ماذا بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الصهيوني؟

باحث سياسي: الكيان المحتل الرابح الحقيقي.. والغرب يسعى لتأمين مصالحه من الغاز

  • 67
الفتح - ميشال عون

ماذا بعد التسوية البحرية بين الكيان الصهيوني المحتل ولبنان؟ هل ستهدأ الأوضاع ويعلن الساسة في لبنان التوصل إلى توافق داخلي بغية الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي ضربت البلاد منذ سنوات وما زالت توابعها حاضرة وبقوة على المشهد الداخلي؟ أم أن المحاصصة والتحكم في مسار العملية السياسية سيظل يتحكم في المشهد الداخلي، والشعب عليه أن يواصل تحمل تبعات الفشل السياسي والاقتصادي الذي ربما قد يفضي إلى انفجار الأوضاع الداخلية أكثر فأكثر؟!

اتفاق ترسيم الحدود يتيح للعدو الصهيوني الاستفادة من حقل كاريش، في حين يضمن للبنان كامل حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل، كما سيحصل الاحتلال على تعويض من مشغل بلوك "9" وفق تصريحات ليائير لبيد رئيس وزراء الاحتلال بأن تل أبيب على 17% من عائدات حقل قانا.

من هنا فإن صفقة ترسيم الحدود تصب أكثر في صالح الكيان الغاصب إذ يمكنه إنتاج الغاز من حقل كاريش في وقت وشيك، بينما يعوِّل الجانب اللبناني على حقل قانا "المجهولة موارده حتى الآن".

المنطقة محور الحديث تبلغ مساحتها 860 كم2، تعرف باسم "المنطقة الاقتصادية الحصرية"، وتقع خارج الحود البحرية، لكن يحق لكل من لبنان والكيان المحتل حقوق خاصة لما يوجد بداخلهما.

الحدودُ فلسطينية

في هذا الصدد، قال يحيى الصافي، الباحث في العلوم السياسية، إن مما يوقع الباحث في الحيرة والتردد أن ينظر في مسألة نزاع حدودي يدعيها الكيان الصهيوني بدولته المحتلة؛ فالأصل أنه لا يملك حدودًا لا برية ولا بحرية مع أي من جيرانه "الدول العربية والإسلامية"؛ فإن الحدود إنما هي للدولة الفلسطينية فقط مع جاراتها، ولكن سوف نتعاطى مع الأمر من خلال الواقعية السياسية الآن فنقول بعد عقد من الجدل حول حقول الغاز البحرية، فضلًا عن التهديدات بخوض الحرب بشأنها بجانب تهديدات  حسن نصر الله؛ توصل لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي أخيرًا إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية لكل منهما، وقد وُصف الاتفاق وُصف بالتاريخي مثلما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته، ورحبت به ألمانيا.

وأضاف "الصافي" لـ"الفتح" متسائلًا: ما هي أبرز المكاسب لكل طرف؟ وأجاب بأن توصل لبنان وإسرائيل خلال هذا الأسبوع لاتفاق حول كيفية تقاسم حقول الغاز الطبيعي الواقعة قبالة سواحل البلدين جيد، في حين رآه البعض الآخر اتفاقًا سيئًا؛ فيقول بعض المراقبين إن إسرائيل ربحت أكثر من هذا الاتفاق، ويعتقد آخرون أن اللبنانيين حصلوا على صفقة أفضل.

وأردف: السؤال الآن ما فحوى الصفقة؟ اتفق البلدان على تحديد من له الحق في حقول الغاز الطبيعي المغمورة قبالة سواحلهما، وتنازع لبنان ودولة الاحتلال منذ حوالي عقد من الزمان على من يملك بالضبط ما في هذا الجزء من شرق البحر الأبيض المتوسط من حقول. ولا تركز الاتفاقية الجديدة على الحدود البحرية بين البلدين وإنما يتعلق الأمر بالمنطقة "EEZ"، وبلا شك فمعارضة بعض السياسيين داخل الكيان الصهيوني تأتي من باب المزايدات والمناكفات السياسية التي يتزعمها نتنياهو، وهو الذي وعد بإلغاء هذا الاتفاق إذا شكل الحكومة مستقبلًا، إضافة إلى أن هناك مطالبات بوضع الاتفاق تحت يد القضاء في دولة الاحتلال؛ ليتم الاستفتاء عليه وهي حيل ومكر يهودي يشرعن الانسحاب من الاتفاق متى أراد اليهود؛ وهو أمر يجب أن يأخذه المفاوض اللبناني بمحمل الجد، ولأن هذا هو العهد باليهود في نقض العهود.

الرابح الحقيقي

وتابع الباحث السياسي أنه في الحقيقة إذا تكلمنا عن الرابح الحقيقي نجده الكيان الصهيوني؛ إذ إنه سرق ثروات بحرية فلسطينية خالصة، وينازع في ثروات لبنانية خالصة أيضًا لحدود دولتين عربيتين لا يملك الأولى ولايستحق الثانية. ولنا أن نتساءل: لماذا تسارعت الأزمة وتسارع بعدها التدخل الأمريكي والترحيب الأوروبي بالحل؟ الإجابة تكمن في أزمة الطاقة الحالية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي الآن، الذي سيحصل على الغاز بلا شك من هذه الحقول القريبة منه جنوب المتوسط سواء من دولة الاحتلال الغاصبة أو دولة لبنان المأزومة تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة تهدد لبنان بالإفلاس.

ولفت إلى أن هذا الاتفاق ضمن لدولة الاحتلال حقل "كاريش" كاملًا ومعه نسبة 17% من حقل "قانا"، ولم تنتظر دولة الاحتلال حتى انتهاء المفاوضات فبدأت ضخًّا تجريبيًّا، وأعلنت شركة "إنرجيان" (Energea) المشغلة لحقل "كاريش" ربط المنصة بأنابيب التوصيل وبدء عملية الضخ التجريبي العكسي من الشاطئ إلى المنصة، وذلك عقب إعلان إسرائيل عزمها تشغيل الحقل حتى من دون الاتفاق مع لبنان متجاهلة تهديدات "حزب الله"، وقد تحجج حسن نصر الله لتراجعه بتصريحات أعلنها مكتب الرئيس اللبناني ميشال عون أن الصيغة النهائية للصفقة "ترضى لبنان وتلبي مطالبه، وتحافظ على حقوقه في موارده الطبيعية"، متجاهلًا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد التي قال فيها: "إنه إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل، ويضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي، ويضمن استقرار حدودنا الشمالية"! مشيرًا إلى أن "حزب الله" اللبناني -وقل إن شئت: الإيراني المدعوم من إيران- على تفاصيل المقترحات خلال المفاوضات غير المباشرة، لكنه قال إنه سيوافق على موقف الحكومة اللبنانية!

ورقة الغاز

وختم تصريحه بأنه عند التدقيق نجد الكيان الإسرائيلي رابح بحق بعد تحييد تهديد "حزب حسن نصر الله" بأن أي اعتداء على حقل "كاريش" سيكون الثمن لبنان كله وتفكيكه، هكذا صرح بيني غانتس وزير دفاع دولة الاحتلال، ثم فرْض الأمر الواقع وبداية الحصول على الغاز من الحقل، في حين أن لبنان المأزوم عليه أن ينتظر عدة سنوات ليتمكن من التنقيب واستخراج الغاز، مع مطالبة دولة الاحتلال بنسبة مما سوف يُستخرج مستقبلًا. ويظل دور حزب حسن نصر الله تشغيبيًّا فقط ولن يحصل على مكاسب سياسية بعد أن عرف الجميع أنه غير قادر على تنفيذ تهديده، وكل ما هنالك فهو حزب وظيفي بامتياز تحركه إيران وهي تتفاوض مع أمريكا حول ملفها النووي الآن، وقد رعت واشنطن اتفاق الغاز بنفسها لتفوت الفرصة على حزبه أن يمارس دوره الوظيفي من قبل إيران، وتبطل الاستخدام الإيراني له في ملف من أهم الملفات الإقليمية الحدودية الآن؛ لتعلقه بتأمين حدود دولة الاحتلال الشمالية، وتأمين غاز للاتحاد الأوروبي تتفاهم فيه مع دولة الاحتلال؛ ليتم ضمه إلى الغاز الأمريكي باهظ الثمن الذي يُضخ لدول الاتحاد الأوروبي باستغلال أزمة الطاقة التى ستشتد خلال الشتاء.

رغم ذلك فإن لبنان في أمس الحاجة الآن لهذا الاتفاق، خاصة في ضوء تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ودخوله في مرحلة انهيار كبيرة، وتراجع قيمة عملته الوطنية، وزيادة معدلات التضخم بمستويات غير مسبوقة؛ مما جعل معظم شرائح الشعب اللبناني تلامس حدود الفقر.