يوم في حياة صائمة

نهى عزت

  • 127

أقبل عليها شهر رمضان وهي في قمة سعادتها أن بلغها الله هذا الشهر المبارك الذي تتنزل فيه النفحات والبركات، ويضاعف فيه أجر العبادات والطاعات، لكن ثمة أمر يؤرقها فهي مسؤولة عن بيت به زوج وأبناء كذلك بعض الأمور التي تعد عليها من الواجبات وتقصيرها في أدائها لا يصح بأي حال.

هاتفت صديقتها الناصحة لها في الحال وبثت لها شكواها وما يجعلها منقبضة خائفة من التقصير وعدم التحصيل، فقد قرأت واستمعت إلى كثير من المقاطع الصوتية التي تحث على فضل العبادة والحرص على زيادة الطاعات وكثرة الختمات لكتاب الله وكذلك إقامة الليل في التهجد حتى طلوع الفجر ومن بعده الجلوس حتى وقت الشروق لقراءة الأذكار، وعلى مدار اليوم جدول كامل مقسم بين الصلوات والذكر وقراءة القرآن، فكيف السبيل لها في تحصيل كل هذه العبادات؟، ومن الذي سيقوم بدورها في مراعاة البيت والأبناء؟، وبالفعل هي قد ألغت كل الزيارات والمكالمات وأغلقت حساباتها وأبلغت الجميع أنها خارج الخدمة حتى انقضاء شهر رمضان، استمعت لها صديقتها الطيبة وهدأت من روعها وقالت لها لك عندي نصيحة تغنيك عن كل هذا التشتت، إن استطعت فعلها فأنت لا شك بفضل الله ستحصلين على أضعاف الأجر والثواب.

انتبهتْ وتركت الحديث لأختها في الله حيث كانت أول كلمة ونصيحة ألقتها لها صديقتها في الحال عليك أن تتاجري؛ بالفعل ليس بيع وشراء ولكنها تجارة مع الله، نعم تجارة رابحة بإذن الله، بداية عليك الأخذ بالأسباب وتنظيم وقتك قدر المستطاع وتسهيل ما عليك من أعمال وتقديم الأولويات وعلى رأسها العبادات التي فرضها الله عليك، فعليك بإحسان الصيام وعدم تضييعه في القيل والقال، وتعويد نفسك على حسن الأخلاق، والمعاملة الحسنة للقريب والبعيد حتى لا يكون صومك امتناعًا عن الطعام والشراب، فإنه ليس المراد وفي الحديث "مَن لم يدع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامَه وشرابه"، كذلك الحفاظ على أداء الصلوات المفروضة عليك وعدم تأخيرها أو تضييعها "ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ" ثم عليك ألا يكف لسانك عن ذكر الله والدعاء ففي الحديث أنَّ رجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت عليَّ، فأخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به، فقال: لا يزالُ لِسانُك رَطبًا مِن ذِكرِ اللهِ".

واعلمي أن قراءة القرآن خير الذكر وهي التي تضيف بركة وهدوء لسائر يومك بإذن الله، أما عن الصدقة فاجعلي لنفسك نصيبًا فيها ولو بقدر يسير، وإن تعذر عليك الحال فعليك بالاحتساب وتذكري أن خير النفقة ما كان في سد حاجة من تعولي، ففي الحديث "دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك".

ثم بعد ذلك عليك ما استطعت من النوافل صلاة بالليل وأورادًا بالنهار، وأما ما فعلتيه من إغلاق الحسابات وما يشغلك عن العبادات لا بأس به طالما ليس من ورائها نفع إلا تضييع الأوقات، لكن لا تنسي عليك أن تكوني في خدمة ونفع غيرك إن تيسرت لك الأحوال، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وبيدك أن تحولي ما تفعلينه من مباحات وعادات إلى عبادات تؤجرين عليها بكرم الله اذا أخلصتِ نيتك ولم تلحقيها بمنٍ وإيذاء، فكل عمل أنت تفعلينه حتى نومتك التي تتقوين بها على العبادات وما عليك من متطلبات قد يكون لك فيه أجر بالاحتساب وتعدد النوايا، وهذه هي تجارتك مع الله، فجددي نيتك بكل عمل لله إعدادك للطعام سواء لأهل بيتك أو حتى الزائرين في رمضان بنية إطعام الطعام، وإفطار صائم من غير تبذير ولا إسراف، ولا استعراض لألوان وفنون الطعام، فليست مسابقة يحدد فيها الفائز ومَن قدّمت أبهى وأشهى الأصناف، ولكن لتكن نيتك الجود بما عندك وتذكري "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فالرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودُ بالخير من الريح المرسَلة".

والجود والكرم يكونان في الإنفاق وكذلك في الطاعات والعبادات، فكما أوصيك بالحرص على أداء ما عليك من أمور الدنيا بلا تقصير يؤخذ عليك فلتحسني المعادلة والمعاملة ولا تضيعي هذا الشهر الفضيل، وعليك فيه بالجد والاجتهاد حتى وإن كان بذل يزيد عن جهد يومك في غير رمضان فلا تعجزي واستعيني بالله، يدبر الله أمرك ويكفيك همك ويرزقك البركة في الجهد والوقت والرزق بفضل الله.

 أختي الغالية هذه نصيحة أقدمها لك حتى تكوني ممن حسن صيامها في رمضان وجمعت بين الحسنيين بلا إفراط ولا تفريط، مع استغلال أمثل لمواسم الطاعات.