أشار محمد سعيد الشحات الكاتب والداعية الإسلامي، حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المشركين يوم الحديبية: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا".
وعدد الكاتب والداعية الإسلامي في مقال له نشرته الفتح، الدروس المستفادة يوم الحديبية، وجاءت تلك الدروس كالآتي:
1- مع أنَّ النبيَّ كان معه 1400 مُقاتل بايعوه على الموت، وكان يمكنُهُ بهم أن يجتاحَ مكةَ ويدخلَ الحرم؛ إلا أنه كانت هناك اعتباراتٌ كثيرةٌ، مِن أجلِّها: لم يُقدِم على القتال، ووافق على صُلحٍ ظنَّهُ الفاروق عُمر مِن بابِ إعطاء الدَّنِية في ديننا.
وكان مِن هذه الاعتبارات:
- الأول: اعتبارُ تعظيم حُرُمات الله، فقد قال حين وصَلَ الحُديبية: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا".
- الثاني: اعتبارُ وجودِ بعض مَن يخفي إسلامه مِن المُستضعفين في مكة، فرُبَّما قُتِل بعضهم بسيوف المسلمين وهم لا يعلمون؛ قال تعالى: "لَوْ تَزَيَّلُوا" أي: لو تفرَّق بين المؤمنين والكافرين وتميَّز بعضهم مِن بعض "لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا" بالقتل والأسر "مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"، وهذا مِن أرقى وأعلى درجات تعظيم أمر الدماء.
- الثالث: اعتبارُ استِقبَاحِ العربِ أن يجتاحَ رجلٌ قومَهُ ويستأصِلَهُم؛ ولذلك قال عُروةُ بنُ مَسعودٍ (وهو أحدُ مَبعوثي قُريشٍ للتفاوض مع النبي): "أَرَأَيْتَ إِنْ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ؛ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟!".
- الرابع: اعتبارُ الحفاظِ على حياةِ مَن معه ليواصِلَ بهم الدعوة إلى الله؛ ولذلك قال لِبُدَيلِ بنِ وَرْقاءِ: "فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ (أي أنتَصِر): فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ؛ فَعَلُوا".
- الخامس: اعتبارُ تأمين جَبهَةٍ شَرِسَةٍ، وهي جبهة قريش (التي تُعَدُّ رأس الحربة على الإسلام)؛ فتأمِيُنها -ولو لمدة- يُعطي الفُرصة للانطلاق في الدعوة إلى الإسلام في جميع أنحاء الجزيرة العربية، ويوفِّر مَنَاخًا يُمكِن للعربِ فيه أن يستمعوا إلى صوت العقل والحكمة؛ ولذلك قال لِبُدَيلٍ: "فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ".
2- كلُّ هذه الاعتبارات السابقة جَعَلَت مِن الصُّلح فَتحًا مُبينًا، على الرَّغم مِن وجود الشروط الجائرة التي قال عُمرُ الفاروق بسببها: "أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ؛ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا".
ومِن هذه الشروط:
- أن يُكتَب: "باسمك اللهم" بدلًا مِن: "بسم الله الرحمن الرحيم"، "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله" بدلًا: مِن "محمد رسول الله".
- تحلُّلُ النبيِّ مِن إحرَامِهِ ورجوعِهِ عن العُمرةِ في ذلك العام.
- أَنَّ مَن جاءَ إلى المشركين لا يُرَدُّ إلى المسلمين، وَمَنْ جَاءَ مُسلمًا يُرَدُّ إلى المشركين.
- ردُّ أبي جَندَلٍ وأبي بَصيرٍ إلى مُشركي قُريشٍ مرَّة أخرى.
3- ضَرورةُ النَّظر في مَآلات وعواقب الأمور، وهل فيما نفعلُهُ تعظيمٌ لحرمات الله أم تضيعٌ لها، وهل في ذلك مَصلحةٌ للدِّين أم تضييعٌ له؛ فقد قَبِلَ شروطًا ظالمة ليُتَمِّمَ الصُّلح.
4- مُصَالَحَةُ المُشْرِكِينَ بِبَعضِ مَا فِيهِ ظلمٌ عَلَى المُسلِمِينَ جَائِزَةٌ لِلمَصلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، ففي ذلك: (دَفعُ أعلَى المَفسَدَتَينِ بارتِكابِ أدنَاهُمَا).
5- سَمَّى اللهُ هذا الصُّلح فتحًا مُبينًا: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"؛ لأنَّه كان مُقدمة بين يدي الفتح الأعظم (فتح مكة) الذي أعزَّ اللهُ به رَسُولَهُ وجُندَهُ، ودخَلَ الناسُ به في دين الله أفواجًا.