العالم مقبل على أزمة غذائية.. والقمح يهدد استقرار الدول

  • 40
صورة أرشيفية معبرة

منذ بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا ويدور الحديث حول مدى تأثُّر العديد من الدول جرَّاء هذا الأمر على مختلف الأصعدة، وعلى رأسها الغذاء وعموده الفقري القمح، وهو من الحبوب الرئيسة في توفير الأمن الغذائي العالمي؛ حيث يتغذى عليه المليارات من البشر، وقد تأثرت أسواق القمح على مستوى العالم بسبب الحرب نتيجة الارتفاع المفاجئ في أسعاره وزيادة إجراءات الحماية.

خطورة الوضع

ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن روسيا -بعد انهيار الاتحاد السوفيتي- وأوكرانيا صارتا أكثر دولين منتجتين للقمح على مستوى العالم، ومعظم صادرات القمح عالميًّا تَرِدُ منهما؛ فأوكرانيا وحدها قبل الحرب كانت تصدر نحو 12 أو 13% من القمح على الصعيد العالمي؛ لذلك لا شيء يعوِّض غيابها عن خريطة القمح العالمية. أما روسيا فهي الأولى على مستوى العالم من ناحية تصدير القمح بما يعادل 37.3 مليون طن سنويًّا، وتتجه معظم صادرات القمح الروسي والأوكراني إلى الدول العربية والأفريقية والأوروبية.

وهذا وضع صعب جدًّا على تلك البلدان في ظل الحرب الدائرة الآن؛ لأن القمح محصول أساسي من ناحية الغذاء، واستراتيجي من ناحية امتلاك الدول زمام أمورها السياسية فمن يملك غذاءها يملك قراره، وهناك ملايين البشر حول العالم يستخدمون القمح في غذائهم إما في صورة مخبوزات أو دقيق أو صناعة السماد والعلف أو غير ذلك، ومع حلول الأزمة الحالية يزداد إنتاج الذرة وجارٍ الاعتماد عليها قليلًا في إنتاج الدقيق، لكنها تُستخدم أساسًا في تغذية الحيوانات أو في الاحتياجات الصناعية.

ويزداد الوضع خطورة بسبب عدم استطاعتنا إنتاج القمح في كل مكان في العالم؛ لأنه يحتاج إلى توافر مناخ معتدل ومياه كثيرة في الأماكن التي يُزرع فيها، ولا توجد إلا حوالي 10 دول تنتجه بكثرة ويمكنها تصديره، على رأسها روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والصين والهند وكندا، وقد خفَّضت أمريكا إنتاجها منه خلال السنوات الأخيرة لأنها فضلت إنتاج الذرة وفول الصويا.

تحديات كبيرة

نعيش حاليًّا في أجواء جيوسياسية معقدة تتمثل في تعددية الأطراف المنتجة للقمح التي تعاني من انتكاسات مناخية وموجات جفاف شديدة لا سيما في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط، وهناك قلق في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من ذلك، وتعاني الهند –وهي ثاني أكبر مصدِّر للقمح عالميًّا- من جفاف قاسٍ ولن تتمكن من تصديره خلال هذا العام، رغم أنها تمتعت بحصاد استثنائي في العام الماضي ومخزون احتياطي سمح لها بطرح كميات إضافية في الأسواق العالمية، إضافة إلى استمرار ارتفاع الأسعار عالميًّا، وكانت مرتفعة أساسًا قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي ظل الحرب الدائرة الآن فليست هناك دولة قادرة على تصدير كميات أكثر من المعتاد، وربما تستطيع موسكو فعل ذلك، لكن هذا الأمر مرهون بإنتاجها محصول جيد وبكميات وفيرة أكثر من العام الماضي، وحتى لو توقفت الحرب الآن فلن تستعيد كييف طاقاتها الإنتاجية والتصديرية على الفور، بل ستحتاج إلى وقت لتدارك الأمر وإصلاح ما أتلفته الحرب من أراضٍ ومعدات ومطارات ووسائل نقل.

وعلى الصعيد العالمي فنحن أمام مخاطر حقيقية وطويلة الأمد؛ فهناك نحو 270 مليون طن من المخزون العالمي للقمح، في حين أن سكان الكوكب يستهلكون كل عام حوالي 800 مليون طن قمح، نصف هذا المخزون يوجد في الصين التي لديها ما يكفيها لمدة عام. وبعيدًا عن مخزون بكِّين، تُعد جميع المخزونات العالمية من الحبوب عند أدنى مستوياتها منذ 25 عامًا؛ لذلك لا بد من وجود تنسيق وتعاون وتضامن دولي حتى لا تعاني أي بلد من عدم استقرار أمنها الغذائي. ويجب السعي نحو زيادة الإنتاج حيثما أمكن ذلك، خاصة في الدول الأفريقية، لكن ذلك مرهون بتحقيق السلام والأمن في تلك البلدان.