مصر تستضيف محادثات "نيوستارت" النووية خلال ساعات قليلة

خبير سياسي: تعكس مكانة القاهرة عالميًّا.. وأمل كبير في التوصل لاتفاق بين موسكو وواشنطن

  • 112
د. أحمد ماهر، الباحث في العلاقات الدولية والمحاضر بالكليات العسكرية

من المقرر أن تستضيف القاهرة مباحثات نووية بين واشنطن وروسيا وتستمر لمدة أسبوع من 29 نوفمبر إلى 6 ديسمبر، حيث ينظر الجانبان إمكانية إعادة تفعيل معاهدة "نيوستارت" التي تسمح لأمريكا وروسيا بتفتيش الأسلحة لدى كل منهما.

 وهذه هي المرة الأولى التي تُعقد فيها مثل تلك اللقاءات خارج العواصم الأوروبية، وقد جرى الإعداد له منذ فترة عبر اجتماعات سرية بين الروس والأمريكان بغرض تلاشي أي تطور نووي في الأزمة الروسية الأوكرانية. وقد وُقعت معاهدة "نيو ستارت" خلال عام 2011م بين موسكو وواشنطن في مجال ضبط الأسلحة النووية بين البلدين؛ وحققت تقدمًا في العلاقات بينهما لكنها توترت مرة أخرى بسبب الأزمة الروسية أوكرانيا.

"نيو ستارت"

"نيو ستارت" هي المعاهدة الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين أمريكا وروسيا، بعدما انسحبا عام 2019م من معاهدة حظر الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة بينهما في عام 1987م؛ فلا بد لتطبيق بنود الاتفاقية من إجراء عمليات تفتيش متبادلة على القواعد العسكرية النووية بين البلدين، علاوة على ضرورة تبادل المعلومات والبيانات للتحقق من امتثالهما الكامل لبنود المعاهدة، بما فيها تبادل معلومات سنوية تخص عدد الأسلحة المتفق عليها، وإجراء 18 عملية تفتيش كل عام على مواقع الأسلحة داخل الدولتين.

وفي شهر مارس الماضي –أي بعد نحو شهر تقريبًا من العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا- ونتيجة لموقف واشنطن الداعم لكييف؛ أعلنت موسكو تعليقًا مؤقتًا للسماح بتفتيش المنشآت الخاصة بها؛ وهو ما اعتبرته واشنطن انسحابًا صريحًا من المعاهدة.

ورغم هذا التوتر السائد بينهما تسعى الدولتان لمنع أي تصعيد نووي في الحرب الروسية الأوكرانية -على الأقل في الوقت الحالي، لا سيما في ظل تلويح روسيا بإمكانية استخدام أسلحة نووية "تكتيكية" في أوكرانيا، إضافة إلى إدخال موسكو قدرات نوعية جديدة في مجال التسليح النووي كالطوربيد "بوسايدون"، وصاروخ "تسيركون" الفرط صوتي إلى الخدمة خلال الفترة الماضية.

منعُ التصعيد

في هذا الصدد، قال د. أحمد ماهر، الباحث في العلاقات الدولية والمحاضر بالكليات العسكرية وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، إن التصعيد الحالي بين روسيا وأوكرانيا وصل مرحلة خطيرة ولا بد معها من وجود مثل تلك اللقاءات المهمة، لا سيما مع وجود مفاعل "تشير نوبل" وهو يعد أكبر مفاعل نووي في أوروبا ومن الممكن أن يتسبب في حدوث كارثة كبرى لو وصلت إليه نيران الحرب، فما بالنا لو تم استخدام السلاح النووي فعليًّا داخل الحرب من أحد أطراف الصراع؟! بالتأكيد سيكون الوضع كارثيًّا على المنطقة والعالم أجمع.

وأضاف "ماهر" لـ "الفتح" أنه بخصوص قدرة تلك اللقاءات التي ستعقد بالقاهرة للحد من الصراع النووي، والولايات المتحدة الأمريكية أوصت في أكتوبر الماضي روسيا أو أي دولة لا تستخدم السلاح النووي على مستوى العالم، علاوة على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -وكذلك وزير خارجيته سيرجي لافروف- قال إن استخدام بلاده السلاح النووي لن يتم إلا في حالة التأثير على وحدة الاتحاد الروسي نفسه؛ يعني أنه لن يستخدم السلاح النووي إلا إذا تعرض الاتحاد الروسي للخطر، وإذا وضعنا هاتين النقطتين نصب أعيننا فيمكننا بالفعل التوصل لاتفاقية بين البلدين خلال تلك المحادثات.

 وتابع أن السيناريوهات المتوقعة في خط سير تلك المحادثات أنها ستكون صعبة على الطرفين؛ لأنهما في حالة حروب تجارية واقتصادية وتكنولوجية منذ عدة أعوام، إضافة إلى دعم أمريكا أوكرانيا عسكريًّا ضد روسيا، لكن الوضع سيميل إلى اجتماع الضرورة نتيجة وصول كلا الطرفين إلى مرحلة المخاطرة باستخدام السلاح النووي إذا لم يصلا إلى حل ودي خلال تلك الآونة.

وختم أنه بخصوص اختيار القاهرة كأول عاصمة غير أوروبية على مستوى العالم تستضيف مثل هذا اللقاء؛ فإن ذاك يعكس مكانة مصر الدولية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي خاصة في الفترة الأخيرة؛ فلو لم تكن مصر ذات مكانة كبيرة لما حدث ذلك، إضافة إلى موقفها المحايد من تلك الأزمة، وعلاقتها السوية المعتدلة بموسكو وواشنطن وبنفس القوة والمتانة؛ ما يجعلها موضع ترحيب بين الطرفين، وهذا ساعدها بالطبع على عقد هذا اللقاء، وهذا يعكس أيضًا مكانة القاهرة المهمة في المنطقة وأنها مصدر ومكان مهم للقاءات الزعماء العالميين في مختلف القضايا الحساسة، فبايدن وبوتين رئيسا أكبر قوتين نوويتين على مستوى العالم، وهذا تأكيد أن مصر صارت مكانًا لحل الأزمات العالمية الملحة وجمع الفرقاء السياسيين.

رغم ذلك فإن كلا الدولتين تحاولان الحصول على مكاسب من تلك اللقاءات، فموسكو تستخدم "نيو ستارت" كأداة ضغط لتخفيف العقوبات الغربية –بقيادة أمريكا- المفروضة عليها، وواشنطن ربما تحاول إطالة أمد المحادثات كورقة ضغط لتسوية الأزمة الأوكرانية، ولو نجحت هذه المباحثات سينفتح الباب أمام إمكانية التوصل لمحادثات روسية أوكرانية مباشرة قريبًا؛ ومن ثَمَّ التوصل لوقف إطلاق النار ولو مؤقتًا.