لماذا تسعى إريتريا للتقارب مع السودان؟

  • 251
الفريق البرهان

مما يثير الانتباه خلال الآونة الأخيرة نمو العلاقات بين الخرطوم وأسمرة، بعدما كانت إريتريا أقرب إثيوبيا التي تتوتر علاقتها بالسودان حاليًّا بسبب السد الإثيوبي والخلاف الحدودي حول منطقة الفشقة، وتسعى أسمرة إلى تعزيز علاقاتها بالخرطوم حتى تكون لها يد في حل الأزمة السياسية داخل السودان التي حدثت منذ سيطرة عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني على مقاليد الأمور في يوم 25 أكتوبر العام الماضي.

وسبق أن طرحت إريتريا -خلال استقبال السودان في يوم 11 أبريل الماضي- وفدًا من أسمرة كان من ضمنه عثمان صالح وزير الخارجية ويماني قبراب مستشار الرئيس الإريتري، مبادرة لمعالجة الأزمة السياسية السودانية وتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، وسلَّم عيسى أحمد عيسى السفير الإريتري في الخرطوم –في اليوم التالي- رسالة خطية من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تؤكد اهتمام أسمرة بتطورات الأوضاع في الخرطوم، وشددت على أهمية توحيد الجهود من أجل الوصول إلى رؤية موحدة لجميع الفرقاء السياسيين كي تنتهي تلك الأزمة. فما هي دوافع تطور العلاقات السودانية الإريترية المفاجئ، وما هي تأثيراته على مستقبل علاقات البلدين مع إثيوبيا؟

تغيُّرات سياسية

ترتبط دوافع التقارب السوداني الإريتري في الوقت الحالي ببعض التحولات بين أسمرة وأديس أبابا؛ فيبدو أن العلاقات بين القيادة العليا للبلدين - الرئيس الإريتري أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد- ليست على ما يرام، لا سيما بعد توقيع اتفاق السلام الإثيوبي الإريتري بمدينة جدة خلال عام 2018م برعاية المملكة العربية السعودية؛ فقد حدثرت تحولات أدت إلى سوء العلاقات بين الدولتين، مثل عدم تفعيل اتفاق جدة بسبب رؤية الرئيس الإريتري أنه لا يخدم مصالحه بل يمنح إقليم "تيجراي" فرصًا أكبر داخل إريتريا من ناحية فتح الحدود؛ وبِناءً عليه يمنح شعب "تيجراي" متنفسًا كبيرًا ويخدم مصالحه على المستويات كافة.

ومن هذا المنطلق شعر الرئيس أفورقي أن هذا الاتفاق الذي طوى صفحة أطول نزاع داخل قارة أفريقيا، يعد خسارة كبيرة له، ويخدم إثيوبيا و"تيجراي" أكثر من إريتريا. إضافة إلى الضغوط الدولية على أديس أبابا اضطر آبي أحمد لحل المشكلات مع "تيجراي"؛ لذلك فأي حوار وطني إثيوبي لا بد أن ينبني على أهمية إجراء مصالحة مع "تيجراي"، وهو ما لا يريده الرئيس أفورقي؛ لذلك غضب من تلك الخطوة وساءت العلاقات بين البلدين؛ وهذا انعكس بالطبع على عدة خطوات أمنية وعسكرية وكانت له تبعات سياسية، فالعلاقات الإثيوبية الإريترية الآن في أسوأ حالاتها، وهناك معارك على الحدود بين البلدين، علاوة على انسحاب القوات الإريترية من مناطق كانت تخدم إثيوبيا، وتوجد حشود عسكرية إثيوبية على الحدود الإريترية والسودانية؛ كل هذه الأمور بمثابة تحولات كبيرة في الوضع الأمني والعسكري لها تأثيراتها السلبية على العلاقات السياسية.

هذه الأسباب - خصوصًا سوء العلاقات الإثيوبية الإريترية- نتج عنها تحرك أسمرة ناحية الخرطوم من خلال مسارين: التفاوض بشأن العلاقات بين البلدين، وإجراء نقاشات حول العلاقات السودانية الإثيوبية، بجانب نقاشات تخص "تيجراي"، ورغم ذلك فليست زيارة وزير الخارجية الإريتري ومستشار الرئيس أفورقي للخرطوم هي التي ستنجز تلك المهمة، بل لا بد من إتباع ذلك بخطوات عملية على أرض الواقع.

وهناك عدة مسائل ترتبط بشرق السودان، وأخرى تخص الداخل الإريتري تتعلق بأمور اقتصادية، وأخرى أمنية وعسكرية لها صلة بنوعية المشكلات القائمة في منطقة "الفشقة" الحدودية المتنازع عليها بين الخرطوم وأديس أبابا، إضافة إلى مشكلة إقليم "تيجراي"؛ كل تلك الأمور تحتاج إلى تفاهمات في ظل التحولات التي حدت في علاقات إريتريا وإثيوبيا، لكن يوجد سؤال مهم ألا وهو: هل لدى السودان استعداد للتقارب مع إريتريا؟ وسوف تجيب الأيام المقبلة عنه عبر التحركات الفعلية، أو على الأقل وجود مؤشرات حقيقة لذلك على أرض الواقع عبارة عن الزيارات المتبادلة بين البلدين، أو تغيير بعض الأوضاع على الحدود بين الدولتين، أو حدوث تطورات إريترية إيجابية في منطقة "الفشقة"، بجانب أي تحرك إيجابي تقوده أسمرة تجاه قضايا شرق السودان المستعر.

تهيئة الوضع

ينطلق الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي من مخاوف التهديد من جبهة "تيجراي" على اعتباره عدوه التاريخي اللدود، خاصةً في ظل ما يتمتع به من إمكانيت قتالية كبيرة، وإذا حدث تصالح وتسوية بين "تيجراي" والحكومة الإثيوبية فربما يؤدي ذلك إلى إنشاء تحالف بينهما؛ ما يعني أن هذا الوضع سيكون بداية النهاية لأفورقي ونظامه. ويقع الرئيس الإريتري كذلك تحت ضغط تلويح "تيجراي" بتسليم أسرى الحرب لديها إلى هيئة الأمم المتحدة، وهي الهيئة التي طردها أفورقي من بلاده بالتزامن مع فرض العقوبات الأمريكية على بلاده، وهؤلاء الأسرى بمثابة ورقة ضغط قوية في أيدي "تيجراي" حيث يزيد عددهم على 2000 مقاتل، معظمهم من شباب إريتريا المجبرين على القتال تحت بند الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش البلاد، وعلى أتم استعداد لتقديم شهاداتهم وإثبات الاتهامات الدولية لأفورقي ونظامه، ولديهم استعداد أيضًا للاعتراف بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بأوامر مباشرة من الرئيس الإريتري.

وفي ضوء هذا بدأ أفورقي يستعد ويحصن دفاعاته ويهيئ الوضع ويسعى لكسب الدعم الإقليمي والدولي، ومنها السودان الذي زاره وأسل إليه عدة رسائل متوالية، وروسيا كذلك التي صوت لصالحها في مجلس الأمن عندما حاول استصدار قرار إدانة لها بسبب غزوها العسكري لأوكرانيا، ما يعد نوعًا من المغازلة الإريترية لموسكو، ولم يكتفِ بذلك فحسب بل أبدى استعداده وعدم ممانعته إقامة قاعدة عسكرية روسية في بلاده؛ كي يتمكن من مواجهة السيناريوهات المتوقعة إذا وصلت الخلافات مع آبي أحمد وجبهة "تيجراي" إلى حد العمل العسكري.

وذاكرة التاريخ السياسي بخصوص العلاقات الثلاثية بين السودان وإثيوبيا وإريتريا ملأى بالأحداث المؤسفة خلال العقود الثلاثة الماضية التي شهدت عداء كبيرًا بين أديس أبابا وأسمرة، وهذه الأحداث تشير إلى أن أي تقارب في العلاقات بين الخرطوم وأحد الطرفين سيفهمه الطرف الآخر بأنه تآمر عليه، وقد راعى السودان هذا الوضع طوال الفترة الماضية حتى إعلان اتفاق السلام الإثيوبي الإريتري في عام  2018م، والآن انكشاف حقيقة هذا الاتفاق عاد ذاك الاعتقاد القديم إلى الأذهان السودانية من جديد؛ لذلك ينبغي على الخرطوم قليل من التوقف والتأمل لحساب الأوضاع وعدم التسرع في رد فعل يُحسب عليها ويُوقعها في المحظور، وذلك في ضوء سعي أسمرة المتسارع للتقارب معها.