة أرشيفية معبرة

مضى نحو ثلاثة أشهر منذ بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، لكن ما يثير تساؤلات هو مدى إصرار موسكو على تحقيق أهدافها دون الاستماع لأي أحد، وتعود نسبة كبيرة من هذا الإصرار إلى تماسك الجبهة الداخلية الروسية وتوحدها خلف قيادتها بنسبة كبيرة رغم وجود بعض تظاهرات الاعتراض على الحرب.

ويحظى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتأييد شعبي كبير زاد على 80% من جموع الشعب، وكذلك تأييد كبير داخل "الكرملين"، ويؤيده المسؤولون الروس في عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا لمواجهة واقتلاع"النازيين الجدد –حسبما يقول بوتين. ويسعى قادة روسيا –من خلال تلك المصطلحات التي يطلقونها- إلى استقطاب الرأي العام داخل البلاد وخارجها لاسيما الدول التي تعادي أمريكا والغرب، ضمن حملة سياسية إعلامية تواكب الحملة العسكرية على الأرض التي يشنها جيش البلاد منذ 24 فبراير الماضي بمشاركة الانفصاليين الأوكرانيين بإقليم دونباس الموالين لموسكو.

الوحدة خلف القيادة

لتضامن الشعب الروسي خلف قيادته تاريخ طويل يعود إلى حقبة الإمبراطورية الروسية خلال القرون الأربعة الماضية، الذي أدت تراكماته إلى تنامي الشعور القومي والفخر بالانتماء إلى الأمة الروسية التي تُعد القوة العسكرية الثانية على مستوى العالم، بجانب تقدمها الصناعي والتكنولوجي؛ فقد توحدوا سابقًا خلف القيصر "بطرس الأكبر" الشهير بقوته وشجاعته وتأسيسه جيشًا قويًّا وأسطولًا بحريًّا كبيرًا وتطوير بلاده وتحويل روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية الروسية، بعدما توسعت جغرافيًّا في أواخر القرن السابع عشر الميلادي وبدايات القرن التالي.

واصطف الشعب الروسي كذلك خلف الأمبراطورة كاترين الثانية المسماة بـ"كاترين العظيمة"، وتحولت روسيا إلى قوة عظمى في عهدها خلال أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. والتف الشعب الروسي خلال الحرب العالمية الثانية -في المرحلة الشيوعية- حول زعيمه جوزيف ستالين –رغم بطشه- مدافعين عن بلادهم ضد ألمانيا النازية. والآن يلتفون حول رئيسهم فلاديمير بوتين نتيجة لاعتقادهم أن الغرب بقيادة واشنطن يسعى لإضعاف بلادهم عن طريق تطويقها بضم جيرانهم إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقد استطاع بوتين توحيد اليمين والقوى الرئيسة في اليسار داخل روسيا حول توجهاته بخصوص الحرب التي يخوضها ضد الغرب في أوكرانيا؛ فقبل الحرب تمكن حزب "روسيا الموحدة" الذي أسسه بوتين في عام 2001م ويرأسه أيضًا من حصد أغلبية في البرلمان الروسي "الدوما". ويعود وقوف معظم الشعب الروسي خلف قيادته في تلك الآونة إلى تاريخ الصراع حول أوكرانيا مع الدول الغربية "الناتو" منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م، ومنذ ذلك الحين تسعى القيادات الروسية إلى استعادة هيبة بلادهم عالميًّا.

توسُّع "الناتو"

يوجد فهم عام لدى الرأي العام الروسي مفاده أن توسع حلف "الناتو" في محيط بلادهم خطر عليهم، وهذا الفهم آخذ في التعزُّز منذ تخلى الاتحاد السوفيتي -قبيل تفككه- عن ألمانيا الشرقية، وهم يلومون ميخائيل جورباتشوف على تساهله في هذا الشأن. وعندما ضم بوتين جزيرة القرم خلال عام 2014م لم يعترض الشعب الروسي عليه، وجاءت هذه الخطوة بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وهو ما يسميه الروس "الانقلاب المدعوم من الدول الغربية"؛ حيث إن غالبية سكان شبه جزيرة القرم من الروس، وأهداها نيكيتا خروشوف -الزعيم السوفيتي حينذاك- إلى أوكرانيا حينما كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي خلال عام 1954م. ويدرك الشعب الروسي تلك الحقائق والأحداث التاريخية المهمة التي ترددها أحزاب اليمين واليسار، ويرددون كذلك أنهم دفعوا ثمن استعادتها غاليًا من الزعيم النازي هتلر عندما احتلها، تمثل في مقتل 150 ألف جندي روسي. ويتذكرون أيضًا – لاسيما الجيل القديم منهم- أن تولي قوميين أوكرانيين ذوي عقيدة نازية الحكم في بلادهم خلال عام 2014م كان نتيجته خسارتهم نحو 20 مليون روسي للتخلص من النازية في أوروبا، وهو ما يطلقون عليه حاليًّا "الانتصار الكبير" الذي يحتفلون بذكراه في يوم 9 مايو من كل عام. هذا بالإضافة إلى أن الغرب وعد روسيا بعد عقد اتفاقية الدفاع والأمن المشترك بينها وبين أوروبا ألا يتوسع "الناتو" بعد ضم ألمانيا الشرقية، وألا يتعرض أمن أي دولة عضو في تلك الاتفاقية لخطر العدوان من أي دولة أخرى؛ لكن رغم ذلك فقد أخلف "الناتو" وعده وضم 4 مرات دولًا كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي؛ ما حدا بالروس حاليًّا إلى فقدان ثقتهم في الغرب والالتفاف حول بوتين.