عاجل

امرأة سمع الله شكواها

نجلاء جبروني

  • 51

أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي خائفة، تبدو على وجهها علامات الحزن والأسى، كيف لا، وأسرتها مهددة بالانهيار، وبيتها مهدد بالضياع، كل ذلك بسبب كلمة قالها زوجُها وهو غضبان، كلمة كادت أن تُنهي حياتهما معًا بعد هذا العمر الطويل.

تلك هي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَة وزوجُها أوْس بن الصَّامِت-رضي الله عنهما-،كان بينها وبين زوجها ما يكون بين الرجل وزوجته من خلاف، قالت: فدخَل علَيَّ يومًا فراجَعْتُه في شيءٍ فغضِب وقال: "أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي".

فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّها تجد عنده حلًّا لمشكلتها، قالت: فجعَلْتُ أشكو إليه ما ألقى مِن سوءِ خُلُقِه، وفي رواية قالت: يا رسولَ اللَّهِ، َكَلَ شَبابي، ونثرتُ لَهُ بَطني، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي، ظاهرَ منِّي"، فيقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا أَرَاك إِلَّا قَدْ حُرِّمْت عَلَيْهِ، قَالَتْ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ يَا نَبِيّ اللَّه، وَاَللَّه مَا ذَكَرَ طَلَاقًا.

 فجعلت تراجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم وتجادله، تقول: يَا رَسُول اللَّه طَالَتْ صُحْبَتِي، "وإنَّ لي مِنْهُ صِبْيَةً صِغَارًا، إنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإنْ ضَمَمْتُهُمْ إليَّ جَاعُوا".

 وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ.

فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيلُ بِهَذه الآياتِ: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ". تلكم هي خولة-رضي الله عنها-، المرأة العاقلة والزوجة الصالحة التي أحسنت عشرة زوجها ودافعت عن بيتِها.

كم كان حرصها على مستقبل أولادِها وتماسك أسرتِها-رغم أن زوجها قد كبرت سِنّه وأساء إليها-إلا أنَّها تحمَّلتْه وعَذَرَتْه وتعاملت وقت الخلاف بحكمة ورَوِيَّة، حتى خلد ذكرها، بل سمع ربُّ العالمين شكواها وأجابها من فوق سبع سموات.

تلكم هي خولة –رضي الله عنها-التي لم تكتفِ بأن تسأل عن الحكم، بل أخذت تجادل وتدافع عن زوجها وأسرتها، لم تذهب لتخبر زوجًا بأمر الكفارة التي تعلم أنه لن يستطيع أداءها، بل بيَّنت للنبي –صلى الله عليه وسلم- أن تلك الكفارة ليست في وسع الزوج، وكررت ذلك حتى ساعدها رسول الله ثم قررت هي رغم عتبها على زوجها أن تساعده في كفارته لتنقذ بيتها الذي رفضت أن ينهار وتحمي أسرتها التي كادت أن تنتهي بسبب كلمة في ساعة غضب.

 كم كانت الزوجة العاقلة محلًا للتقدير والثناء، حتى مرَّتْ بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيام خلافته، فاستوقفته طويلا ووعظته قائلة له: يا عمر، كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتّق الله يا عمر.. فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب.. وعمر رضي الله عنه واقف أمامها، يسمع كلامها مصغياً إليها.

فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف كله؟!!

 قال عمر رضي الله عنه: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، أفيسمع ربُّ العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!"

فيا أيَّتُها الزوجة أنتِ عمادُ البيت وأساسُ الأسرة، فإذا وجدتِ من زوجك قسوة أو إساءة، فإمَّا أن تتسرعي فتندمي، وإمَّا أن تتعقلي فتغنمي، احتسبي الأجر وانتظري الجَبْر، وثقي بأنَّ ربَّ العالمين سيأجرك ويجبرك، فلا تتعجَّلي.

ويا أيُّها الزوج رفقًا بزوجتِك وأمِّ أولادِك، إنْ كَرِهَتَ منها خُلُقًا رَضِيتَ منها آخَرَ، كُنْ لها سَكَنًا كما كانت هي لك، ولقلبها مأوىً ولجُرحها دواءً، وإن أردتَ امرأة بلا عيب فهي أيضًا تريد رجلًا بلا عيب، فلماذا ننسى عيوبنا ونذكر عيوب الآخرين؟!

إنَّ أكثر عمل يفرح به الشياطين هو هدم الأسرة والتَّفريقِ بيْن الزَّوجين، فهلَّا فوَّتْنا عليه الفرصة؟

 قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ"