وكيل مشيخة الأزهر السابق: أوقفوا العبث بالميثاق الغليظ

المحاولات الغربية العبثية لتخريب عقود الزواج هى حرب على كتاب الله وسنة نبيه وإجماع فقهاء المسلمين سلفًا وخلفًا

  • 394
د. عباس شومان وكيل الأزهرالشريف سابقا

انتقد د. عباس شومان، وكيل مشيخة الأزهر الشريف سابقا، ما وصفها بالمحاولات العبثية البائسة التي تريد هدم الأسرة والمجتمع، كما تريد العبث بعقود الزواج والتي تخالف ما شرعه الله ورسوله.

وقال "شومان" في تصريحات له بحسب مجلة "صوت الأزهر": لازالت المحاولات العبثيَّة التي تريد النيل من عقد الزواج تتوالى؛ ولذا رأيت الكتابة في هذا الموضوع مع أني كتبت فيه سابقًا، فعقد الزواج عقد مقدس أحاطه شرعنا بسياج منيع، وضمانات متعددة، تضمن تحقيق مقاصده.

وتابع، قائلا: وهي بقاء النوع الإنساني لإعمار الكون وتواصل الأجيال، مع تلبيَّة احتياجات الإنسان العاطفيَّة والجسديَّة، وملائمة الجبلة التي خُلِقَ عليها من الشراكة الحياتيَّة وحبِّ السكن والسكينة:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وهذه الضمانات التي جاءت بها شريعتنا الغراء ضمنت مع تحقيق هذه الغايات عدم اختلاط الأنساب بين الناس؛ ولذا أجازت للرجل أن يتزوج بأربع نسوة : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } ، ولم تجعل ذلك للمرأة.

وأردف، قائلا: وليس كما تظنه كثير من النساء أنَّه من باب تفضيل نوع الرجال على النساء، فالمرأة هي التي اختصها ربُّ العالمين بشرف حمل الجنين في رحمها، ومع أنَّ الجنين يتكون من نطفة رجل واحد إلا أنه منع تعدد الرجال على المرأة الواحدة؛ لأنَّ تعدد الرجال على المرأة  يضيع نسب الطفل بينهم،  فلا يعرف والده من بينهم فتختلط الأنساب، بخلاف الرجل فإن تزوج بأكثر من امرأة لم يتصور حصول اختلاط للأنساب، فكلُّ حمل لزوجة من زوجاته يعلم أنه هو والده؛ ولذا لم يكن لجواز التعدد بالنسبة للرجال علاقة بالتفضيل له على المرأة التي منعت منه.

وواصل "شومان"، حديثه: ولذا اشترط إسلامنا لصحة الزواج أن تكون المرأة المراد الزواج منها خالية عن الأزواج بشكل تمام، فلا يجوز لرجل أن يتزوج بامرأة متزوجة من زوج آخر، ولا يجوز له أن يتزوج بامرأة مطلقة وهي في عدة الطلاق مع أنها ليست زوجة، وسوأ أكان الطلاق رجعيًّا ،حيث إنها تكون في حكم الزوجة فيجوز لزوجها ردها إلى عصمته طالما لم تنته عدتها، أم كان طلاقها بائنًا  مع أنها لن تعود لمطلقها، وذلك لحِكم كثيرة من أهمها استبراء الرحم والتأكد من عدم وجود حمل من المطلق، فقد يكون الحمل في بدايته فإن تزوجت من شخص آخر نسب الطفل إليه مع أنه ابن الأول فتختلط الأنساب، ومثل هذا مَنْ تُوُفِّي عنها زوجها فلا تتزوج إلا بعد أن يبرأ الرحم بمضي العدة أو وضع الحمل إن وجد؛ ولذا كان من أهم شروط المرأة الخلو عن الزوج تمامًا، وهذا شرط حتمي معلوم من الدين بالضرورة، لا نزاع حوله ولا يقبل اجتهادًا جديدًا في عصر من العصور إلى قيام الساعة.

وبين: كما يشترط في المرأة المراد الزواج منها أن تكون  من غير محارم الزوج، فلا زواج من الأخت ولا من الأم ... :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}،والإخلال بشرط كون المرأة لا زوج لها حقيقة أو حكمًا، وكذا كونها ليست من محارمه يجعل العقد باطلًا وكأنه لم يكن، ويبقى حرامًا على الطرفين أن يقترب أحدهما من الآخر كزوج.

واستكمل، وكيل الأزهر السابق: فإذا وقع جماع بين الرجل والمرأة في هذا الذي يسمونه زواجًا فهو من الزنا المحرَّم الواقع بين أي رجل وامرأة من دون عقد زواج، ويزيد التحريم في حال كون المرأة ممن حُرِّمَت على الرجل ، فوطء المحارم أشدُّ تحريمًا وإثمًا من الزنا بامرأة ليست من المحارم.

وتابع: وقد ورد فيه عن الفقهاء بأن عقوبته القتل لطرفيه ولو كانا غير محصنين، واستدلوا على ذلك بما رُوِيَ عن البراء بن عازب قال: لَقِيتُ خَالِي وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ، إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ، أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، أَوْ أَقْتُلَهُ، وَآخُذَ مَالَهُ»، ومعلوم أنَّ زوجة الأب من المحرَّمات على الابن تحريمًا مؤبدًا بنص كتاب الله، وقد استنبطوا من هذا الحديث عدم التفريق بين المحصن وغير المحصن في جريمة زنى المحارم؛ لأنَّ القتل كان بالسيف، فتبين أنَّ جريمة زنى المحارم لا تجري على قاعدة عقوبات الزنى بين غير المحارم، حيث يكون الجلد لغير المحصن والرجم لمن أحصن بالزواج، فهذه عقوبة خاصة نظرًا لشدة قبح الجريمة.

كما للفقهاء تفصيل في بيان نوع قتل الفاعل في هذه الحال؛ هل هو قتل حد أو قتل كفر؟ والراجح أنَّه قتل حد، ولا يُكفَّر فاعله إلا إذا فعل ذلك مستحِلًّا له؛ لأنَّه عندئذ يكون معارضًا لشرع الله، ومنكرًا لمعلوم من الدين بالضرورة، وهو تحريم المحارم بعضهم على بعض بعقد أو من دون عقد، فلم يفرق الفقهاء بين كون زنى المحارم واقعًا في ظل عقد زواج أو من دونه؛ لأنَّ عقد النكاح في هذه الحالة باطل لم ينعقد أصلًا، بل إنَّ فعل ذلك بعد عقد يكون أشد قبحًا؛ لكونه جمع إلى تحريم الفعل تحريم الإقدام على عقد مُحَرَّمٍ بنص قطعي في كتاب الله؛ وهو ما سبق ذكره من كتاب الله :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ..} أمَّا في واقعة الحديث  ففيها نص يخصها حيث يقول تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} ، وفي ذلك يقول ابن القيم: «فَوَاَللَّهِ مَا رَضِيَ لَهُ بِحَدِّ الزَّانِي حَتَّى حَكَمَ عَلَيْهِ بِضَرْبِ الْعُنُقِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ؛ فَإِنَّ جَرِيمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ جَرِيمَةِ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، فَإِنَّ هَذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَاحِدًا، وَالْعَاقِدُ عَلَيْهَا ضَمَّ إلَى جَرِيمَةِ الْوَطْءِ جَرِيمَةَ الْعَقْدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ، فَانْتَهَكَ حُرْمَةَ شَرْعِهِ بِالْعَقْدِ، وَحُرْمَةَ أُمِّهِ بِالْوَطْءِ»!

وأوضح الدكتور شومان، أن المحاولات العبثيَّة بتخريب هذا العقد والميثاق الذي وصفه ربنا بالغليظ في قوله تعالى:{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: أمر مرفوض، والكارثة أنه مع استقرار هذه القواعد الشرعيَّة يُعْلَن في بلد عربي عن زواج مسلم بأخته زواجًا مدنيًّا!، وخرجا بكلِّ تبجح وبوجهين مكشوفين نزع منهما الحياء نزعًا، يتحدثان عن زواجهما، ويرفضان حديث شيخ جليل يبَّن لهما حكم الشرع، وهو بطلان هذا الزواج، وما أعلن عنه في دولة عربيَّة أخرى من زواج امرأة برجلين في عقد واحد ووقت واحد، وتتعهد بأن تعدل بينهما!.

واختتم، حديثه، بالقول: وغالب الظن الذي قد يصل إلى اليقين أنَّ هذا من الغزو الوافد إلى بلادنا لهدم حصنها الحصين الذي يؤرق الكثيرين وهو نظام الأسرة في الإسلام، وليعلم الجميع أنَّ هذه الجرائم المرتكبة في حق الميثاق الغليظ لا خلاف على أنها من الكبائر العظيمة، وهي حرب على كتاب الله وسنة نبيه وإجماع فقهاء المسلمين  سلفًا وخلفًا، ومن يفتي بحل هذا الزواج إن وجد فهو يلحق بهذه الأطراف في إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، ويشاركهم في ذلك من يكتب وثيقة بهذا الزواج المزعوم، ومن يشهد عليه، ومن يرضى به ولا ينكره.