• الرئيسية
  • الأخبار
  • "باحث شرعي": هناك فرق بين الثوابت التي لا تقبل التراجع والمتغيرات التي تتطلب مرونة بحسب موازنات المصالح والمفاسد

"باحث شرعي": هناك فرق بين الثوابت التي لا تقبل التراجع والمتغيرات التي تتطلب مرونة بحسب موازنات المصالح والمفاسد

  • 61
الفتح - أرشيفية

قال شريف طه، الداعية الإسلامي، إن هناك فرق بين الثوابت التي لا تقبل التراجع مهما كان ضغط الواقع، والمتغيرات التي تتطلب مرونة بحسب موازنات المصالح والمفاسد، وللأسف الشديد الخلط بين البابين كبير جدًا.

وبين طه في منشور له عبر "فيس بوك" أن الأولى مجالها العقائد والمبادئ والأحكام والمقاصد ، والثانية مجالها الوسائل والآليات.

وأكد الداعية الإسلامي أنه لا يمكن – مثلاً -  القبول بتغيير حكم شرعي طلبًا لتحصيل مصلحة متوهمة، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم -لا يملك تغيير الوحي المنزل ؛ فما بالك بمن دونه ؟! قال تعالى ﴿وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنَا ائتِ بِقُرآنٍ غَيرِ هذا أَو بَدِّلهُ قُل ما يَكونُ لي أَن أُبَدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نَفسي إِن أَتَّبِعُ إِلّا ما يوحى إِلَيَّ إِنّي أَخافُ إِن عَصَيتُ رَبّي عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ﴾ [يونس: ١٥]

وأضاف طه قائلا:  فلا يملك أحد -مهما كان -أن يغير عقائد الناس ، ولا تحليل الحرام أو تحريم الحلال ، ولو كان في مسألة واحدة، والاستجابة في ذلك هي المداهنة في الدين والركون للظالمين.

واستشهد طه بقول الله تعالى﴿وَإِن كادوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ لِتَفتَرِيَ عَلَينا غَيرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذوكَ خَليلًا ۝ وَلَولا أَن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَليلًا ۝ إِذًا لَأَذَقناكَ ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا﴾ [الإسراء: ٧٣-٧٥]

وقد قالوا في سبب نزولها : أن وفد ثقيف طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم -أن يمتعهم بآلهتهم سنة، وأن يحرم واديهم كما حرم مكة، فأنزل الله ذلك.

وأوضح طه أن الركون للظالمين يكون بموافقتهم على ما يريدون من الباطل وتحريف الوحي المنزل، وهو الذي توعد الله تعالى فاعله بالعذاب في الدنيا والآخرة، وفقد ولاية الله ونصرته.

وواصل طه حديثه قائلا:وأما الوسائل فهي تخضع للمصالح والمفاسد، والتي تحتاج اجتهادًا عظيما في تقديرها وفق مراد الله تعالى، وليس تبعًا للأهواء.

وأفاد طه قائلا: وصلح الحديبية أنموذج كاشف للفرق بين البابين؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم- الذي ما داهن في دين الله قط، وما وافقهم على بالهم، كان مرنًا جدًا في مفاوضته مع مبعوثي قريش. 

-وفي محنة الإمام أحمد رحمه الله مع المعتزلة درس هام كذلك، فالإمام أحمد-رحمه الله - الذي أبى أن ينطق بالكفر، وثبت على ذلك، وتحمل ما هو معروف من السجن والجلد والمنع من التحديث، هو نفسه الذي أبى الخروج على الواثق، وكان يتعلل بالدماء.

واستشهد طه بما رواه الخلال في السنة عن  عَلِي بْنُ عِيسَى قال: "سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: "فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ: "عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ  وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ " 

-ولما قيل له : " أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟  قَالَ: وَإِنْ كَانَ ! فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ، فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ! 

الصَّبْرَ عَلَى هَذَا، وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ، وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ: الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ " [ السنة ، للخلال (٩٠)]

واختمم طه قائلا: فانظر - رحمك الله-لمسلك كبار الأئمة، في التوازن بين إنكار المنكر وعدم تفريق الأمة، بالحفاظ على السنة والجماعة معا، وفي موازنات المصالح والمفاسد، قبل أن تبادر فتسب وتتهم أهل العلم الراسخين بأنهم منبطحون أو خائنون أو غير ذلك من التهم التي يطلقها الجهال المتحمسون بلا بصيرة ولا هدى من الله، فيَضلون ويُضلون.