لمن يرضى

نهى عزت

  • 55

كل منّا يستطيع أن يجعل حياته في سعادة أو شقاء، يحيا حياة تعيسة أو مفرحة، كل على حسب طاقته ونظرته للحياة وعمله فيها وإنتاجه، لا ننكر أن هناك ضغوطات صعبة أحيانا تفرضُ علينا واقعًا بعينه، لكن مما لا شك فيه أن الحياة لا تستمر على حال واحد، فلا يستطيع إنسان أن يحيا طوال حياته في دائرة الهمّ والحزن مهما كانت حالته، بل يحاول أن يجد منفذًا للسعادة أو لونًا من ألوان البهجة حتى لو كانت مؤقتة، إلا أنه وبكل حال يحاول ويستطيع أن يغير من وضعه، ويرضى بحاله حتى يراضيه الله -سبحانه وتعالى- ففي الحديث الشريف "فمن رَضِيَ فله الرِّضَا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ".

ولو أحببنا أن نضرب مثالًا من الواقع داخل بيوتنا لوجدنا فيها أحوالًا مختلفة، ومشاكل بعضها عصيب وبعضها هيّن وقد يؤثر أو لا يؤثر، لكن هل تكون وتيرة البيوت مع كل هذه الأحوال ثابتة عابثة لا يتغير حالها؟ بالطبع لا!

لكن من الممكن أن نقول إن علاج كل منّا لمشكلته وهمومه وضغوطه تختلف عن الآخر، هناك من يُهونها على نفسه وعلى من حوله لأنه يعلم علم اليقين أن الأمر كله بيد الله لا دخل له فيه، فقط عليه الأخذ بالأسباب في إيجاد أنسب وأفضل الحلول لمشاكله حتى لا يقع في نطاق المتواكل، إن كان شابًا لا يجد عملًا عليه أن يبحث ويستثمر وقته وجهده في إيجاد فرصة عمل حتى وإن لم تكن تتناسب مع أحلامه وطموحاته وشهادته إلا أنها قد تكون فاتحة خير له، وخير له من الانتظار والعيش في حالة من البؤس تصل به إلى حد القنوط والعياذ بالله.

كذلك المشاكل الزوجية والتي من الممكن فيها الوصول إلى أوسط الحلول حتى ولو فيها تنازل وتغاضٍ من أحدهما حتى تسير سفينة الحياة وترسو إلى بر النجاة بعد أداء كل منهما واجبه.

نعم نعلم أنه قد تكون هناك منغصات، وأحلام مفقودة، وطرق معيشة معينة يطمح كل طرف للوصول إليها، لكن عند النظر في أصل الحياة وما جُبلت عليه من عدم الراحة، وكامل السعادة التي يفسرها كل منا حسب هواه، نجد أن المعادلة حلها سهل ومناسب نوعًا ما، تقليل سقف التوقعات، تقليل حد المتطلبات حتى نصل للراحة، نعم نُحسن الظن بالله ونتفاءل خيرًا، ونرجو ما عند الله، ونترك النتائج على الله أيًّا كانت، فهو أعلم بحال عبده، وخيرة الله خير من خيرة العبد لنفسه.

 أما عدم الرضا الكامن في النفس يجعل الشخص يدور في متاهة لا يستطيع الخروج منها، ومهما بُذل له من حلول، وقُدمت له خيارات لا يرضى و لا يشعر بالسعادة لأن الدنيا أصبحت بقلبه وهو لا يدري، تمكنت منه حتى طغت عليه وجعلته بائسًا تعيسًا لا يستطيع أن يفرح ولا يجد مكانًا يخرج فيه من بوتقة الحزن والألم والمظلومية التي يضع فيها نفسه، مع أنه لو أعطى نفسه فرصة واحدة للاستمتاع بما عنده من نِعم ليست عند غيره أو على الأقل تمعن إلى ما في يده بنظرة إيمان وحسن ظن بالله، سيجد نفسه يحيا في نفس حال من حوله الذين قد تظهر عليهم علامات السعادة والانسجام ولا يمنع هذا من كونهم يحيون في دنيا زائلة متقلبة لا تدوم لأحد سعادة ولا شقاء لكنهم رضوا بالله فأرضاهم ربهم.