السيول شقت المدينة إلى نصفين وجرفت عمارات كاملة وجثث إلى البحر
ندرة فرق الإنقاذ المتخصصة وانقطاع الكهرباء وشبكات الاتصالات تعوق عمليات الإنقاذ
بين ليلة وضحاها تحولت مدينة درنة "درة المتوسط" المشهورة بسلاسلها الجبلية الخضراء إلى مدينة منكوبة بعد أن دمر الإعصار دانيال الذي ضرب شرق ليبيا ربع المدينة مخلفًا وراءه أكثر من 5200 شخص، ونحو 10 آلاف شخص وسبعة آلاف مصاب، ما زال مصيرهم مجهولًا، فيما تشير التقارير الأولية إلى أن كلفة إعادة الإعمار تبلغ نحو 67 مليون دولار.
ورغم أن الإعصار ضرب السواحل الشرقية الليبية وعلى وجه التحديد بنغازي والبيضاء وسوسة والمرج وشحات إلا أن مدينة درنة الأكثر تضررًا بسبب انهيار سدودها.
وتقع درنة بين البحر المتوسط والطرف الشرقي للجبل الأخضر بشرق ليبيا، يقطنها قرابة مائتي ألف نسمة، وهي مشهورة بمناظرها الطبيعية الخلابة.
ولم يكن إعصار دانيال النكبة الأولى التي تشهدها المدينة التي بنيت على ضفاف وادي درنة، وهو نهر سريع الزوال يجف معظم أيام السنة، إذ شهدت أحداثًا متكررة بسبب الفيضانات، مثل فيضان 1941 والذي تسبب في خسائر كبيرة للجيش الألماني، وفيضان 1956، والفيضان الكارثي سنة 1959، وفيضان 1968، وفيضان سنة 1986.
وقد دفعت تلك الكوارث والنكبات إلى بناء سدين في بداية السبعينيات وهما سد البلاد الذي يبعد مسافة حوالي 1 كم جنوبًا من قلب المدينة بسعة تخزينية في حدود 1.5 مليون متر مكعب، وسد أبو منصور الذي يبعد حوالي 13 كم جنوب السد الأول، وهو سد كبير بسعة حوالي 22.5 مليون متر مكعب، واللذين لم يصمدا أمام عاصفة البحر الأبيض المتوسط "دانيال" ودمرا بالكامل، الأمر الذي تسبب في فيضان سبتمبر 2023 الأكثر خرابًا وإيلامًا في تاريخ المدينة.
وروى عدد من شهود العيان تفاصيل مروعة بداية من الساعات الأولى لبدء إعصار البحر المتوسط دانيال ومرورًا بانهيار سديّ درنة وما تبعه من أحداث محزنة ولحظات مخيفة مرت على الناجين أو المتطوعين المشاركين في عمليات الإنقاذ.
في البداية عبر فرحات محمد عن صدمته وذهوله مما حدث حتى أنه حتى هذه اللحظة لا يستطيع استيعاب ما حدث، قائلًا: "كنت أظن أنها أمطار عادية ولكن بعد مرور 10 ساعات من هطولها المتواصل بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي، وبعد مرور ساعة على منتصف الليل انقلب الأمر رأسًا على عقب".
وأضاف "محمد" في تصريحات خاصة لـ "الفتح": "وجدت نفسي بين أطنان من المياه تجرفني مع أجزاء من البنايات المحطمة والسيارت وأعواد الخشب والأبواب المحطمة، صرخات وبكاء من كل مكان، استغاثات وأطفال يستنجدون بآخرين يلتقطون أنفاسهم الأخيرة".
وتابع: "أنقذتني العناية الإلهية حيث استطاع عدد من العمال المصريين انتشالي بأعجوبة من السيل الجارف، ولا أصدق ما رأيته حتى الآن".
وأضاف: "ما نمر به لم أشاهده في حياتي، شاطئ البحر تحول لونه بالكامل واختلط بأساس المنازل والجثث والحقائب والأدوات المدرسية لأطفال كانوا يستعدون للعام الدراسي الجديد".
وقال خميس الدباشي، أحد المتطوعين في تكفين الموتى، إنني شاركت في تغسيل وتكفين ضحايا كثر ماتوا في أحداث متفرقة إلا أن هذه المرة شاهدت جثامين لم أر في حياتي مثلها من قبل أغلبها متحللة، مؤكدًا أن ما تتناقله وسائل الإعلام لا يعبر عن حجم المأساة.
وأوضح "الدباشي" في تصريحات خاصة لـ "الفتح" أن أغلب المقابر في المدينة دمرت بالكامل وخاصة مقبرة الصحابة التي تقع وسط المدينة، مضيفًا أن عمليات الدفن جرى أغلبها في ضواحي المدينة.
وأشار إلى أن فرق الإنقاذ والمتطوعين يواصلون العمل منذ اللحظات الأولى للنكبة وقد أصيب أغلبهم بالإجهاد حيث ما زالت هناك عشرات الجثث تأتي من كل أنحاء المدينة، والصدمة الحقيقية أن هناك جثثًا جرفت إلى البحر وخاصة بحر رأس التين وأم الرزم وخليج البمبه والتميمي.
وأكد أن فرق الإنقاذ تواجه صعوبات كبيرة خاصة وأن الجسور والطرق دمرت بالكامل، إضافة إلى انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصالات، داعيًا أصحاب الكسارات والناقلات إلى المشاركه في أعمال ترميم الطرق من أجل تمكين فرق الإنقاذ وتقديم الخدمات لأهاليهم المنكوبين.
وحذر المتطوع الليبي من لصوص الأزمات الذين ينتهزون النكبات لجمع الأموال والتبرعات تحت دعاوى نجدة العالقين وتوفير المؤن والخيام للمتضررين، مشيدًا بالشباب الليبي الذي هب من جميع المدن لنجدة أهاليهم في مدينة درنة.