كيف بدأت وانتشرت ثقافة السلاح في أمريكا؟

  • 45
الفتح - انتشار السلاح الأمريكي

انتشر حمل وامتلاك السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مفزعة؛ فمنذ أقل من أسبوعين وقعت حادثتان أليمتان إثر إطلاق نار نتج عنه موت 10 مواطنين أمريكيين من ذوي البشرة الملونة، وتبعه حادث إطلاق النار على طلاب مدرسة مات خلاله 19 طفلًا ومعلمتين؛ ما أثار تساؤلات حول طبيعة ثقافة حمل السلاح والعنف في أمريكا ونشأتها؟

نشأة الثقافة

ربما لا يعرف الكثيرون شيئًا عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها كانت محتلة من بريطانيا العظمى، وقامت ثورات مسلحة لسنوات طوال انتهت باستقلال أمريكا عام 1776م، ومنذ ذلك الحين والشعب الأمريكي يحمل السلاح. ويبدو أن "حرب الاستقلال" هذه جعلت الأمريكيين يؤمنون بضرورة حمل السلاح للحفاظ على سلامتهم، وشجع على ذلك بصورة كبيرة التطور السريع في صناعة الأسلحة داخل أمريكا، وهذا التطور ربما لعب على وتري العنصرية والخوف من عدم الاستقرار بجانب تحقيق المكاسب المادية الكبيرة والسريعة.

بدأت ثقافة حمل السلاح الأمريكية وأهميتها خلال فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الثامن عشر الميلادي في تلك الدولة التي كانت تقاوم من أجل الحصول على الاستقلال، وكان امتلاك الفرد سلاحًا ناريًّا معناه الوقوف ضد النظام البريطاني الملكي المحتل حينذاك؛ وهذا بالطبع له عواقب وخيمة.

وبدأت تنشأ لدى الدولة فكرة وجود قوات حفظ النظام للدفاع عن الشعب الأمريكي مقابل تخليه عن حمل السلاح وتحقيق العدالة بنفسه، لكن في الوقت ذاته لم يُحرم من يريد حمل السلاح وامتلاكه على اعتبار أنه حق مشروع لهم، وقد تُرجم ذلك من خلال تسوية جرى التوصل إليها في عام 1791م، وأكدها وأرساها ما يعرف بـ"التعديل الثاني للدستور الأمريكي" في شهر ديسمبر من العام ذاته، الذي نادى بأن الميليشيات المنظمة جيدًا ضرورية لحفظ أمن أي دولة حرة، لكن لا يجوز رغم ذلك انتهاك حق الناس في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها.

وخلال القرنين التاليين تطور الأمر وصارت الأسلحة النارية عنصرًا أساسًا في صنع أسطورة الولايات المتحدة الأمريكية في وجدان شعبها وبقية الشعوب، سواء عبر صفحات تاريخها المجيدة أو القاتمة؛ فعن طريق السلاح الناري واجه رواد الغرب الأمريكي المعادين وقطاع الطرق والخارجين عن القانون، وهو ما برعت في تصويره السينما الأمريكية مثلما فعلت في أفلام الـ "ويسترن". لكن كان للسلاح الناري دور كبير في القضاء على القبائل الهندية والاعتداء على المواطنين ذوي البشرة المختلفة.

ثم جاء القرن العشرين وتوسعت المدن وانتشرت، ووجدت أمريكا نفسها أمام معضلة كبيرة بسبب تصاعد حدة العنف نتيجة استخدام الأسلحة النارية بصورة لا مثيل لها في غيرها من الدول؛ فعلى سبيل المثال وقعت أكثر من 265 ألف جريمة قتل بالأسلحة النارية خلال الفترة بين عامي 1900 - 1964م؛ بسبب ذلك كان لزامًا على السلطات الفيدرالية الأمريكية اتخاذ إجراءات صارمة للحد من العنف، مثل: قرار حظر البنادق الرشاشة عام 1934م، وإلزام ملاك الأسلحة النارية بالتصريح عنها للسلطات، وإضافة إلى ذلك سعت الولايات كذلك إلى فرض قيود على الأسلحة النارية فمنعت حمل السلاح علانية. وانسجم المواطنون الأمريكيين مع تلك القرارات حفاظًا على أرواحهم؛ حيث كانوا يؤيدون بنسبة تفوق 60% حظر امتلاك الأسلحة النارية كليًّا على الأفراد.

شركات السلاح

وعلى الجانب الآخر، كان لشركات تصنيع السلاح و"الجمعية الوطنية للبنادق" –أو ما عرف بـ"لوبي الأسلحة" وذاع صيته وقتذاك- رأي آخر؛ فقد شنوا حملات شديدة على تلك القرارت دفاعًا عن حق حمل السلاح بزعمهم لكن في حقيقة الأمر كانوا يدافعون عن مكاسبهم المادية الطائلة؛ ومع كل أسف نجحت تلك الحملات في منع فرض قيود تقلِّل من استخدام السلاح حتى من دون حظره، ولم يبق أمامهم إلا حظر بيع الأسلحة النارية عن طريق المراسلة، وهذا الحظر أيضًا يمكن الالتفاف عليه بسهولة.

وبعد ذلك اتحدت "الجمعية الوطنية للبنادق" مع "الحزب الجمهوري" في سبيل الدفاع عن التعديل الثاني للدستور؛ على أساس أنه كرَّس حق المواطنين في امتلاك الأسلحة النارية حسب تفسيرها له، وتطور الأمر فيما بعد حتى دعَّمت تلك الجميعة بالتحالف مع "الحزب الجمهوري" أيضًا فكرة تحقيق مكانة اجتماعية أرقى من خلال امتلاك السلاح الناري؛ لذلك لعبت الأسلكة النارية دورًا كبيرًا في تحديد الهوية السياسية، خاصة في المناطق الريفية التي كثيرًا ما سعى الجمهوريون نحو الاحتفاظ بالسيطرة عليها على حساب الديمقراطيين. ولم يكتفِ هذا اللوبي بذلك فحسب، بل بدأ في الارتباط مع اليمين الديني المتطرف لكسب تأييده، وصار يستخدم تعبيرات وشعارات ذات دلالات دينية.

وارتفعت مبيعات السلاح في أمريكا، وبدأ لوبي السلاح وصناعه في الترويج لبضاعتهم من أجل الدفاع عن النفس بزعم وجود أعمال شغب وسرقات، وفي الوقت ذاته عرضت ترسانة كبيرة من المعدات العسكرية كالسترات الواقية من الرصاص، والأسلحة الثقيلة، بجانب الأسلحة الرشاشة والخفيفة، واستغلت صعود حركات تروج لنظرية عنصرية تنادي بتفوق البيض على السود، خاصة بعد انتخاب الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو الرئيس الأول للولايات المتحدة الأمريكية من غير البيض، واستمرت المبيعات في الزيادة حتى يومنا هذا.