الحرب الروسية الأوكرانية تتحكم في أسعار المواد الغذائية

  • 37
الفتح - حبوب غذائية

مضى نحو أربعة أشهر على بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، ولا تزال تداعياته تطال أوجه الحياة كافة، لا سيما ما يتعلق بالسلع الغذائية ومدى توافرها وأسعارها؛ حتى بات المعروض العالمي من الغذاء سلاحًا استراتيجيًّا؛ لأن كييف تعد إحدى سلال الخبز على مستوى العالم؛ فهي البلد الأول عالميًّا من ناحية تصدير زيت عباد الشمس، ومن كبار منتجي ومصدري الحبوب، وتصدر هي وروسيا ثلث احتياجات العالم من القمح تقريبًا.

حصار خانق

وبسبب الحرب الحالية يوجد حصار مفروض على موانئ أوكرانيا يخنق العديد من الإمدادات المهمة من هذه المحاصيل الغذائية الأساسية الموجهة إلى مختلف دول العالم، بجانب ارتفاع أسعارها كثيرًا؛ وهذا يهدد سكان الدول النامية بخطر المجاعة؛ قبل الغزو العسكري كانت كييف وموسكو مسؤولتين معًا عن 100% من واردات الصومال من القمح، و80% من واردات مصر من المحصول نفسه، و75% من واردات السودان من القمح أيضًا.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية على مستوى العالم حتى وصلت لأعلى مستوياتها على الإطلاق منذ بداية الغزو تباعًا للارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، ويعاني المواطنون في مختلف البلدان من جرَّاء تلك الأحداث، لدرجة أن وكالات الإغاثة الإنسانية تعاني كذلك ليس فقط من أجل الوصول إلى الذين يواجهون نقصًا حادًّا في الإمدادات الأساسية داخل أوكرانيا نفسها، بل لكي تحافظ أيضًا على استمرار عملياتها الإغاثية في بلدان أخرى.

ومع استمرار تلك الحرب فمتوقعٌ تفاقُم تأثيراتها في مجال الأمن الغذائي على مستوى العالم؛ لأن الحقول الأوكرانية تُحصد عادة في شهري يونيو ويوليو من كل عام، وتتوقع هيئة الأمم المتحدة أن نحو 30% من المحصول المعتاد جمعه في أوكرانيا إما أنه لم يزرع أو لن يحصد بسبب اضطرار الكثيرين إلى الاشتراك في القتال أو التخلي عن أراضيهم والهروب من ويلات الحروب، في حين يعاني آخرون من الحصول على الأسمدة والوقود اللازم لتشغيل آلاتهم ومعداتهم الزراعية؛ وبذلك فقد قلَّلت الحرب نسبة الناتج من المحاصيل الزراعية الأوكرانية هذا العام، وسيزداد ذاك الضرر في مواسم مقبلة؛ وبذلك ستتأثر إمدادات الأسواق العالمية بالمواد الغذائية.

حلقات الاتصال البحرية

وخلال الحرب الروسية الحالية على أوكرانيا، حاصرت موسكو "أوديسا" وهي بمثابة القناة أو المحطة الأساسية للصادرات في أوكرانيا، وحاصرت كذلك الموانئ المحيطة، إضافة إلى احتلال المدن الساحلية الكبرى الأخرى ومحاصرتها أيضًا؛ وبذلك قطعت روسيا الروابط البحرية – وهي تعد حلقات الاتصال البحري- بين أوكرانيا ومختلف البلدان. ومن جانبه، يحاول الاتحاد الأوروبي الآن إخراج المواد الغذائية من أوكرانيا عن طريق البري، لكن توجد عقبات كبرى أمامه من أجل تحقيق ذلك؛ لأن الطرق والسكك الحديد في أوكرانيا تعاني من نقص كبير في التمويل والصيانة، وقد كان نقل البضائع في مختلف أنحاء البلاد عبر هذه الطرق يمثل تحديًا صعبًا حتى قبل الحرب، فما الحال وقد استعرَّت الحرب؟! ومنذ بدء هذا الغزو العسكري أضحت تلك الشرايين التجارية هدفًا لقصف القوات الجوية الروسية؛ لذلك تواجه شحنات المواد الغذائية التي تصل إلى الحدود تأخيرات لفترات طويلة أثناء تفريغها وإعادة تحميلها، وهذه خطوة ضرورية لأن الكثير من مسارات السكك الحديد موروثة من عهد الاتحاد السوفيتي في أوكرانيا وغير متوافقة مع مسارات دول الاتحاد الأوروبي.

ومن الواضح أن استهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المدن الساحلية له أهداف استراتيجية؛ حيث يمنح ذلك موسكو نفوذًا وهيمنة كبيرَين على المجتمع الدولي، مثل مساومة روسيا على إنهاء الحصار الاقتصادي المفروض عليها من الغرب مقابل إنهاء الحصار لتلك المناطق؛ وهذا بطبيعة الحال يُلحق ضررًا كبيرًا بوضع أوكرانيا بصفتها مورد عالمي للقمح وزيت عباد الشمس؛ لأن القليل من الشركات على مستوى العالم لديها استعداد للمجازفة بالتجارة في البحر الأسود في ظل الحصار الروسي المفروض.

وبسبب ما تقدَّم تبحث الدول المستوردة عن مناطق أساسية أخرى منتجة للمواد الغذائية؛ لكي تسدَّ الفجوة وتحصل على احتياجات مواطنيها من الغذاء، وتستعيد الأسواق الغذائية ثقتها، علاوة على السعي نحو هبوط أسعار المواد الغذائية. وفي مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا الجنوبية وأوروبا والهند، يعاني المزارعون من ظروف صعبة بسبب زيادة الحرارة والجفاف الناتجين عن آثار تغير المناخ. ونتيجة للخوف من النقص المحلي في السلع الغذائية داخل أكثر من 25 دولة؛ اضطرت تلك البلدان إلى تقييد صادراتها من المحاصيل والمواد الغذائية الأساسية أو حظرها؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية وأسهم في استمرار تقلُّب أحوال الأسواق الغذائية على مستوى العالم؛ لأن خسارة صادرات الأسمدة الروسية –وهي ذات أهمية كبرى للإنتاج الغذائي لدى جزء كبير من أمريكا الجنوبية ووسط أفريقيا وأوروبا حتى أوكرانيا نفسها– بجانب ارتفاع أسعار الأسمدة العالمية بصورة غير مسبوقة؛ من شأن ذلك أن يقيد المحاصيل الزراعية في مواسم مقبلة.

وإذا لم تعد تلك الروابط البحرية بين أوكرانيا والأسواق العالمية؛ فإن عجلة خطوط الإمدادات الغذائية العالمية المهمة لن تدور؛ ولن يستطيع المواطنون -في مختلف البلدان- الحصول على المواد الغذائية التي تكفي احتياجاتهم، إضافة إلى زيادة أسعارها خلال السنوات المقبلة.