قال الدكتور بلال عبد الجواد، الخبير التربوي: عندما يبدأ المغتربون حياة جديدة في البلاد التي انتقلوا إليها فإنهم يواجهون تحديات تتعلق بطرق تكيف أبنائهم مع العيش في تلك البلاد، فإن الانتقال إلى مكان آخر ليس بالأمر السهل، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يقضون سنوات تكوينهم الأولى خارج أوطانهم؛ فهم لا يعرفون عن أوطانهم الكثير، كما أن علاقاتهم مع أقاربهم وأبناء أوطانهم وأقرانهم ضعيفة، وكذلك لا يعرفون الكثير عن البلد الذي يقيمون فيه.
وأوضح "عبد الجواد" -في تصريحات خاصة لـ"الفتح"- أن أبناء المغتربين عموما يفتقدون البيئة الاجتماعية من أقارب وأصدقاء؛ لأن عمل آبائهم يتطلب منهم السفر بشكل متكرر، وبالتالي يصعب عليهم تكوين صداقات مستقرة في بلاد الغربة، وعندما يعودون إلى بلادهم لقضاء الأجازة، يبدو سلوكهم وكلامهم وحتى ملابسهم غير مألوفة، ويشعرون بصعوبة الاندماج مع رفاقهم السابقين مرة أخرى؛ مما يسبب لهم حالة من الارتباك والازدواجية وعدم وضوح للعادات والتقاليد، حتى أن البعض أطلق عليهم مصطلح "أبناء الثقافة الثالثة".
وتابع: أحيانًا يعاني هؤلاء الأبناء من الضياع بسبب تعدد أساليب التربية وعدم توحدها؛ فقد يختلف أسلوب التربية في البلد الذي يقيمون فيه عن أسلوب تربية أقرانهم في هذا البلد؛ مما يسبب لهم نوع من التخبط؛ إذ يتفاجئون بأن هناك أمور كثيرة ممنوعة عليهم ومسموحة لأقرانهم أو العكس، وعندما يبدأ الأهل بالسيطرة على الأمور والإمساك بطرف الخيط بعد عناء كبير يضيع جزء كبير من هذا التعب عندما يزورون أهلهم، وخاصة أجدادهم في الأجازات؛ بسبب تساهل بيت الجد معهم وتدليلهم، كما أن هذا يضع الوالدين في دوامة؛ فهما لا يريدان أن يتدخل أحد في تربية أطفالهما، ولكنهما في نفس الوقت لا يستطيعان ردع الأهل عن ذلك، وخاصة أن فترة زيارتهم لوطنهم قصيرة.
وأشار الخبير التربوي إلى أن هناك عدد من النصائح التي تمكن الوالدين من التأقلم مع الغربة والتخفيف من آثارها السلبية على الأبناء، وهي على النحو التالي:
1- الدعاء: من السبل التي تقلل من الآثار السلبية للاغتراب على أبنائنا أن نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على تربيتهم تربية اجتماعية ونفسية سوية في ظل هذه النشأة بين ثقافتين مختلفتين؛ لأن الحلول لكثير من المشكلات التربوية ليست مادية فقط، ولكن قد تكون حلول إيمانية وشرعية، مثل: الدعاء؛ فالصحابة -رضي الله عنهم- لما هاجروا من مكة إلى المدينة وحصل لبعضهم في بادئ الأمر نوع من عدم التأقلم مع البيئة الجديدة، بالإضافة إلى الإصابة بالمرض والحمى، حتى قال بلال معبرًا عن حنينه لمكة:
"أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً .. بوَادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ
وَهلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ .. وهلْ تَبْدُوَنْ لي شَامَةٌ وطَفِيلُ".
حينها نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، وقال: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا ومُدِّهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ" [صحيح البخاري].
2- التخطيط الجيد قبل المغادرة: إن التعود على أمور روتينية جديدة يستغرق وقتا أطول للتكيف مع تلك البيئات الجديدة، وربما تحتاج إلى التخطيط لمدة ستة أشهر على الأقل -كما يقول بعض الخبراء- قبل الانتقال للعيش في الغربة، ومن ذلك التخطيط لكيفية تنشئة أبنائنا اجتماعيًا ونفسيًا وإيمانيًا وغيرها من جوانب النمو في بلاد الغربة، ومن المهم أيضًا قبل المغادرة أن يتقبل الأبناء فكرة الانتقال نفسها؛ لأن ذلك سيساعد على الاستقرار بشكل أسرع في المكان الجديد.
3- صناعة النموذج: نجاح الوالدين اجتماعيًا في البلد الجديد، وقدرتهم على بناء علاقات وصداقات مستقرة، مع الحفاظ على هويتهم وثقافتهم وقدرتهم على تحقيق هذا التوازن، يصنع النموذج أمام أبنائنا والذي يسهل عليهم تقليده والاقتداء به.
4- امتلاك زمام المبادرة: تربية أبنائنا على روح المبادرة في إقامة صداقات جديدة، ونبين لهم أن تكوين صداقات جديدة أمر يستغرق وقتًا وجهدًا، وفي حين أن معظمنا يمتلك صداقات نشأ معها منذ الطفولة، فإنه من الجميل أن يكون المرء صداقات أخرى جديدة، والاستقرار في بلد جديد هو الوقت المناسب لذلك
5- الاستفادة من تجارب الآخرين: أصبح العالم الآن قرية صغيرة، فعبر كثير من وسائل التواصل الاجتماعي التي يشاركنا فيها أصحابها خبراتهم وتجاربهم في صفحاتهم الخاصة، يمكن معرفة الكثير عن الدولة التي سنقيم فيها وعن كيفية تعامل المغتربين فيها مع الغربة، وسنجد فائدة عظيمة في ذلك، ويمكنك أن تخبر الآخرين عن طبيعة تجربتك لتحصل على معلومات ممن مروا بالتجربة نفسها.
6- التواصل والاطمئنان الدائم على الأقارب: اطمئن باستمرار على الأشخاص الذين تركتهم في بلدك كأهلك وأصدقائك وابقَ على تواصل دائم معهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي صوتا وصورة، واجعل أبناءك يشاركونك في ذلك، وشجعهم على التواصل مع أصدقائهم والاطمئنان عليهم ومشاركتهم أحداث حياتهم اليومية؛ حتى تستمر العلاقات بينهم فلا يشعر بعد ذلك أنه غريب في وطنه عند العودة إليه في الأجازات والزيارات.
7- اصطحاب الأبناء إلى المسجد: فهذا له دور رئيس في بناء الطفل اجتماعيًّا؛ إذ إنه بيئة جيدة لاختيار صحبة جديدة صالحة وبناء علاقات اجتماعية مع جيرانه في البلد الجديد.
8- مشاركة الأبناء في الأنشطة: سجل أبناءك في المراكز الصيفية، وحلقات تحفيظ القرآن، والمسابقات العلمية، والمخيمات الكشفية، والأعمال الدعوية والتطوعية وغير ذلك من الأنشطة التي تجعله يحتك بالبيئة الجديدة في جو إيماني وتربوي يساعده على النمو السوي في بلاد الغربة.