هل ينجح اتفاق إسكات المدافع في تيجراي؟

نظام آبي أحمد يتقارب مع الاتحاد الأفريقي ويخشى المسائلة عن جرائم الحرب

  • 93
القتح - ارشيفية

عاشت إثيوبيا أحداثًا ملتهبة منذ نحو عامين بسبب الصراع المسلح بين جبهة تيجراي وحكومة نظام آبي أحمد، وما نتج عنه من قتل ومجاعة ومآسٍ عديدة، ارتكب الجيش الإثيوبي خلالها مجازر دموية وتهجير قسري لآلاف المواطنين، ومؤخرًا تم التوقيع فى بريتوريا بدولة جنوب أفريقيا، فى الثانى من نوفمبر 2022 على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراى.

تهدف اتفاقية السلام الموقعة في بريتوريا إلى تحقيق عدة مطالب من بينها إسكات المدافع وإرساء أسس السلام المستدام، واستعادة النظام الدستورى المعطل بسبب النزاع فى منطقة تيجراى، ونبذ العنف، وضمان تسوية دائمة للنزاع، ورغم مشاركة القوات الإريتيرية فى القتال ضد قوات التيجراى لكن لم يتم دعوة الحكومة الأريترية لمفاضوات جنوب إفريقيا.

وكان من الممكن أن تساعد قوات حفظ السلام في عملية الادماج ونزع السلاح وانسحاب القوات الإرترية الموالية للحكومة المركزية الفيدرالية في أديس أبابا، إضافة إلى إمكانية مراقبة وتنفيذ الاتفاق على المدى القريب بدلاً من تعرضه لخطر الانهيار، فوساطة الاتحاد الأفريقي وفريق التفاوض ربما لا يمتلك القدرة واللوجستيات اللازمة حيال ذلك، فهل سيعيد النظر نظام آبي أحمد في هذا الشأن ؟، أم أنه يتعمد اللجوء إلى هذا الأمر خشية المسائلة عن الجرائم التي ارتكبها ضد جبهة التيجراي ودرئًا لتعالي أصوات المطالبة باستفتاء للانفصال عن أديس أبابا.

ومن أهم ما تضمنه هذا الاتفاق تسليم قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي جميع الأسلحة والمعدات الثقيلة التي حصلت عليها بعد هجموها على القاعدة الشمالية للجيش الوطني الفيدرالي، وكذلك تسليم الجيش الإثيوبي مدينة "ميكيلي" عاصمة إقليم تيجراي التي يحاصرها منذ فترة، وإعادة تأهيل جنود الجبهة وإعادة دمجهم داخل صفوف الجيش الإثيوبي؛ وبذلك لن يكون لإقليم تيجراي جيش خاص وسيكون هناك جيش واحد لدولة إثيوبيا، وقد وافقت الجبهة على تلك الشروط. ووافقت الحكومة الإثيوبية على إعادة الخدمات الأساسية للحياة في إقليم تيجراي، والتعجيل بإمداد الإقليم بالمساعدات الإنسانية والصحية اللازمة وإعادة تأهيله.

وبطبيعة الحال تدور تساؤلات حول مدى إمكانية صمود هذا الاتفاق ووقف الأعمال العدائية فترة طويلة، وتمكين إقليم تيجراي من العودة لحياته الطبيعية ولو نسبيًّا، بعدما قطعت الحكومة عنه كل الخدمات الأساسية للحياة كالاتصالات والكهرباء والإنترنت والتحويلات المالية؛ من أجل إخضاعه.

على كلٍّ فإن هذا الاتفاق هو الخيار الأوحد لكلا الطرفين وهو الجلوس سويًّا على مائدة المفاوضات، ووضع آليات محددة لحل الخلافات جذريًّا، والتحاور بشأن تنفيذ بنود الاتفاقية، خاصة في ظل وجود أزمة إنسانية قاسية في إقليم تيجراي، وسيحقق ذاك الاتفاق العديد من الإصلاحات والتحسينات، وسيكون هناك نوع من الهدوء والاستقرار النسبي للإقليم بعدما تضررت بنيته التحتية كثيرًا خلال العامين الماضيين بسبب تحوله إلى مسرح للأحداث الأمنية والتجاذبات الدولية والإقليمية، بحسب الخبراء.

في هذا الصدد، قال د. أبو بكر فضل، الباحث السوداني في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، إنه رغم ضراوة الحرب بين الطرفين وإفرازاتها الإنسانية المأساوية وما صاحبتها من انتهاكات لحقوق الإنسان، فإن توقيع الطرفين لاتفاق وقف إطلاق النار والاتجاه للدخول في تسوية شاملة للأزمة فهي بلا شك خطوة في غاية الأهمية وشجاعة، وتعود تلك الخطوة لإدراك الطرفين الرئيسين في الحرب -وهما الحكومة الإثيوبية وجبهة تيجراي- استحالة تحقيق أي طرف انتصار دائم وكامل على الآخر.

وأضاف "أبو بكر" لـ "الفتح" أن هذه الاتفاقية وجدت صدى وتأييدًا داخليا وخارجيا، إلى جانب واقعيتها لشمولها مخاوف الطرفين، وفي تقديري تمثل تلك الاتفاقية مقدمة لبداية سلام شامل في إثيوبيا لاعتراف الاتفاقية بالدستور القائم وإلغاء تصنيف جبهة تيجراي منظمة إرهابية، وإقرار عدالة داخلية بعيدًا عن المحاكم الدولية ولجان التحقيق الأممية والإقليمية. وستستمر هذه الاتفاقية بإرادة طرفيها وعدم إتاحة الفرصة لرافضيها من الجانبين مثل إريتريا وقوات الأمهرا من مناصري الحكومة الفيدرالية، ومن المتطرفين من جبهة تيجراي.

وأردف: منذ عام وبعد استفحال أزمة تيجراي تدخل الاتحاد الإفريقي عبر وسيطه الرئيس السابق لنيجيريا "أوليسجون أوباسانجو" الذي تكللت جهوده في الوساطة باتفاق الهدنة الإنسانية قبل نصف عام، وتطور هذا الجهد بتلك الاتفاقية الموقعة في بريتوريا بجنوب إفريقيا، حيث وجدت الاتفاقية الدعم والمساندة من دولة جنوب إفريقيا وجمهورية كينيا؛ وبِناءً عليه فإن هذه الخطوة تمثل نجاحًا للدبلوماسية الإفريفية والقرار الإفريقي، على الرغم من الدور الكبير للمبعوث الأمريكي في مجريات المفاوضات والوصول إلى هذه الاتفاقية.

وتابع الباحث السياسي أنه إذا نجحت الأطراف في تطبيق تلك الاتفاقية بعد إكمالها فإن الحلول الإفريقية ستكون الأنموذج لحلول وتسوية مشكلات القارة المعقدة، كما ستعمل على صد التدخلات الخارجية الكثيفة في شؤون إفريقيا.