النجاح غير المرئي

نهى عزت

  • 55

كثير منا تأتي عليه أوقات فتور وعدم قدرة على إنجاز أي مهام، والغالب عند ذكر كلمة فتور يتبادر إلى الذهن الفتور عن العبادات كالصلاة والصيام وقراءة القرآن وما شابه، لكن الفتور قد يكون أوسع من ذلك، ولكن لو تُرك بلا مجاهدة ومحاولة من الممكن أن يؤدي إلى انقطاع عن العبادات والنوافل بل قد يزيد عياذًا بالله ويصيب العبد ويجعله يقصر في الفروض الواجبة عليه.

الفتور انكسار وضعف يأتي بعد شدة ونشاط، والفتور آفة خطيرة مذمومة قد توقع العبد في الإحباط ولا تجعله يرى إنجازاته وما يقدمه من أعمال ناجحة مؤثرة عليه وعلى من حوله فيستحوذ عليه الشيطان ويوقعه في اليأس والقنوط.

وهذا الفتور له أسباب كثيرة منها عدم التعلق بالله، ترك مجالس الصالحين والبعد عن الصحبة الطيبة، عدم التفكر في مآل العباد ونهاية الدنيا، ونسيان الآخرة.

وقد ذكر القرآن صفة من صفات الملائكة مادحًا لهم أنهم لا يفترون، قال تعالى في شأنهم: "يسبحون الليل والنهار لا يفترون"

وفي المقابل ذكر من صفات المنافقين -عافانا الله- صفة الفتور، قال تعالى: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ"

ثبطهم يعني أخرهم عن الخروج، وذلك بسبب فتورهم فركنوا إلى الكسل في وقت وجب عليهم فيه النشاط والعمل والخروج للقتال.

والفتور أمر وارد ففي الحديث «لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ»

لذا نرى أنه عندما يباغت الإنسان الفتور أو قلة النشاط، أو حديث النفس عن ترك كل نشاط وخاصة إذا كان عملًا من أعمال الخير والبر التي يبتغي بها وجه الله، أن يحدث الشخص نفسه بإنجازاته ونجاحه فيما مضى وتأثيره في تمام عمل ما، وأنه على ثغر قد يكون نجاحه فيه غير مرئي للجميع لكنه نجاح لمنظومة كاملة، أو استمرار لعمل طيب، وعليه لا يترك نفسه لوساوس الشيطان وتلبيسه على العبد بأنه مهما فعل فهو مقصر ولن يستطيع تأدية ما عليه، بل ينفض كل هذا عنه، ويبدأ من جديد من غير أن يثقل على نفسه، وقبل كل هذا يبدأ مستعينًا بالله، مستعيذًا به من الكسل والعجز.

قال ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأنَّهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله، وحقوق نفسه، وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده، وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل، والإجمال في الطلب، ولا يكون عالةً، ولا عيالًا على غيره، ما مُتِّع بصحة جوارحه وعقله).

 ولا شك أن هذا يحتاج إلى جهد وجد ومثابرة ولا شك أن الصحبة عليها عامل كبير، فليتخذ المرء صاحبًا يعينه على أمر نفسه ويشد من أزره حتى يخرج من هذا الفخ، ويعود لحياته وعمله وعباداته ويكمل باقي نجاحاته وإنجازاته حتى لو كانت غير ظاهرة فهي بلا شك مؤثرة ونافعة بإذن الله تعالى، وأعظمها نجاحًا خروجه من فتوره وعودته إلى نشاطه وسابق عهده الطيب.