مآسي الإيجور لا تنقطع.. زيارة أممية تخرج جرائم الصين بحق المسلمين للنور

أكثر من مليون مسلم من الإيجور في معسكر اعتقال سري.. هدم المساجد ومنع النقاب والصيام والحج

  • 116
الفتح - الإيجور المسلمين

يعيش مسلموا الإيجور- الأويغور- بتركستان الشرقية الإقليم الذي اغتصبته الصين وأطلقت عليه "تشينجيانج"، وفيه يتم قتل وإبادة واعتقال المسلمين في سجون سرية ومعتقلات يطلقون عليها-إعادة التثقيف- إلا أنها معسكرات الموت والقضاء على الهوية والتعذيب يتعرض لها المسلمين بشكل يومي من حكومة الصين، 

ما هي أقلية الإيجور - الإيغور- المسلمة؟

فتح المسلمون تركستان الشرقية في عهد سيدنا عثمان بن عفان بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي، ويتكلم الإيجوريون اللغة الإيجورية وهي فرع من اللغات التركية وأحرفها عربية، وعاصمة الإقليم هي أورومكي، وكلمة إيجور تعنى الاتحاد وهي شعوب تركية تشكل واحدة من 56 عرقية في الصين على مساحة تعادل 1/6 من مساحة الصين، ويتواجدون في بعض مناطق جنوب وسط الصين، وأقلية الإيغور هم مسلمون من أصل تركي يعيشون في تركستان الشرقية بلاد الأتراك ما وراء النهر وينتمون لأمم آسيا الوسطى، ونسبتهم النصف من سكان تركستان المسماة حاليا بإقليم (شينجيانج)، ومعناه الحدود الجديدة بعدما تقاسم كلًا من روسيا والصين الإقليم كاملًا لتصبح تركستان الشرقية أو منغوليا الداخلية ضمن الحدود الصينية، بينما اعتبرت تركستان الغربية منغوليا الخارجية ضمن حدود روسيا، وكان الإيجور تمكنوا من إقامة دولة تركستان الشرقية التي ظلت صامدة على مدى نحو عشرة قرون قبل أن تنهار أمام الغزو الصيني عام 1759 ثم عام 1876 قبل أن تلحق نهائيا في 1950 بدولة الصين في نظامها الحالي، ومنذ ذلك التاريخ استطاعت حكومات الصين المتعاقبة من إحداث تغير ديموغرافي كبير في تركستان الشرقية وتقليل نسبة الإيجور للنصف عن طريق التهجير والإبادة والقتل والاعتقال السري واتهام المسلمين الإيجور بالإرهاب.

جرائم الصين في حق الإيجور المسلمين

ضحت أقلية الإيجور - الإيغور- بأكثر من مليون مواطن في سبيل الاستقلال من الاحتلال الصيني المتعاقب ، وبالفعل حصلت على الاستقال عام 1949 ومنحهم ماوتسي تونغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني حكمًا ذاتيًا شكليًا، ومن هنا بدأت قصص الاضطهاد والظلم مرة أخرى ولم تكتمل فرحة الاستقلال، وكانت البداية بإدخال عرقية الهان في تركستان الشرقية للإستيلاء على أراضي الإيجور وإحداث تغير ديموغرافي بحجة إقامة مشروعات تنموية.

قمع وإبادة

وبعد ذلك بدأت حكومات الصين المتعاقبة في ابتكار شروط وضغوط على المسلمين للتضيق عليهم وإبادتهم كهدم المساجد ومصادرة المصاحف وإلزام نساء مسلمي الإيجور بلباس غير إسلامي، ومنع إطلاق اللحية والنقاب والصيام أو التسمية بأسماء إسلامية، ومعاقبة من يرفض متابعة قنوات الدولة، وإخضاع الأطفال للفكر الشيوعي الماركسي بإلغاء مدارسهم الإسلامية الخاصة، وإجبارهم على الالتحاق بالمدارس الحكومية التي تلزمهم بالإفطار في رمضان وبتناول لحوم الخنزير وحرق الجثث معارضة للشريعة الإسلامية التي تأمر بالدفن، ومصادرة بيت كل إيغوري يهرب من ظلم الصينيين، ومنع الحديث مع الأجانب وتحديدًا الصحفيين، وإجبارهم على السير وفق تشريعات تحديد النسل لدى الأسرة الصينية، ويتم إرغامهم على استقبال مشرفين يعلمون أولادهم تعاليم غير الإسلام، والتعقيم القسري والإجبار على العمل القسري، وإلزام الأئمة بقَسم حكومي لصالح الدولة، والتلاعب بكلمات الأذان والإقامة بإدخال الأناشيد الوطنية فيهما، ومحاربة النظام الأسري الإسلامي ككل، ومصادرة جوازات السفر وعدم السماح بالحج إلا لكبار السن، وتوحيد الأذان وخطب الجمعة.

وألزمت الصين مسلمي الإيجور بتوحيد القراءة وهو قانون صيني يلزم المساجد بقراءة عشرة من قصار السور فقط بالإضافة للفاتحة، واحتكار الوظائف من قبل الأقليات الأخرى، وتجاهل اللغة الإيغورية التي كانت يومًا ما تكتب على عملة الصين اليوان، وإلزام طلاب الدراسات العليا بتخصصات ترتضيها الدولة سواء في الأزهر أم في غيره، ولا يحصل الإيجور على أية عوائد من إقليم تركستان الشرقية - شينج يانج-  الذي يتمتع باقتصاد زراعي وتجاري عبر طريق الحرير، وتتوافر فيه المعادن والفحم الحجري والنفط واليوارنيوم ويزود الصين بالكهرباء والحليب، ويضبط الإيغوريون ساعاتهم وفق التوقيت الباكستاني لا الصيني لمعرفة أوقات الصلاة والصيام.

ونشرت صحيفة الإندبندنت تقريرا يؤكد أن الصين تعتقل مسلمي الإيجور في معسكرات جماعية لتغيير هويتهم الدينية، وأنَّ المخابرات الصينية تلاحق المنفيين من الإيجور وتجبرهم على التجسس على أهاليهم ومجتمعاتهم، وأنَّ منظمات حقوق الإنسان عبرت في الفترة الأخيرة عن قلقها من معاملة مسلمي الإيجور المتحدثين باللغة التركية، وعبرت الأمم المتحدة عن قلقها من احتجاز مليون إيغوري في معسكر كبير يحاط بالسرية، مشيرة إلى أنَّ أبناء هذه الأقلية وخبراء الأمن والباحثين يتحدثون عن انتشار القمع خارج الصين، حيث يهدد رجال الأمن الصينيين بإسكات وتهديد واستفزاز وابتزاز من فروا إلى الخارج.  

وينوه التقرير إلى أنَّ الإيجور الذين يعيشون في الخارج يتحدثون عن محاولات الأمن الصيني اختراق وتجنيد عملاء، وتبين الصحيفة أنه بالإضافة إلى السجن، فإن المسؤولين الصينيين زادوا من شبكة معسكرات إعادة التعليم، التي يتم فيها تدريس مخاطر الإسلام، وتفوق الثقافة الصينية، وأيديولوجية الحزب الشيوعي، وتوضح الإندبندنت أنَّ نقاط التقتيش تجعل الحياة غير محتملة حتى لمن خارج السجن، فدون سابق إعلان، يتم الإفصاح من خلال مكبرات الصوت عن حلقة تثقيف في قرية أو حي، وأنَّه عندما تسمع صوت مكبر الصوت تعلم أنَّ عليك الجري إلى اللقاء وإلا تواجه التعذيب، وأنَّ إثنية الهان، التي تسيطر على الحزب الشيوعي الصيني، ظلت تنظر بعين الشك للإيجور  المسلمين السنة، ذوي الروابط العرقية والثقافية مع تركيا ووسط آسيا، وأنَّ المسؤولين الصينيين كافحوا لإبقاء القصص من تشينجيانغ تحت السيطرة، والحد من نشاطات الإيجور في الإقليم، وبالإضافة إلى الاعتقالات الجماعية، كثَّفت السلطات من استخدام المخبرين وتوسيع نطاق مراقبة الشرطة، وحتى تركيب كاميرات في منازل البعض.

تنديد ودعوات للإفراج عن مليون إيجوري

ودعا وزير الخارجية الألماني هيكو ماس، إلى مزيد من الشفافية من جانب الصين بشأن معاملة مسلمي الإيغور، وقال ماس، في بكين عقب اجتماعه مع ليو هي، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني: "في النهاية، سيتعلق الأمر في المقام الأول بإيجاد شفافية لنحكم في النهاية على ما يحدث هناك"، وأنَّ وجود معسكرات إعادة التعليم سيكون غير مقبول، كما طالبت العديد من الدول، ومن بينها كندا وبلجيكا، بكين بإطلاق سراح المسلمين الموقوفين بصورة غير قانونية.

كما أكد وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، وجود معسكرات اعتقال سرية لأقلية الإيجور المسلمة، في الصين، وذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية، أَّن هانت أوضح في إفادة للبرلمان، أنَّ دبلوماسيين من البلاد أجروا زيارة إلى إقليم تركستان الشرقية (شينجيانغ)، غربي الصين، وأكدوا ما يتردد بشأن اعتقال جماعي للإيغور في معسكرات سرية، مضيفًا أنَّ الزيارة جرت في أغسطس عام 2018، دون تفاصيل بشأن الفريق الدبلوماسي، وأعرب الوزير البريطاني عن قلق بلاده الشديد إزاء ما يحدث في تركستان الشرقية. مشيرا إلى أنه أثار القضية مع نظيره الصيني، وانغ يي، في وقت سابق.

وطالبت لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، الصين، بالإفراج فورًا عن مسلمي الإيجور ، المحتجزين بشكل غير قانوني في ما أسمته بـ"معكسرات إعادة التثقيف السياسي"، وقدّرت اللجنة عدد المحتجزين بشكل غير قانوني في تلك معسكرات بنحو مليون شخص، في ظل غياب إحصائات رسمية، ويتعرض الصحفيين الراغبين في إجراء أخبار استقصائية في الإقليم لمراقبة مشددة وعراقيل كبيرة من قبل الشرطة الصينية.

تحركات حكومات الصين لتغير الطبيعة الديموغرافية للإيجور

قامت الصين بعدة أمور لتغير الطبيعة الديموغرافية لإقليم تركستان الشرقية  ذو الغالبية الساحقة من الإيغور المسلمين منذ عام 1949 منها إجبار المسلمين الإيجور في الإقليم على معايشة ملحدين صينيين واستضافتهم في بيوتهم، والاسم الذي أطلقته السلطات الصينية على تلك الحملة هو "القرابة التوأمية"، واستطاعت الصين من خلال حملات التهجير القسرية لمسلمي الإيجور عن موطنهم الأصلي "تركستان الشرقية" , وتوطين الكثير من الصينيين الهان والملحدين؛ إحداث تغيير كبير في التركيبة السكانية للإقليم المسلم، فبينما كانت نسبة المسلمين في الإقليم في بداية الحملة عام 1949م 97% ، تناقصت هذه النسبة بسبب الكثير من الإجراءات الصينية إلى حوالي 45% فقط. 

وأرسلت الصين الملايين من الصينيين إلى هذا الإقليم، وشجعت العاطلين عن العمل من أبناء الصين على الهجرة والعمل في تركستان، مع تقديم الحوافز المغرية لهم، وتهيئة المسكن، بل تعدى الأمر إلى إرسال الآلاف من المحكوم عليهم في قضايا سياسية أو جنائية إلى المنطقة المسلمة، وعملت الحكومة الصينية لإحداث التغيير الديمغرافي المطلوب على بناء مدن جديدة لمئات الآلاف من المستوطنين ، منها مدن "شيهنزة" و"كاراماي" و"كويتون" و "صانجو"  و"أران".

وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليونا منهم من الإيجور ، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز الـ100 مليون، أي نحو 9.5 في المئة من مجموع السكان.

زيارة ميشيل باشليت – مايو 2022- للصين

تعد ميشيل باشليت أول مسؤول حقوقي أممي يزور الصين منذ 2005، وتتزامن هذه الزيارة مع نشر وثائق جديدة حول القمع الذي تتعرض له أقلية الإيجور المسلمة في إقليم شينجيانج- إقليم تركستان الشرقية-، بعدما كشفت معلومات صحفية جديدة عن أعمال قمع ضد أقلية الإيجور المسلمة في شينجيانج -تركستان الشرقية- (شمال غرب الصين)، وهذا بعد أربع سنوات من المفاوضات بين مكتب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وحكومة الصين.

انخفاض معدلات مواليد مسلمي الإيجور إلى النصف تقريبًا مما يؤكد الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية بطيئة في الإقليم الذي احتلته الصين عام 1949، كما أظهرت بيانات سرية مسرّبة حصلت عليها وكالة أسوشييتد برس ارتفاعًا شديدًا في عدد المعتقلين الإيجور في تهم تتعلّق بالإرهاب، حيث يحتل إقليم شينجيانج أعلى معدّل اعتقالات على وجه الأرض.

ونحو ذلك السياق، قال المهندس أحمد الشحات، الباحث في الشئون السياسية، إن قضية القمع والانتهاكات والتنكيل بالمسلمين الإيجور في الصين، هي قضية من ضمن مأسي المسلمين المتكررة عبر الزمان والمكان، مضيفًا أن الفارق الرئيسي هنا في هذه القضية انها قضية غائبة إعلاميًا.

وأشار الشحات في تصريح خاص لـ"الفتح"، أنه يجب تسليط الضوء على معاناة المسلمين الإيجور في الصين، لافتًا إلى التعتيم التام حول الجرائم والانتهاكات التي يتعرضون لها، مضيفًا أنها نفس الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون في عدة مناطق من العالم.

وأوضح الشحات أن المسلمين الإيجور يتعرضون لهذه الانتهاكات في سرية تامة، وبدون أن تُكشف هذه الانتهاكات أمام الرأي العام، مشددًا على أهمية أن يلعب الإعلام والصحافة دور في هذه القضية الى بؤرة الاهتمام حتى ينتبه لها الناس.

وأضاف الشحات أن قضايا معاناة المسلمين التي انتبه لها الناس ويعلمها المجتمع الدولي جيدًا لم يحركوا ساكنًا من اجلها، مضيفًا: " ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل نحن نفعل ما في أيدينا، ونحن نقدم ما نستطيع ان نقدمه نصرة لهؤلاء".

وأردف أنه عسى أن يكون للكلمة الصادقة أثر في رفع الظلم عن المظلومين في يوم من الأيام، مشددًا على ضرورة ألا نكف عن المطالبة بحقوقهم، وأن لا نكف عن عرض الانتهاكات التي يتعرضوا لها، وعرض ازماتهم ومشكلاتهم وفضح من يقومون بهذه الانتهاكات وبيان الظلم عليهم.

وأكد الشحات أنه لابد أن يكون الصحافة والإعلام هما الصوت الذي يوصل الحقوق وهو ويضع القضايا في نصابها، وأن نستمر على ذلك مع مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل ومطالبة الحكومات العربية الإسلامية بان تضغط في قضية معاناة الإيجور في الصين. 

وأوضح الشحات أن الدول والمؤسسات الكبرى لها علاقة مباشرة خاصة العلاقات الاقتصادية، مشيرًا إلى أهمية أن تضع الدول هذا الملف على منضدة التفاوض، مؤكدًا أن الغرب قوم لا يعرفون الا لغة المال، وأنه إذا تم عقابهم ماديًا تراجعوا وارتدعوا، واختتم الشحات تصريحه منوهًا بأن هذا ما يجب علينا لنصرة الإيجور مع استمرار الدعاء لهم ان يرفع الله عز وجل عنهم ما أصابهم وما يصيبهم في سبيل دينهم والتزامهم بشريعة ربهم.