• الرئيسية
  • الأخبار
  • رغم حرص بكين على مصالحها مع الغرب.. إلى أي مدى سيظل التحالف الروسي الصيني قائمًا؟

رغم حرص بكين على مصالحها مع الغرب.. إلى أي مدى سيظل التحالف الروسي الصيني قائمًا؟

  • 59
الفتح - التحالف الروسي الصيني

قُبيل الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا بأيام قلائل أعلن الرئيسان الروسي والصيني عن تحالف غير محدود بين بلاديهما في مختلف المجالات؛ ما وضع الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق سياسي لا سيما بعد رفض العديد من الدول التصويت على قرار فرض العقوبات على موسكو مثل الهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وإندونيسيا ومعظم الدول العربية، وانضمت الصين إلى تحالف مع روسيا حتى وإن لم تدعمها عسكريًّا حتى الآن؛ ما يعني أن تلك الدول فضلت مصالحها العليا على الانخراط ضمن السياسة الأمريكية.

تبايُن وجهات النظر

ترى واشنطن أن الحرب الروسية الأوكرانية ستتسبب في أخطار أخلاقية واستراتيجية على الغرب والعالم أجمع، وأن النظام العالمي الموجود حاليًّا -الذي صممته أمريكا- تهدده موسكو نتيجة سياساتها، وعلى الجانب الآخر تنظر العديد من الدول المهمة إلى تلك الحرب على أنها مجرد صراع إقليمي بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا على فرض النفوذ والسيطرة، وليس تهديدًا خطيرًا للقوانين والأعراف الدولية كما تدعي أمريكا؛ لذلك غلَّبت مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية على السير خلف واشنطن، ولا أدل على ذلك أكثر من الهند التي رفضت إدانة روسيا واستفادت من الأسعار المخفضة للنفط الروسي واشترت أكبر كمية منه تخطت ضعف ما ابتاعته في العالم الماضي.

ورغم أن نيودلهي وإسلام آباد بينهما صراعات وخاضا عدة حروب فيما بينهما، فإن موقفيهما متشابه بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية؛ وهذا يعكس عدم رغبة أي من تلد الدول في المخاطرة بصنع عداوة مع موسكو، خاصة في ظل تمتع العلاقات الهندية الروسية بالثقة المتبادلة منذ منتصف حقبة الخمسينيات في القرن الماضي، حتى رغم قلة اعتمادها –الآن- على الأسلحة الروسية ووجود علاقات اقتصادية وأمنية كبيرة مع واشنطن، لكن تظل روسيا بالنسبة للهند أكبر مورِّد عسكري؛ حيث تستورد نيودلهي نصف أسلحتها تقريبًا من موسكو. وبالنسبة لباكستان فلم تنسها روسيا بل بدأت منذ فترة في محاولات إيجاد نوع من العلاقات الودودة بينهما؛ ويتضح ذلك من خلال تزويد موسكو إسلام آباد بكمية كبيرة من الأسلحة، بجانب إجراء تدريبات عسكرية معها منذ عام 2016م؛ وهذا يفسر موقف عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني السابق الرافض الانحياز ضد روسيا في حربها على أوكرانيا، حتى إن خليفته شهباز شريف لم يغير هذا الموقف حتى هذه اللحظة.

الموالون لموسكو

وبخصوص الحكومات الموالية لروسيا مثل بيلاروسا وسوريا، فإن لدى كل منهما أسبابه الجوهرية لدعم الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا،فمنها مثلًا اعتمادهما اقتصاديًّا وعسكريًّا بدرجة كبيرة تقترب من الـ100% على موسكو، في حين أن هناك بلدانًا أخر عدلت عن إدانة روسيا علانية لاعتقادها أهمية التركيز على التسوية السياسية التفاوضية مع روسيا لحل الأزمة الأوكرانية، بدلًا من الحرب التي تشنها موسكو، وفي الوقت نفسه تؤمن بضرورة التسوية السياسية الغربية مع روسيا بدلًا من العقوبات الاقتصادية بهدف عزلها وإضعافها.

نتج عن هذا التباين في وجهات النظر فشل جهود واشنطن للجعل موسكو منبوذة من العالم أجمع، ليس لأن الكثير من الدول تدعم الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، لكن لأنها ترغب في الاستفادة من علاقاتها مع موسكو من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مع إيمانها بقوة روسيا وأن تلك العقوبات لن تثنيها عن قرارها بل ستزيد الأمور تعقيدًا.

لذلك فإن الانحياز إلى طرف ما أثناء المواجهة بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا يعد توجهًا سياسيًّا واستراتيجيًّا خاسرًا، ولا يعني ذلك أن الدول التي اتخذت موقفًا مخالفًا للغرب متعاطفة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بل كل ما في الأمر أنها تنظر للأمور من خلال مصالحها فقط. ولن تتغير تلك المواقف حسب نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وأكبر دليل على ذلك أنه رغم رغبة واشنطن الملحة في استخدام عبارات صارمة تدين الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا خلال القمة التي جمعت بين أمريكا ورابطة دول جنوب شرقي آسيا منذ أسابيع في واشنطن، لم يشتمل البيان المشترك الختامي إلا على دعوة هادئة لإنهاء القتال والصراع الدائر، والتوصية بتقديم المساعدات الإنسانية لكييف، مع ضرورة التمسك بمبادئ السيادة والاستقلال السياسي وسلامة الأراضي للبدان كافة، في حين لم تُذكر موسكو نهائيًّا أو حتى تُحمَّل مسؤولية ما حدث ويحدث، والأمر نفسه حدث في اجتماع "أبيك" الذي ضم 21 دولة بمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي  المنعقد في بانكوك.

الرؤية الصينية

وهنا تُثار تساؤلات حول مدى استمرار التحالف الصيني الروسي لا سيما في ظل التحرك الصيني من خلال الحفاظ على مصالحها مع الغرب، وفي الوقت ذاته السعي نحو استمرار شراكتها الاستراتيجية مع موسكو؛ فهي ترى نفسها في خندق واحد معها بخصوص المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم إعلان الصداقة غير المحدودة بين بكِّين وموسكو في شهر فبراير الماضي فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا ورد الفعل الصيني المحايد تجاهه، كشف عن طبيعة تلك العلاقة القائمة على المصالح وفق النظرة الصينية لها، والمصالح ترتبط بالمواقف والتجاذبات الدولية المحيطة بكل منهما؛ ما يجعل من الصعب التكهن بطبيعة ذاك التحالف مستقبلًا. لكن رغم ذلك فإن هذه الشراكة الاستراتيجية بين الصيني وروسيا كتسبت أهمية محورية لكل منهما وللعالم أيضًا؛ فهي تعد عاملًا مهمًّا في تغيير قواعد اللعب على المسرح الدولي حاليًّا وتحديد مستقبل النظام العالمي.