صيانة جناب التوحيد.. باحث: حديث النبي صلى الله عليه وسلم يهدم بدعة "اتخاذ القبور مساجد"

  • 39
الفتح - أحد المقابر التي يتخذها الصوفيين مسجد

أشار سامح بسيوني، الكاتب والباحث في شئون الأسرة والمجتمع، إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يَقُمْ منه: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، قالت عائشة رضي الله عنها: "وَلَوْلا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ؛ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا".

وأوضح بسيوني في مقال له نشؤته الفتح أن الاتخاذ المذكور في الحديث ليس له معنى واحد كما يدَّعي البعض؛ ألا وهو الصلاة على عين القبر فقط بغرض أن يبيِّن أنه لا أحد يفعله؛ فهذا إما خداع متعمَّد لإيهام السامعين بتشدد أهل السنة، أو جهل مركَّب يحتاج إلى رحمةٍ مِن الله!، مضيفًا أن "الاتخاذ" في قوله صلى الله عليه وسلم: "اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" له ثلاثة معانٍ يهدم كلُّ معنى منها أصل البدعة التي يحاول القوم أن يحيوها مرة أخرى عن طريق مثل هذا التلبيس. كالآتي:

- المعنى الأول للاتخاذ: الصلاة على القبور، بمعنى: السجود عليها

- المعنى الثاني: السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.

- المعنى الثالث: بناء المساجد عليها، وقصد الصلاة فيها.

وتابع بسيوني أنه بكل واحدٍ من هذه المعاني جاءت نصوص صريحة عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وقال بها طائفة من العلماء، وذلك على النحو التالي:

* أما المعنى الأول فيشهد له أحاديث:

- الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، أو يقعد عليها، أو يُصَلَّى عليها".

- الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا إلى قبر، ولا تصلوا على قبر".

- الثالث: عن عمرو بن دينار -وسئل عن الصلاة وسط القبور- قال: ذُكِر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ فلعنهم الله تعالى".


* أما المعنى الثاني فيشهد له:

-حديث أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور".

- قال المناوي في "فيض القدير" -حيث شرح حديث أنس هذا-: "أي: اتخذوها جهة قبلتهم، مع اعتقادهم الباطل، وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه، وهذا بيَّن به سبب لعنهم؛ لما فيه من المغالاة في التعظيم... ".

- وقال القاضي -يعني البيضاوي-: "لما كانت اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، فاتخذوها أوثانًا؛ لعنهم الله، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه... ".

وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها"؛ قال الشيخ علي القاري -معللًا النهي-: "لما فيه من التعظيم البالغ كأنه من مرتبة المعبود، ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظِّم، فالتشبه به مكروه، وينبغي أن تكون كراهة تحريم".

- ونحو الحديث السابق ما روى ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال: "كنت أصلي قريبًا من قبر، فرآني عمر بن الخطاب، فقال: القبر القبر؛ فرفعت بصري إلى السماء وأنا أحسبه يقول: القمر!".


*  وأما المعنى الثالث فيشهد له:

- ما قاله الإمام البخاري حيث ترجم للحديث الأول بقوله: "باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور"، وأشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجدًا يلزم منه النهي عن بناء المساجد عليه، وهذا أمر واضح، وقد صَرَّح به المناوي.

- وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدًا، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومها متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان، وإن تغاير المفهوم". 

- وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الأول: "فلولا ذاك أبرز قبره؛ غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا"؛ إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها، لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة مكشوفة، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن يُبنَى عليه مسجدٌ مِن بعض مَن يأتي بعدهم فتشملهم اللعنة.