بعد 25 عامًا من انقطاع العلاقات.. جون جودفري سفيرًا أمريكيًّا بالسودان

السفير حسين هريدي: إدارة بايدن تتحرك بنشاط في أفريقيا لتطويق النفوذ الصيني والروسي.. أكاديمي سوداني: مؤشر لمرحلة جديدة من الحضور الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي

  • 160
الفتح - السفير الأمريكي بالسودان جون جودفري

بعد مرور 25 عامًا على تخفيض الولايات المتحدة الأمريكية تمثيلها الدبلوماسي وسحب سفيرها من السودان سنة 1997م- عينت واشنطن خلال الأسبوع الماضي جون جودفري سفيرًا لها في الخرطوم؛ ما يعكس اهتمامَ أمريكا بتطوير العلاقات مع السودان والدول الأفريقية، وزيادة وجودها داخل القارة السمراء؛ فهل سيكون ذلك بداية عهد جديد من العلاقات بين البلدين؟ وهل سيسهم في حل المعضلة السياسية داخل السودان؟ وما الذي تريده واشنطن من القارة السمراء؟

في هذا الصدد، قال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأوروبية، بالنسبة للسياسة الأمريكية في أفريقيا، فواقع الأمر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتحرك بنشاط في القارة السمراء كنوع من المحاولة للحد أو تطويق النفوذ الصيني والروسي داخل أفريقيا.

وأضاف هريدي لـ"الفتح" في هذا الإطار قام وزير الخارجية الأمريكية بجولة أفريقية مؤخرًا أكد خلالها وبصورة عملية الاهتمام الكبير الذي توليه الإدارة الأمريكية الحالية لعلاقاتها مع الدول الأفريقية.

جهود مقدَّرة

من جهته، قال د. أبوبكر فضل محمد، أكاديمي سوداني وباحث في الدراسات الاستراتيجية، بعد نجاح ثورة ديسمبر بإسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والتوقيع على الوثيقة الدستورية، وتشكيل حكومة مدنية برئاسة دكتور عبد الله حمدوك- بذلت تلك الحكومة جهودًا مقدرة في ملفات مهمة وكان النجاح حليفها، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها داخليًّا وخارجيًّا؛ فقد نجحت في إعادة السودان للمجتمع الدولي بعد رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإقامة علاقات طبيعية مع الدول ذات الارتباط والثقل في المحيطين الإقليمي والدولي، وإعفاء غالبية ديونه الخارجية.

وأضاف أبو بكر لـ"الفتح" أنه على إثر كل تلك التطورات الإيجابية وافقت واشنطن على ترفيع علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم لمستوى السفراء، بعد زيارة ناجحة لرئيس الوزراء لأمريكا في مطلع أكتوبر ٢٠١٩م، والذي وصفها وزير الخارجية الأمريكي السابق "مايك بومبيو" بالزيارة التاريخية لأنها جاءت بعد ٢٣ عامًا من قطع العلاقات الدبلوماسية. بعدها سمى السودان سفيره لدى واشنطن؛ وهو الدبلوماسي المخضرم السفير نور الدين ساتي وإرساله لأمريكا، لكن الولايات المتحدة تأخرت فترة من الزمن، حتى وافق مجلس الشيوخ الأمريكي أخيرًا في يوليو الماضي على تعيين الدبلوماسي الأمريكي ذي الخلفية الأمنية جون جودفري سفيرًا لواشنطن في الخرطوم.

مرحلة جديدة

وأردف: في أواخر أغسطس الماضي وصل جودفري إلى الخرطوم وقدم أوراق اعتماده للسلطات السودانية؛ واعتُمد في الأول من سبتمبر الجاري؛ فعادت العلاقات السودانية الأمريكية لطبيعتها في مستوى تمثيل السفراء، بعد انقطاع لمدة ٢٥ عامًا؛ هذه الخطوة تؤشر لمرحلة جديدة للحضور الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر بصفة عامة، والسودان بصفة خاصة، وبعد فشل مبعوثيها من لدن جفري فليتمان وديفيد ساترفيلد وأخيرًا مايك هامر في تسوية أزمات المنطقة، خاصة أزمتي "تيجراي" في إثيوبيا، وأزمة أحداث ٢٥ أكتوبر في السودان.

وتابع الباحث السياسي السوداني أن واشنطن ابتكرت استراتيجية الاقتراب والحضور المباشر للإشراف عن قرب حتى تدرك طبيعة صراعات المنطقة وعمقها وكيفية إدارة تلك الصراعات وتسوية أزماتها وتحديدًا في إثيوبيا والسودان؛ عن طريق تطبيق استراتيجيات وسياسات أمريكية جديدة تراعي مصالحها ومصالح حليفاتها، ومواجهة الإرهاب وزيادة الوجود الفعال في حوض البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي للتصدي للنفوذ الروسي المتنامي ومجابهة التغلغل الصيني.

واستطرد: الفاعلون في المشهد السوداني نظروا لمجئ السفير الأمريكي في هذا التوقيت كل من زاويته؛ فقد نظر المكون العسكري لهذه الخطوة بالاعتراف الأمريكي بالسلطة القائمة كأمر واقع، وأن الخطوة تمثل رافعة لهم في مواجهة قوى الثورة المناهضة لأحداث ٢٥ أكتوبر، وفي اعتقادي تفكر القيادة العسكرية في أن وجود السفير الأمريكي بالخرطوم يسهم في إبعاد شبح العقوبات الأمريكية ضد قادة أحداث ٢٥ أكتوبر وتخفف عنهم ضغوطات الكونجرس الأمريكي وصقور صناع السياسة الخارجية الأمريكية واللوبيهات المساندة للقوى المدنية.

وأشار د. أبو بكر إلى أنه بينما ترى قوى الثورة المدنية الساعية لإسقاط الانقلاب خطوة قدوم السفير الأمريكي جون جودفري للخرطوم في هذا التوقيت، من زاويتين: الأولى أنها خصمًا عليها كقوى مناهضة لأحداث ٢٥ أكتوبر، وأن الخطوة أعطت شرعية للسلطة القائمة وأضافت للمكون العسكري والمقربين له دعمًا سياسيًّا وسندًا دوليًّا يمكنهم من البقاء في أي تسوية سياسية للأزمة الراهنة، وفي أي معادلة سياسية مقبلة، وتضمن لهم الاستمرار في الفترة الانتقالية.

ولفت إلى أن الزاوية الثانية ترى أن تلك الخطوة تمثل رافعة قوية ودعمًا للمدنيين في الضغط عن قرب وبقوة على المكون العسكري حتى يتنازل للمدنيين عن مطالب كبيرة ترضي الشارع الثائر، أهمها تشكيل حكومة مدنية كاملة، ونقل السلطة السيادية للمدنيين، وهيكلة ودمج الجيوش المتعددة في جيش مهني واحد؛ كما أن هذه الخطوة تسهم في إضعاف النفوذ الروسي الداعم للجنرالات وتقلل من التدخل الإقليمي السافر في الشؤون السودانية والداعم أيضًا للجنرالات. مؤكدًا أن الذي يعزز هذا الرأي أن السفير جون جودفري خلال لقائه مع البرهان نهار الخميس الأول من سبتمبر الجاري، شدد على أنه يسعى لحل الأزمة السياسية والوصول إلى تكوين حكومة مدنية بأسرع ما يمكن، وأنه يدعم الحوار الشامل بهدفة الوصول للتوافق الوطني والانتقال الديمقراطي السليم.

وأوضح الأكاديمي السوداني أن أطراف العملية السلمية (قوى الكفاح المسلح) الموقعة على اتفاقية جوبا لسلام السودان، نظرت للخطوة الأمريكية من زاوية أنها تساعد على تسريع وتيرة التسوية للأزمة الراهنة وزيادة الضغوطات الأمريكية للمكونين المدني والعسكري المعرقلين لتنفيذ السلام، وترى أن تلك الخطوة تسهم في تنفيذ الالتزامات الدولية خاصة المالية تجاه اتفاقية السلام والإصلاحات الاقتصادية، وتساعد كذلك على تنفيذ "بروتوكول" الترتيبات الأمنية.

اهتمام أمريكي

ونوه بأنه في اعتقاده أن الخطوة الأمريكية في هذا التوقيت تدلل على زيادة الاهتمام الأمريكي بالسودان، وأنها توصلت للخطوة بعد مراجعات لاستراتيجياتها وسياساتها السابقة التي أثبتت عدم جدواها، ورأت أن مقارباتها السابقة أسهمت في زيادة التهديد لأمنها القومي ومصالحها العليا، وأن الصين وروسيا زاد نفوذهما في المنطقة بصورة أقلقت الأمريكيين، وأن حلفاء واشنطن بالمنطقة يعملون في جزر منعزلة بدون تنسيق في إطار الصراع والتنافس القائم على المصالح دون أدنى اهتمام لمصالحها كقوة عظمى.

وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الأزمات الدولية والمحلية بواقعية من منظور مصالحها العليا، ونتيجة لعدة تحديات سياسية وتهديدات أمنية تواجه المصالح الأمريكية بالمنطقة، كانت سببًا في اختيار دبلوماسي ذي خلفية أمنية؛ ومن هنا تنكشف طبيعة مهمته في هذه المرحلة وهي تعزيز العلاقات وزيادة التعاون وتعظيم المصالح العليا ورعايتها.

وشدد على أنه من هذا المنطلق تتعامل الولايات المتحدة مع المكون العسكري بسياسة الاحتواء بدلًا من المعاداة، ودعم قوى الكفاح المسلح في تنفيذ اتفاق السلام، وتشجيع الذين لا يزالون خارج عملية السلام للالتحاق بالسلام، وتعمل للاقتراب من القوى المدنية والمهنية والشبابية. وتعزيزًا لهذه المقاربة، قالت السفارة الأمريكية في إحدى تغريداتها بعد وصول السفير للخرطوم: "إن جودفري يسعى إلى تعميق العلاقة بين البلدين ودعم الشعب السوداني في تطلعاته للحرية والسلام والعدالة والتحول الديمقراطي، وأضافت السفارة أن السفير يتطلع إلى النهوض بالأولويات الضرورية المتعلقة بالسلام والأمن والتنمية الاقتصادية والأمن الغذائي. وعقب لقائه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان قابل السفير أسر شهداء الثورة.

وأردف: في تقديري أن خطوة مجئ السفير الأمريكي للسودان في هذه المرحلة مكسب للبلاد، واعتراف أمريكي بأهمية السودان في الخريطة الجيوبوليتيكية للمنطقة، خاصة بعد استفحال الأزمة السياسية وإنسداد الأفق وتعثر المبادرات المتعددة في حل الأزمة السياسية والمأزق الدستوري الحالي. وتسهم الخطوة كذلك في إسراع وتعزيز عملية الحوار التي ابتدرتها الآلية الثلاثية، واللقاءات التي قامت بها السفارتين الأمريكية والسعودية في جمع بعض أطراف الأزمة في منزل السفير السعودي، إضافة إلى أن تلك الخطوة تنسجم مع مواقف الرباعية الدولية: (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة)، ودول الترويكا: (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والنرويج)، والأمم المتحدة والاتحاد الافريقي ومنظمة "إيجاد" وبعض دول الجوار مثل دولة جنوب السودان وتشاد.

وختم تصريحه بأنه إذا نجح السفير الأمريكي في التأثير والدفع نحو إدارة الأزمة الراهنة وتسويتها؛ فإن هذه الخطوة ستهيئ البيئة السياسية والدستورية المناسبة لعودة المساعدات المالية لحكومة السودان، وفي إكمال عملية إعفاء ديون السودان الخارجية. وأعتقد أن واشنطن بخطوتها في إرسال سفيرها للخرطوم تهدف إلى إعادة تموضعها في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، خاصة إذا ربطنا الأمر بجولة وزير خارجيتها لأفريقيا وتركيزه على قضايا القرن الأفريقي، وقلقه من تنامي النفوذين الروسي والصيني بالمنطقة، وسعي كل منهما للتغلغل الاقتصادي والسياسي والعسكري عبر دبلوماسية القواعد العسكرية وصفقات السلاح والتعاون العسكري. وتُقرأ هذه الخطوة كذلك من زاوية تقوية العلاقات مع السودان، وتنشيط وإكمال عملية التطبيع بين السودان وإسرائيل، مع تقديم بعض المساعدات المالية والتكنولوجية، وزيادة التعاون العسكري، والعمل على ترسيخ وإنجاح الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي.