"باحث": الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه لا يعني أنه مكذوب على النبي ﷺ

  • 29
الفتح - المسجد النبوي

قال شريف طه، الباحث الشرعي: إن الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، لا يعني ضعفُه الجزمَ بعدم نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أنه مكذوب عليه -صلى الله عليه وسلم- وإنما يعني أنه فقد شرطا من شروط صحة الحديث التي وضعها العلماء احتياطا لعدم الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوثقا في نسبة الكلام إليه.
وكتب "طه" -في منشور له عبر "فيس بوك"- قائلا: وفقدُ أحدِ هذه الشروط لا يستلزم الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمثلا: لو كان أحدُ الرواة سيءَ الحفظِ، ونَقَلَ حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الاحتياط يقتضي عدم العمل به، من باب الاستيثاق والتحوط؛ ولوجود شبهة تجعل نسبة الكلام للنبي -صلى الله عليه وسلم- مرجوحة. ولأن الأصل براءة الذمة من التكاليف، فلا يعارض هذا الأصل إلا بما ترجح ثبوته وصحته، مؤكدا أن هذا الظن المرجوح ينقلب راجحا، إذا وجدت قرينة تدل على صدقه.
وتابع الباحث الشرعي، قائلا: القرائن لا تنحصر فقط في الشواهد والاعتبارات التي يحسن بها الحديث أو يصحح من جهة الصناعة الحديثية، بل تشمل كذلك جريان العمل بهذا الحديث، وشهرة العمل به عند أهل العلم في زمن السلف الصالح، في القرون الثلاثة التي زكاها النبي -صلى الله عليه وسلم.
وسرد طه مجموعة من الأمثلة ليدلل على ذلك؛ إذ أضاف قائلا: لذلك أمثلة كثيرة، فمن ذلك:

- خطبتا العيد: فالحديث الوارد في ذلك ضعيف، ولكنه ليس شديد الضعف، ثم جرى العمل عليه في عهد الصحابة والتابعين تابعيهم، ونقله الأئمة الأربعة وأهل الظاهر وحُكي إجماعا. وهذا كله يدل على العمل بالحديث، حتى وإن لم يصح سنده، ولكن العمل عليه عند أهل العلم، موضحا أن البعض يَظُنُّ أنه إذا ضَعَّفَ الحديثَ، فإنه لا يُعْمل به مطلقًا، ولا يلتفت لهذه القرائن. وهذا غلط ظاهر، مردفا: ثم قد يكون الحديث ضعيفا، والعمل به ليس منتشرا ولا ظاهرا، ولكن يعمل به بعض السلف دون بعض، فيصير في المسألة خلاف سائغ، وتكون من موارد الاجتهاد. 

- إحياء ليلة النصف من شعبان، فقد ورد في ذلك أحاديث مختلف فيها، وعمل بذلك بعض كبار  التابعين. ونقله الشافعي عن جلة من أهل المدينة  من خيارهم أنهم  يصلون في هذه الليلة، ولذلك نص الشافعي في (الأم) على استحباب ذلك، وبعضهم أنكرها، ونقل ذلك عن مالك رحمه الله، وعن أحمد في ذلك روايتان، ولعل مقصودهم بالمنع : جمع الناس في المسجد كصلاة التراويح، أما صلاة الناس فرادى فالظاهر التوسعة في ذلك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. 

- ومن ذلك أيضا: إحياء ليلتي العيد، فقد ورد فيها حديث ضعيف، ولكن عمل به كثير من السلف. ونص الشافعي على استحباب ذلك، وعن أحمد فيه روايتان أيضا، والظاهر أنه كالذي قبله. 

- ومن ذلك أيضا: التعريف في الأمصار، فقد استحبه بعضهم وكرهه غيرهم ورأوه بدعة، ولعل الأقرب في ذلك جوازه دون اجتماع وهيئة مخصوصة، فهذه هي التي تكون مفاتيح للبدع، وليس الغرض الاستقصاء، وإنما التمثيل لما ذكرنا.