تقرير.. اللغة العربية تواجه "التغريب" بـ"التعريب"

الرئيس يوجه بالاهتمام بها.. "النواب" يدرس قانونا لتعريب أسماء المحال.. والأزهر يطلق حملتين لتمكينها

  • 120
الفتح - اللغة العربية

الجامعة العربية: تطلق مبادرة "شهر اللغة العربية".. وتصفها بأعظم كنز ورمز هويتنا ووعاء حفظ تراثنا

خبراء ومهتمون: لغة القرآن محفوظة به.. وتعلّمها طريق العودة لمجد الإسلام و أعظم مقومات النهضة

تقرير – علي منصور

كرّم الله "العربية" في الدنيا بأن خصها لتكون لغة القرآن الكريم، وفي الآخرة بأن تكون لغة أهل الجنة، وبدأ العالم الاحتفاء بها منذ عام 2012 بعد إدراجها كسادس لغة رسمية بالجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1973، وتم اختيار يوم 18 ديسمبر من كل عام يومًا عالميًا للغة العربية باعتبارها أحد أهم أركان التنوع الثقافي للبشرية، ولغة الحضارة العربية الإسلامية، ولغة العلوم والمعرفة والآداب.

اهتمام رسمي باللغة العربية

برز اهتمام الدولة المصرية باللغة العربية، من خلال توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاهتمام بها، خلال مداخلة تلفزيونية على إحدى القنوات الفضائية، في أكتوبر الماضي؛ إذ قال "إن الجميع يجب أن يهتم باللغة العربية ويهتم بالقرآن الكريم وبتنظيم أوقات أولادنا".

وأحال المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، خلال ديسمبر الجاري، مشروع قانون إلى لجنة الإعلام لمناقشته؛ يهدف إلى إعادة تسمية المطاعم والكافتيريات بأسماء عربية فصحى، أو التعرض للمساءلة القانونية، ونصت المادة 21 من مشروع القانون على: "تلتزم المحال والشركات والمولات والمطاعم والكافتيريات باختيار وكتابة أسماء باللغة العربية الخالصة، ووضعها على لافتاتها وحال المخالفة تسحب تراخيصها لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة".

ودشّن الأزهر الشريف حملتين، أطلق مجمع البحوث الإسلامية، الحملة الأولى بعنوان: "اللغة العربية.. هُوية وارتقاء"، وأطلق مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب، الحملة الثانية بعنوان: "قَـوِّمْ لِسانًـا تَبْنِ إنسانًـا"؛ لتمكين اللغة العربية في قلوب الناطقين بها، وتنمية ذائقتهم اللُّغوية، وإبراز قدرتها على ترسيخ القيم الخُلُقية.

وطالب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بالتمسك باللغة العربية والحفاظ عليها، مؤكدا أن الحفاظ على الهُوية لا يتعارض مع الحداثة ورَكْب التقدم، فلقد اختُصَّت العربية دون بقية اللغات بفضائل عدة؛ فكانت وعاءً لخاتم الرسالات، وشاهد عيانٍ على تقدم المسلمين والعرب وتفوقهم في مختلف العلوم على مرِّ العصور.

وأكد الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم والتعليم  الفني، أن اللغة العربية تُعد ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم؛ إذ يتكلمها يوميا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان العالم، معلنا عن أن الوزارة تواصل العمل على تطوير مناهج اللغة العربية، وزيادة الإثراءات والتطبيقات اللغوية في المناهج الدراسية، وتعزيز مهارات الفهم القرائي للطلبة من خلال القراءة والكتابة.

"العربية" رمز هويتنا ووعاء حفظ تراثنا

وأكدت الجامعة العربية أن أمانتها العامة تضع اللغة العربية ضمن أولوياتها كونها لغة قومية وأعظم كنزٍ ووعاءٍ لحفظ تراثنا القديم المشرف، موضحة أن الأمانة العامة أعدت الخطة التنفيذية للاستراتيجية العربية للنهوض باللغة العربية لتستكمل بنيان تلك الاستراتيجية تحت شعار "التمكين للغة العربية رمز هويتننا وأداة تنميتها"، التي اعتمدت في مؤتمر وزراء الشئون الثقافية في 2018، ولتضع أول خطوة في طريق محدد الخطوات من خلال استشعار سمو لغتنا.

وخلال كلمة الأمانة العامة للجامعة العربية في المؤتمر الدولي للقوانين والأنظمة والتشريعات والسياسات والتخطيط اللغوي، قالت السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشئون الاجتماعية: إنه في إطار إعداد جيل عربي منتمٍ لهويته وتراثه، اتخذ مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في سبتمبر 2022 قرارا بشأن الموافقة على إطلاق مبادرة "شهر اللغة العربية" في الفترة من 21 فبراير إلى 22 مارس من كل عام، بالتعاون مع المجلس الدولي للغة العربية.

"العربية" طريق العودة لمجد الإسلام

وقال الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية -خلال كلمته بالملتقى العلمي الرابع عشر، تحت عنوان: "اللغة العربية.. لغة كتاب وهوية أمة"-: إن اللغة العربية هي المفتاح الذي تُدرس به سائر العلوم التي عرفتها البشرية، موضحًا أن كونها لغة القرآن والسنة الشريفة فقد تفتقت على علوم ما كان للناس عهد بها قبل أن يُنزَّل القرآن الكريم، فهي تعبّر عن سياق ثقافي وعلمي وإبداعي يجب أن يكون الناس عليه، مؤكدًا أن اللغة العربية لغة فخر ومجد وعراقة وإبداع، ويجب علينا أن نعود إلى أصلنا العربي، وإلى هذه الدرة الغالية التي حملناها من أجدادنا؛ لتكون هي المجد للإسلام وللعروبة كلها.

لغتنا محفوظة بحفظ القرآن

وأكد الدكتور محمد عمر أبو ضيف القاضي، أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بسوهاج، أن اللغة العربية كونها لغة القرآن الكريم فقد حُفظت بحفظه؛ فهي الوسيلة الواحدة والوحيدة لفهم الإسلام وتعاليمه، وبيان شرائعه وأحكامه، وكلما زاد التبحر فيها؛ زاد فهم كتاب الله، ومعرفة معانيه ومقاصده واستخراج كنوزه وذخائره، والاستفادة منه في الدنيا والآخرة.

وأضاف أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد –في تصريحات خاصة لـ "الفتح"-: لأن العالم يعمل بلغة الأرقام؛ فنذكر بعض الأرقام التي توضح ميزة هذه اللغة، فلغتنا العربية فاقت كلماتها كل لغات العالم، فكلماتها غير المكررة اثنا عشر مليونًا وستمائة ألف كلمة، ولغة الإنجليز ٦٠٠ ألف كلمة، ولغة الألمان ١٦٠ ألف كلمة، ولغة الفرنسيين ١٥٠ ألف كلمة، ولغة الروس ١٣٠ ألف كلمة.

التكلم بالعربية يؤثِّر في العقلِ والخلق والدين

وأشار الدكتور مؤمن محجوب، أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الآداب جامعة سوهاج –في تصريحات خاصة لـ«الفتح»- إلى أن اللغة العربية: هي الأصوات التي يُعبر بها العرب عن أغراضهم، وقد وصلت إلينا عن طريق النقل، وحفظها لنا القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وما رواه الثقات من منثور العرب ومنظومهم، مؤكدا أن اعتياد التكلم باللغة العربية يؤثِّر في العقلِ والخلق والدين، وقد قال الشَّافعي: "من نظر في النَّحو، رقَّ طبعُه"، ومن أمثلة ذلك: خرج سيدنا عمر -رضي الله عنه- ليلًا، فرأى نارًا موقدةً، فوقف، وقال: يا أهل الضَّوء، وكَرِه أن يقول يا أهل النَّار، وقيل للعبَّاس بن عبد المطَّلب: أيُّما أكبر، أنت أم النَّبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: هو أكبر منِّي، وأنا وُلدت قبله.

تعلم العربية واجب شرعي

وقال الشيخ عادل نصر، المتحدث باسم الدعوة السلفية: لقد شرف الله عزوجل اللغة العربية بأن جعلها لغة كتابه العظيم فأنزله بلسان عربي مبين؛ فاكتسبت بذلك لغة الضاد الخلود والبقاء والانتشار، ولمّا كانت اللغة العربية لغة القرآن والسنة أصبح تعلمها وإتقانها واجبًا شرعيًا - عينيا أو كفائيا -؛ إذ لا يُفهم القرآن الذي أُمرنا بتلاوته وتدبره إلا بتعلم هذه اللغة المشرفة وعلومها من نحو وصرف وبلاغة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ولذا اهتم المسلمون الأوائل بلغة القرآن أيما اهتمام؛ فوضعوا العلوم التي تصون اللسان من اللحن والخطأ، ونشأوا عليها الصغار وعلموهم قواعدها وأشعارها وآدابها.

"العربية" أعظم مقومات نهضة الأمة

وأضاف "نصر" –في تصريحات خاصة لـ"الفتح"-: ولما دار الزمان وضعف المسلمون وتسلط عليهم أعداؤهم واحتلوا بلادهم كان من أول ما خططوا له هو النيل من اللغة العربية والحط من شأنها وصرف أبناء الأمة عن العناية والاعتزاز بها؛ لعلمهم أنها من أعظم مقومات نهضة أمة الإسلام، فاللغة العربية هي وعاء ثقافتنا وعنوان هويتنا، ومن المؤسف أن كثيرًا من أبناء الأمة وقعوا في شراك المؤامرة حتى أضحت الفصحى غريبة بين قومها وراجت بينهم لغات أعدائهم بزعم أنها لغات العلم وكذبوا.

وأوضح المتحدث باسم الدعوة السلفية، أن أمتنا اليوم مطالبة بالاهتمام بلغة القرآن في التعليم والأخذ بكافة الأساليب التي تؤدي إلى ازدهارها كتعريب العلوم والاهتمام بتعليمها للصغار والكبار والرجال والنساء؛ إذا كنا نريد أن ننهض من كبوتنا ونحافظ على هويتنا ونعود لسابق مجدنا، وإذا كان اليهود قد أحيوا لغتهم بعدما ماتت؛ فكيف نسمح نحن بأن تصبح لغة القرآن غريبة بين أهلها؟ حفظ الله لغتنا الجميلة ورد كيد أعدائها في نحورهم.