الدنيا وما عليها متاع زائل.. داعية يسرد وقفات مع سورة الكهف

  • 42
الفتح - سورة الكهف

تحدث الدكتور خالد آل رحيم الكاتب والداعية الإسلامي، عن الآيات في سورة الكهف لافتًا إلى قوله تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا"، مضيفًا أنه بعد أن أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا ينبغي أن يحزن عليهم؛ لأن ما يفعلونه في هذه الدنيا ما هو إلا متاع زائل، بل الدنيا ذاتها زائلة، بل وكل ما عليها من زينة فهو زائل، وما جعلنا ذلك إلا ابتلاء لهم: "لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا" أي: أيهم أصلح عملًا. وقيل: أيهم أترك للدنيا، وبعد كل ذلك سيذهب هذا المتاع وهذه الزينة.

وأشار آل رحيم في مقال له نشرته الفتح، إلى قوله تعالى: "وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا" أي: الزينة التي كانت عليها من الحيوانات والجمادات والنباتات والمباني، وغيرها، وستصير "صَعِيدًا جُرُزًا"، وهو التراب المستوي من الأرض. وقال الزجاج: هو الطريق الذي لا نبات فيه.

وتابع الكاتب: قال السعدي رحمه الله: "لقد اغتر بزخرف الحياة الدنيا وزينتها الذين نظروا إلى ظاهرها دون باطنها، فصحبوا الدنيا صحبة البهائم، وتمتعوا بها تمتع السوائم، همهم تناول الشهوات من أي جهة حصلت؛ فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت قلق لخراب ذاته، وفوات لذاته؛ لما قدَّمت يداه من التفريط والسيئات" (انتهى).

واستطرد الكاتب أن الحديث في سورة الكهف انتقل عن الفتية فقال تعالى: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا"، وأصحاب الكهف: الفتية، والكهف: الغار الواسع في الجبل. والرقيم: نوع من الحجارة، أو غيرها كُتِبت فيه قصتهم. وقيل: أسماؤهم.

ونوه إلى قوله تعالى: "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ" أي: اتخذوا الكهف منزلًا، وذكر ابن كثير رحمه الله عن كثيرٍ مِن المفسرين: أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم، وكان الناس يجتمعون في يوم عيدٍ لهم يعبدون الأصنام ويذبحون لها، وكان لهم ملك جبار يُدْعَى (دقيانوس)، وكان يأمر الناس بذلك، فلما خرج الناس وخرج معهم الفتية ونظروا إلى صنيعهم علموا أن هذا لا ينبغي إلا لوجه الله، فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه حتى جلسوا إلى شجرة، وكان لا يعرف كلُّ واحد منهم الآخر، وإنما جمعهم الإيمان.  

وقال الداعية فلما اجتمعوا قالوا: "رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً" أي: هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها، وتسترنا عن قومنا. وقيل: المقصود الهداية في الدين. "وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا" أي: الخير وإصابة الحق والنفع والصلاح، فكانت الإجابة من الله تعالى: "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ"، قال الشنقيطي: "وعَبَّر بالضرب؛ ليدل على قوة المباشرة واللصوق واللزوم". والمراد: قوينا قلوبهم بالصبر على هجر الأوطان، والفرار بالدِّين إلى الكهف والغبران، وافتراش صعيدها، وجسرناهم على قول الحق والجهر به أمام الملك الجبار (دقيانوس).

وأردف: "وخص تعالى الآذن؛ لأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم، وقلما ينقطع نوم نائم إلا من جهة آذنه، ولا يستحكم النوم إلا مع تعطل السمع؛ ولهذا كان النوم كما ذكر تعالى: "سِنِينَ عَدَدًا"، قال البغوي رحمه الله: "وذكر العدد على سبيل التأكيد، وذلك يدل على الكثرة؛ فإن القليل لا يُعد في العادة".

وتابع: "ثم كان البعث والذي فيه المعجزة: "ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ"، وسَمَّى الله تعالى الاستيقاظ من النوم بعثًا؛ لأن النوم وفاة؛ قال الله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى"، وكان هذا اختبارًا لقومهم"، وقوله تعالى: "لِنَعْلَمَ" أي: لنعلم ذلك موجودًا واقعًا؛ وإلا فإن الله تعالى يعلم كل شيء قبل وجوده، ولا يخفي عليه منه شيء، قال العثيمين رحمه الله: "(لِنَعْلَمَ): الأول: أي: علم رؤية وظهور ومشاهدة، أي: لنرى؛ لأن عِلْمَ الله بالشيء قبل وقوعه علم بأنه سيقع، ولكن بعد وقوعه علم أنه وقع. والثاني: أنه العلم بالذي يترتب عليه الجزاء أي: لنعلم علمًا يترتب عليه الجزاء".

واختتم مقاله بالإشارة إلى وقوله تعالى: "أَيُّ الْحِزْبَيْنِ" قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الملوك الذين تداولوا المدينة مُلكًا بعد مُلك". وقوله: "أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا" أي: أضبط، والأمد: هو الغاية، وهي نهاية المدة التي لبثوها في الكهف.