• الرئيسية
  • الأخبار
  • ماكرون ولافروف يزوران أفريقيا.. يسعيان للدعم ولا تغيب ثروات القارة عن أعينهما

ماكرون ولافروف يزوران أفريقيا.. يسعيان للدعم ولا تغيب ثروات القارة عن أعينهما

باحثة متخصصة: القوى الشرقية والغربية تريد نقل المعركة الحالية للأراضي الأفريقية

  • 112
الفتح - صورة أرشيفية لبوتين وماكرون

يبدو أن الكعكة الأفريقية لا تزال تثير شهية الدول الغربية على التهامها؛ فالأسبوع الماضي زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ثلاث دول من غرب القارة (الكاميرون، وبنين، وغينيا بيساو)، في الوقت نفسه زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أربع دول من شرق القارة (مصر، والكونغو، وأوغندا، وإثيوبيا).. فإلامَ يرمي كل منهما؟

صراعٌ محموم

هذا المشهد يعد مؤشرًا واضحًا على زيادة حجم الصراع الدولي –لا سيما الغربي- على أفريقيا وثرواتها وموقعها الاستراتيجي خلال تلك المرحلة، ويلفت النظر إلى طبيعة المصالح المتناقضة بين مختلف الأطراف، التي تحتِّم -بدورها- إدارة معارك مستترة أحيانًا وظاهرة في أحيان أخرى، خاصة في ظل ما فرضته الأزمة الروسية الأوكرانية من معطيات جديدة على الصعيدين العالمي والأفريقي.

وبخصوص باريس، تتعلق زيارة "ماكرون" بمستقبل الوجود العسكري الفرنسي في غرب القارة السمراء، لا سيما أن (الكاميرون وبينين) كانتا تحت مظلة الاحتلال الفرنسي، في حين أن "غينيا بيساو" كانت خاضعة للاحتلال البرتغالي، لكن رغم ذلك تسعى فرنسا لمد نفوذها –الذي يتقلص تدريجيًّا وبقوة- في دول القارة، خصوصًا بعد خروجها من مالي وسط تصاعد الغضب الشعبي الأفريقي ضدها بحكم عدة أمور على رأسها الحزازات التاريخية لدى الأفريقيين من الاحتلال الفرنسي، إضافة إلى التدخلات الفرنسية غير الحميدة في سياسات دول القارة؛ ما نتج عنه تصاعد حدة الإرهاب واتخاذ الجماعات المتطرفة وجودها العسكري ذريعةً لزيادة هجماتها وتوسيع نطاق استقطاب الشباب، وبالطبع بجانب نهب ثروات القارة الغنية.

بالنسبة لموسكو فهي تحاول الآن الصعود على أشلاء الوجود الفرنسي داخل القارة وتوطيد علاقاتها مع الدول الأفريقية، مستغلة فشل المقاربات الفرنسية لمواجهة التحديات الأمنية الأفريقية خلال العقد الأخير، وهي مقاربات خاسرة اعتمدت إما على تكوين أحلاف مشتركة مع دول القارة كتحالف "G5"، أو التدخل العسكري الفرنسي المباشر في مالي وأفريقيا الوسطي.

وكما قال "لافروف" إن هناك علاقات مشتركة بين القارة الأفريقية وبلاده منذ عهد الاتحاد السوفيتي السابق، والقيمة الاستراتيجية لشرق القارة تتزايد الآن بالنسبة لروسيا لأن البحر الأحمر –وهو أحد أهم نواقل النفط على مستوى العالم- يقع على التخوم الشرقية للقارة السمراء، علاوة على أنه الطريق البحري لمشروع "الحزام والطريق" الصيني في المنطقة العربية وأوروبا.

أمنٌ غذائي

في هذا الصدد، قالت د. فريدة بنداري، الباحثة في العلاقات الدولية والأفريقية، ونائبة مدير المركز العراقي الأفريقي للدرسات الاستراتيجية، مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها السادس، وعدم وجود ما يلوح في الأفق بانتهاء هذه الحرب، تحاول القوى الشرقية والغربية جاهدة نقل ساحة المعركة إلى أفريقيا، فليس من قبيل الصدفة أن يزور وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" القارة الأفريقية في وقت واحد، هذا في الوقت الذي تترقب فيه القارة زيارة وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكن" إلى جنوب أفريقيا خلال الشهر الجاري.

وأضافت "بنداري" لـ"الفتح" أنه انتقالًا من الدبلوماسية الرئاسية إلى آلية القمم فقد أعلن الرئيس الأمريكي بايدن عن عقد "قمة أمريكية أفريقية"  في ديسمبر المقبل، وذلك في الوقت الذي تُعلن فيه روسيا -على لسان وزير خارجيتها- الاستعداد لعقد  "القمة الروسية الأفريقية القادمة للعام القادم 2023م".

وأردفت: يمكننا ربط توقيت زيارة وزير الخارجية الروسي لأفريقيا بقرار موافقة بلاده على رفع الحصار عن أوديسا وموانئ أوكرانيا الأخرى على البحر الأسود، الذى يسمح بتصدير أكثر من 20 مليون طن من الحبوب الأوكرانية المحظورة إلى الأسواق العالمي؛ لذا كان رفع الحظر المفروض على الحبوب خطوة متعمدة في هذا الوقت من الزيارة لإظهار أن موسكو تستجيب للنداءات الأفريقية؛ فقد أرسل الاتحاد الأفريقي برئاسة "ماكي سال" ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي "موسى فقي" في يونيو الماضي مطالبة بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمطالبة بالإغاثة وإنقاذ القارة السمراء من أزمة غذائية طاحنة.

وتابعت الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية أنه من هذا المنطلق كانت أفريقيا خيارًا جيدًا لروسيا؛ فهي القارة الأقل انتقادًا لروسيا من المناطق الأخرى، حيث امتنعت 25 دولة من أصل 54 عن التصويت، أو لم تصوت من الأساس لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس الماضي؛ إذ تقول جمهورية جنوب إفريقيا والعديد من هؤلاء الخمسة والعشرين: إنهم سيظلون "غير منحازين لهذه الحرب ".

تأييدٌ أفريقي

واستطردت: ليس هذا فحسب، لكن هناك قراءة أخرى تقول إن إرسال بوتين لافروف إلى أفريقيا تعد خطوة دعائية، ومتعمدة أيضًا من موسكو لإظهار أنها ليست معزولة ولا يزال بإمكانها الحصول على الدعم على المسرح الدولي. في حين يراها القادة والمعلقون الغربيون أنها جولة غير روتينية تستهدف كسب التأييد الأفريقي لاستمرار الحرب الروسية  الأوكرانية.

وأشارت د. فريدة بنداري إلى أننا نستطيع تأكيد عددٍ من الرسائل حول تلك الجولات الدبلوماسية لأفريقيا؛ أهمها: موسكو تركز بالأساس على استثمار خطواتها في إبقاء مجموع الدول الأفريقية الـ25 صاحبة قرار عدم الانحياز في تصويت الأمم المتحدة 2 مارس الماضي- على مواقفها في مناهضة العقوبات الغربية عليها، وعدم الانخراط في المواقف الغربية تجاهها جراء الحرب الأوكرانية، وإظهار عزم روسيا على الاستمرار في تحمل المنافسة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وحلف "الناتو" واستغلال تناقضاتهم في بناء شراكات قوية مع دول القارة الأفريقية.

وعلى الصعيد الفرنسي، أكدت الباحثة أن باريس تسعى للهروب من ماضيها في أفريقيا؛ إذ تبدو زيارة ماكرون لكل من (الكاميرون، وبنين، وغينيا بيساو) متعلقة بمستقبل الوجود العسكري الفرنسي في غرب القارة، وهي الدول التي عاشت حتى الآن تحت مظلة النفوذ الفرنسي. وقابل ذلك إعلان واشنطن تعهدها بتزويد الدول الأفريقية بـ1.3 مليار دولار لكبح جماح الجوع، ومبادرة "بعثة المرونة في مجال الأغذية والزراعة" التي تقودها فرنسا للمساعدة في تطوير وتنمية الزراعة الأفريقية.

 مطالبٌ أفريقية

ولفتت إلى أن المطالب الأفريقية من روسيا قد تتمحور خلال هذه المرحلة حول تأمين  قطاع الحبوب الغذائية، ومن المؤكد أن الاتفاقية الكاملة بشأن فتح ميناء "أوديسا" كانت خطوة استراتيجية للغاية من جانب موسكو،  وعلى أفريقيا المطالبة بتأمين حصة لها من الحبوب الغذائية في الفترات المقبلة؛ لعدم معرفة وقت انتهاء تلك الحرب الطاحنة؛ حتى يمكنها تجنب المجاعة التي تطرق الأبواب الأفريقية لكنه ليس بديلًا عن أن تواجه القارة تحدياتها وتتحول نحو الزراعة بشكل يحل مشكلة الأمن الأفريقي الغذائي.

ونوهت بأن هناك مجموعات فرص للدول التي شملتها جولة وزير الخارجية الروسي، فعلى المستوي المصري لا بد أن تتخذ الحكومة المصرية قرار بمطالبة موسكو بالضغط على أديس أبابا بخصوص ملف السد الإثيوبي، وهو طلب قد يجد آذانًا مصغية في روسيا حاليًّا على خلفية الاحتياج الروسي للقاهرة خلال هذه المرحلة.

وختمت تصريجها قائلة: أما على مستوي نخب الدول الأفريقية الثلاث ذات الصراعات الداخلية المؤججة، فأعتقد أن المطالب ستتمحور حول مسألتي التسلح والمساعدات والقروض، خاصة أن موسكو في مسألة التسلح باتت خلال العشر سنوات الاخيرة المورد الرئيس للتكنولوجيا العسكرية لدول القارة، بل تجاوزت مبيعات الولايات المتحدة الأمريكية.

الدول الأفريقية تحتاج من روسيا الآن تأمين وصول الحبوب إليها؛ حتى تتجنب المجاعة التي تطرق أبواب العديد من دول القارة؛ ما يعرض نحو 100 مليون مواطن أفريقي لخطر المجاعة، وسوف يجعل هذه الدول عرضة لاحتمال نشوب توترات داخلية نتيجة لارتفاع أسعار جميع السلع لا سيما الغذائية. وربما يكون اتفاق تركيا الذي تم مؤخرًا لتأمين تصدير الحبوب الروسية والأوكرانية بداية لحل هذه المعضلة الكبيرة، لكنه بالطبع ليس بديلًا عن مواجهة دول القارة بحقيقة تحدياتها وضرورة اتجاهها نحو الزراعة واهتمامها بها حتى تتمكن من حل أزمة تحقيق الأمن الغذائي الأفريقي.

وبخصوص القاهرة، فإنها تحاول استغلال الوضع وتريد من موسكو التدخل والضغط على أديس أبابا فيما يتعلق بملف السد الإثيوبي والرضوخ للتوقيع على قواعد ملء وتشغيل قانونية ملزمة، وهي ورقة مهمة تستغلها روسيا أيضًا خلال هذه المرحلة.

 إضافة إلى أن الدعم الجيوسياسي المقدَّم من دول القارة السمراء أساسي لجميع أطراف النظام الدولي؛ فدول القارة تعد أكبر كتلة تصويتية جغرافية داخل عدد من المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية على مستوى العالم؛ وبِناءً عليه فإن الدعم الأفريقي مغرٍ ومفيد لموسكو خاصة في ظل سعيها الحالي للحصول على الدعم الدولي في حربها على كييف، أو على أقل تقدير تأمين محايدة سياسية وعسكرية في هذا الوقت؛ لذلك فمن المهم التفكير في كيفية استفادة الدول الأفريقية وتحقيقها مكاسب متعددة -وعلى مختلف الأصعدة- من الوضع الراهن لا سيما التنافس الغربي الروسي داخل القارة.