عقبات في طريق حسم الملف النفطي بين السودان وجنوبه

  • 62
الفتح - النفط السوداني

كان النفط ولا يزال أداة قوية في النهوض باقتصاد البلاد، بل وله كلمة عليا في مجال السياسة والعلاقات الدولية، وقد كان الأمر كذلك في السودان قبل انقسامه عام 2011م، لكن بعد انفصال الجنوب عنه وذهاب ما يقرب من 75% من نفط البلاد إلى جوبا؛ بات السودان الشقيق يعاني أزمات اقتصادية عدة، ويحاول الآن استعادة توازنه، ويسعى للتعاون مع دولة الجنوب خاصة في مجال النفط.

تحرُّك عملي

تتحرك الحكومة الانتقالية الحالية في دولة السودان من خلال اتجاهين: الأول استثمار المربعات النفطية التي تضم مناطق مكتَشفة سابقًا، وتلك المناطق منتجة للنفط بالفعل وجارٍ العمل على تطويرها، بالإضافة إلى مناطق أخرى مكتَشفة حديثًا لكن لم يجرِ العمل فيها حتى الآن. والمربعات النفطية في السودان تتركز في 26 مربعًا، 5 منها بحرية داخل المياه الإقليمية والمناطق الساحلية للبحر الأحمر، وباقي المربعات برية تشمل الولايات المختلفة.

الثاني يتم ضمن إطار المباحثات المشتركة بين دولتي السودان وجنوبه بهدف زيادة التعاون المشترك بينهما  في مجال النفط، بجانب بحث الترتيبات الفنية والمالية وكيفية زيادة الإنتاج النفطي، وكذلك تقييم تنفيذ الاتفاقيات السابقة بينهما، وتحديد العقبات التي تواجههما في سبيل ذلك من أجل تخطيها والتغلب عليها لا سيما ما يتعلق بتبعات الانفصال.

اتفاقيات مشتركة

جرت مباحثات بخصوص النفط خلال الأسبوع الماضي بين الخرطوم وجوبا، وتطرقت إلى الاتفاقية الموقعة بينهما عام 2012م، واننتهى أجلها في شهر مارس الماضي، واتُفق فيها على نقل خام دولة جنوب السودان ومعالجته. لكن رغم وفاء جوبا بنحو 3 مليارات دولار هي قيمة التزاماتها المالية الناتجة من انفصالها، فإن الاتفاقية انتهت دون حل مسائل مهمة وعالقة متوارثة منذ عهد النظام السوداني السابق. ولكي يتم توقيع اتفاقيات جديدة بين البلدين، فلا بد من حل القضايا العالقة بينهما أولًا، وهي المشكلات التي ستنتقل بطبيعة الحال إذا لم تُحل إلى أي اتفاق جديد، حتى في ظل تصريحات الجانبين بأنها ستُبنى على قواعد فنية واقتصادية لا سياسية.

والجميل في هذه المباحثات هو عدم بروز الخلافات بين البلدين على سطح الأحداث، ولم يتطرق أي من وفدي حكومتي الدولتين إليها، عكس ما كان يحدث سابقًا من احتكاكات وتراشق وتبادل الاتهامات. وقد تأثرت المواجهات السابقة بين الطرفين بالحرب الأهلية التي بدأت في جنوب السودان عام 1955م، وزادت حدتها عام 1989م؛ وأصبحت حربًا بين الشمال والجنوب استُخدمت فيها الأرض التي اكتُشفت فيها حقول النفط على أنها مادة للصراع، حتى آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن من وجود دولتين كانتا في الأصل واحدة!

وحتى بعد انفصال الجنوب أضحت حقول النفط أساس يرتكز اقتصاده الناشئ، لكن حالت الحرب والصراعات المستمرة دون الاستفادة منها رغم أهميتها الكبيرة؛ فحدث انخفاض في إنتاج النفط، إضافة إلى الخلافات الكبيرة التي حدثت بين النظام السوداني السابق وحكومة جوبا الجديدة، وزاد الوضع سوءًا حدوث خلافات بين رئيس جنوب السودان سلفا كير ونائبه رياك مشار، وسعي كل فرد منهما إلى السيطرة على السلطة والثروة. علاوة على الاضطرابات البيئية نتيجة الفيضانات وحرق القرى؛ مما تسبب في هجرة السكان؛ ما أثر سلبيًّا في العمالة والإنتاج داخل مناطق النفط.

وبدأت حكومة جوبا في توسيع نطاق الاستثمار الأجنبي، بجانب الاستثمارات الفعلية لشركة "الوطنية الصينية" و"أو جي أن سي" الهندية وشركة "بتروناس" الماليزية. وطفا على السطح بوادر عودة اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بدولة جنوب السودان.

عقبات

كانت هناك العديد من العقبات التي واجهتها الاتفاقيات السابقة، مثل عدم حسم مشكلة "أبيي" وهل ستتبع السودان أم جنوب السودان؟ وهي قضية مهمة وأصيلة وعقبة كبرى منذ بداية اكتشاف النفط في حقولها؛ فبحسب اتفاقية أديس أبابا الموقعة بين حكومة السودان و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" -قطاع الشمال- في الجنوب، اتُّفق على الترتيبات الأمنية والسياسية، ووضع حل نهائي للأزمة ووقف التصعيد. وكذلك سداد ديون الصين المستحقة على السودان من تلك العائدات النفطية، وكيفية تعيين قيمة السداد للبلدين، بجانب تذمر المجتمعات المحلية حيث ترى أنها لم تحصل على نصيبها من العائدات النفطية بصورة عادلة.