"فاتبعوني".. ندوة الدعوة السلفية لبيان حجية السنة وتوضيح معالم اتباع النبي

  • 49
الفتح - ندوة الدعوة السلفية بعنوان "فاتبعوني"

"برهامي": اتباع النبي ثاني أصول الدين ويشمل الاتباع في الأصول والفروع والعقيدة والعمل والسلوك والظاهر والباطن

الغرب أكل صنم العجوة.. "برهامي": أعطوا المرأة حرية التعري في الطرقات ولا يسمحون لمن تريد لبس الحجاب.. وعلى من لا يستطيع أن يحجب أهله الهجرة من بلادهم

ظاهر الإيمان يأسر القلوب ويفزع أعوان الشيطان.. "برهامي": الملتحون والمنتقبات حائط صد أمام هجمة أذناب الغرب ممن يريدون تغريب الأمة

"الشحات": أخطر البدع الحالية من يسمون أنفسهم بالقرآنيين والنبي أخبر عنهم وأمرنا عند الانحراف بأن يزيد تمسكنا بالسنة

"الشحات": السنة مبينة ومفصلة لمجمل القرآن وهي من الذكر الذي تعهد الله بحفظه.. وعلم الحديث من العلوم التي تباهي به أمة الإسلام غيرها من الأمم

"فهيم": الانتساب الحق لأهل السنة في اتباع منهج النبي ومن أراد أن يزكي نفسه عليه لزوم هذا المنهج


نظمت الدعوة السلفية بمصر ندوة بعنوان "فاتبعوني"، حاضر فيها الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، والمهندس عبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، والدكتور طارق فهيم، القيادي بالدعوة السلفية، يوم الأربعاء الماضي، بقاعة الدكتور مصطفى عبدالرحمن بمحافظة الإسكندرية.

وقال الدكتور ياسر برهامي: إن قضية اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي الأصل الثاني لدين الله؛ فالأصل الأول هو توحيد الله، والأصل الثاني يشمل اتباع النبي في الأصول والفروع في الظاهر والباطن، ولاشك في العقيدة والعمل والسلوك؛ فكل سنة الرسول هي ما جاء به النبي؛ فكان من كذّب القرآن لا يصح منه إيمان ولا عمل؛ لأنه لم يتبع الرسول، قال تعالى: }قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ{ [آل عمران: 32]، فمن كَره النبي فهو كافر، أو من نسخ الشرعة، ولكن قال لا تلزمنا شرعته فهو كافر وإن ادعى حب النبي، مؤكدًا أن قضية الاتباع في العقيدة والعمل والأخلاق والسلوك من أعظم الأصول، وكذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت؛ فالقول بالأصول والفروع كلاهما واجب الاتباع، وأمور العقيدة واجبة الاتباع لا يجوز لأحد بعد أن يعلم سنة الرسول أن يخالفها وإن كانت العقيدة أهم، ومن ذلك مسائل الإيمان والكفر، والقول في الصحابة وآل البيت، وأقوال الرافضة ممن يطعن في رسول الله ويكفرون الصحابة كلهم شر أهل البدع.

وأوضح "برهامي" أن الواجب على المسلم أن يتبع الرسول فيما جاء به من بيان أمور الاعتقاد وكذلك العمل، والعقيدة مهمة، لكن العمل هو الذي يظهر للناس والتزامه بالسنة، فإن كان الواجب على المسلم أن يكون باطنه على ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأمور القلبية الواجبة والأمور المحرمة، التي قد يكون قدر ذرة واحدة منها مثل الكبر مانعًا من دخول الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْر" [صحيح مسلم]. فلابد من إصلاح الباطن من صلاح القلب وعدم وجود الأمراض القلبية، مثل: الحسد والغل والعجب والقسوة والغفلة والذلة والمسكنة والعجز والكسل؛ فإنها أمراض ضعف الإرادة والعزيمة على طاعة الله، فيجب على المسلم التخلي عن ذلك كله، وأن يبغض الكفر والكافرين، وأن يخاف الله وحده ولا يخاف غير الله، ويرجو الله وحده ويرجو ما عنده وحده، وأن يتوكل على الله لا على غيره، وأن يصبر لله لا لغيره، وأن يفتقر لله لا لغيره، وأن يحمد الله لا غيره، فالله مصدر النعم فما بنا من نعمة فمن الله -سبحانه وتعالى-، وكذلك الإخلاص في العمل لله يريد وجه الله ولا يريد عرض الدنيا، قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 و16].

وأضاف: وكذلك الأعمال؛ فالأعمال الظاهرة والمعاملات كلها يجب فيها الاتباع، وكذلك ما يلزم من شكل الإنسان وستر العورة من الواجبات، وكشف العورة من المحرمات، ومن الأمور الظاهرة اللحية، ونجد عنصرية شديدة في بلاد الكفر، وفي بلاد المسلمين، نجد تمييزًا ضد الملتحين، وكذلك الحجاب وصورته المثلى هي النقاب، وفي الغرب أكلوا صنم العجوة؛ فجعلوا من حرية المرأة أن تكون عارية في الشوارع والطرقات، ولا يقل أحد منهم أنها خرقت قواعد المجتمع، لكن أن تحتجب المرأة فقط فلا يسمحون بذلك، ونقول لمن لا يستطيع أن يُحجب بناته، الواجب عليك ألّا تعش هناك، مشيرًا إلى أن هذه الأمور بدأت تتسرب إلى الإسلام وبلاد المسلمين، فيزعمون أن الحجاب والنقاب من اليهودية، ولاشك أن الشريعة اليهودية والنصرانية الحقة كان فيها تغطية المرأة لشعرها، واتفقت عليه الشرائع، وعندنا في الإسلام.

وأكد "برهامي" أن الأمر خطير بالفعل، أن تهاجم هذه الشريعة -النقاب- فهي عند شريعة موسى في زوجته أو أخت زوجته، وفي النصرانية كانت مريم محجبة، وفي شريعة الإسلام يدل على ذلك نصوص القرآن، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59]؛ فدل ذلك على أن النقاب يغطي جسد المرأة كلها، فالمرأة تسدل الحجاب من رأسها إلى سائر جسدها، سواء كان الأمر للاستحباب أو الوجوب، لكن لا يوجد نزاع في المشروعية، أما من يقول: إنه من المباحات فهم قد خالفوا السنة، أيًا كان مَن يقول به، فإن ما حرم الرسول كما حرم الله، لافتًا إلى أن قضية الحجاب هي علامة التحرر من سلطان الغرب؛ لأن المرأة المسلمة ظلت طوال قرون تتشرف بالنقاب ومن تخلع النقاب تكون مثل الأَمة أو نحو ذلك أو من عندها فسوق؛ فمن تكشف وجهها عندهم من الفسوق.

وأشار إلى أنه بدأ الناس في ترك النقاب أولًا ثم الحجاب، أول ما قال قاسم أمين، وإن كان كتابه تحدث عن كشف الوجه وليس خلع الحجاب، وكانت صفية زوجة سعد زغلول خلعت النقاب وألقته في الأرض، وكانت هذه قضية اتباع الغرب، واستمر ذلك تدريجيًا حتى وصلنا إلى السبعينيات أن كانت المرأة تمشي في الشارع بالميني جيب والميكرو جيب، وحتى بنات العلماء والمشايخ كن يلبسن حتى الركبة، وكان ذلك مفهومًا خاطئًا سائدًا عن الاحتشام في ذلك الوقت، أما الآن لا تكشف المرأة عن أي جزء من ذراعها؛ لذلك يجندون من العلماء والشيوخ من يبيع دينه إلى درجة أن يزعم أن تغطية شعر المرأة ليس فريضة، وأن تغطية ذراعها وشعرها ليس فريضة؛ فمن يقول ذلك يجب أن يستتاب.

وأوضح نائب رئيس الدعوة السلفية، أن أذناب الغرب يهاجمون النقاب واللحية؛ لأنهم يريدون تغريب الأمة، فمن تحافظ على النقاب هي حائط صد أمام هذه الهجمة، فإن ظاهر الإيمان يأسر القلوب ويفزع أعوان الشيطان، والهدف الأساسي من الفتنة أن يتخلصوا من الملتحين وتكون اللحية تهمة فاحتسبوا عند الله، قال تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]؛ فكل أخ ملتحٍ وكل أخت منتقبة تحتسب ما تجد وتصبر لتنال ما عند الله من أجل؛ فالنقاب شرف للأمة وجب أن يكون موجودًا فيها، وهو ما يقلق الأعداء، ومشكلة هؤلاء أنهم يجدون الملتحين والمنتقبات، ويرونه سوادًا، لكنه في الحقيقة نور، وشرف التزام بسنة النبي، والآن يسمون سلفيين، فهو شرف أن تكون سنيًا متبعًا لسنة النبي؛ فالاتباع واجب في كل الأحوال والأمور.

وأكد المهندس عبد المنعم الشحات وجوب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ناقلًا قول الحسن البصري -رحمه الله-: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]؛ فالله جعل اتباع النبي هو المحك الذي يوضح صدق محبة الله من عدمه عند من ادعاها، وهذه الآية نزلت في وفد نصارى نجران الذين زعموا حبهم لله -سبحانه وتعالى- ولم يؤمنوا بنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله فيهم هذه الآية؛ للدلالة عن أن صدق ادعاء المحبة لا يثبت إلا باتباع النبي، ومن لم يتبعه فهو كاذب في ادعاء محبته تعالى، مشيرًا إلى أن توحيد الله الخالص هو فطرة فطر الله قلوب العباد عليها، غير أن من رحمته بالعباد أنه لا يعذبهم على الشرك حتى يبعث لهم رسولًا فيتم الله برسوله حجة الفطرة وبهذا لا يبقى لله على الناس حجة بعد الرسل، ويتضح ذلك في قصة إسلام سلمان الفارسي -رضي الله عنه- الذي رباه أبوه على المجوسية ثم بدأ نور الفطرة يسري بداخله فبحث عن الحق فوجد راهبًا كان على التوحيد ثم عندما أوشك هذا الراهب أن يموت دلّه على راهب ثانٍ ودله الثاني على ثالث ثم قال له الثالث: لا أعلم أحدًا على مثل ما أنا عليه إلا أن هناك رجلًا يوشك أن يخرج في أرض كذا -يقصد النبي محمد الذي سيظهر في أرض الحجاز- فذهب سلمان إلى تلك الأرض وعندما ذهب علم خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلم به.

وأوضح "الشحات" أنه توجد الآن موجة إلحاد وهذه الموجة أغرت كثيرًا من الناس إلى أن يتوغلوا في الفلسفة؛ لكي يناظروا هؤلاء الملاحدة بلغتهم، وهذا الباب يحتاج إلى الكثير من الضوابط ولابد من اتقان الدين والعقيدة جيدًا قبل هذا، ولكن القضية ليست قضية الجدال ومن يخرج منتصرًا، والحل أن نوقظ الفطرة في قلب هؤلاء الملحدين، وإذا حاولت إيقاظها فتمنع فليس عليك هداهم؛ فالعبرة ليست بالفوز في المناظرة، ولكن العبرة في إثبات وإقامة الحجة على الخلق ومن أراد الهداية بحق يوفقه الله -عز وجل- لها، مشيرًا إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: إن من يدعي شيئًا إما أن يكون صادقًا في دعواه أو كاذبًا، ومن يدعي الرسالة إما أن يكون صادقًا فحين إذن يكون أصدق الصادقين؛ لأنه رسول مجتبى من عند الله يبلغ عن رب العزة، وإما أن يكون كاذبًا فحين إذن يكون أكذب الكاذبين؛ لأنه يكذب على الله تعالى؛ ولذلك فمن حجة الله على العباد أنه لا يمكن أن يختلط حال أصدق الصادقين مع حال أكذب الكاذبين على الخلق، متسائلًا "فمن يخالف النبي -صلى الله عليه وسلم- فأين محبته التي يدعي أنها لله؟!".

وقال: إن هذه الآية السابقة وإن نزلت تخاطب هؤلاء الكفار الذين زعموا حب الله ثم لم يتبعوا النبي، فإن القاعدة التفسيرية تقول "إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"؛ ولذلك استعمل العلماء هذه الآية في مواجهة كل من خدش اتباع النبي ولو خدشًا قد يراه يسيرًا فشملت بذلك كل مخالفٍ لهدي النبي وكل مبتدعٍ، وهذا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عندما وجد أقوامًا يجلسون على هيئة حلقة في المسجد وفي وسطهم رجل يقول لهم: سبحوا الله مائة مرة واحمدوا الله مائة مرة وهكذا، فقال لهم ابن مسعود: إما إنكم على ملة أهدى من ملة محمد أو أنكم فاتحوا باب ضلالة. فهذا الذكر مع أنه من أجل العبادات ويشرع الاجتماع عليه، مثل: الاجتماع بعد الصلاة لختم الصلاة ويمكن رفع صوت الواحد بما يمكنه من تدبر ما يقول، لكن هؤلاء جعلوا لهم إمامًا في الذكر فوضعوا الإمامة في غير بابها وهذا ما أغضب ابن مسعود وألزمهم هذا الإلزام وهو أنهم يفعلون ما لم يفعل النبي وهو في باب الدين وقد اكتمل الدين بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا الزيادة فيه يصدق عليه قول النبي: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ" [صحيح البخاري]، كما أن هذا يفتح باب الاختراع في الدين حتى ولو زيادة يسيرة، ولكن مع الوقت تزيد حتى انحرف أقوام عن مفهوم التوحيد الخالص إلى مفهوم الخرافة وعدم إخلاص العبادة لله والشرك به حتى وصل البعض للقول بعقيدة الحلول والاتحاد الباطلة.

وتابع "الشحات": وكان بداية شعور الأمة بأن هناك خطرًا أن البعض بدأ يقلل من حجية سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- يحاول أن يخدش هذا الأصل وهو أن اتباع النبي أي اتباع شأنه كله، فيأتي من أول شأنه القرآن الذي أوحاه إليه ربه -عز وجل- فبلغه وبيّن للأمة معناه وبيّنه بفعله وطبقه، فكان النبي دوره الجهر في بلاغ هذا القرآن لفظًا وتطبيقًا، فبدأ هنا يظهر معنى مصطلح السنة وهي في اللغة والشرع بمعنى الطريقة فحين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "... فمَن رغِب عن سنَّتي فليس منِّي" [صحيح البخاري]، ويقول: "... عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ ...." [صحيح أبي داود]؛ فهل يتصور أن النبي يأمرنا هنا أن نأخذ بما ثبت في الحديث ونترك القرآن، أو حتى أن نأخذ المستحبات ونترك الواجبات -كما هو المعنى عند الأصوليين-؟، بالطبع لا، فهو يأمرنا أن نأخذ طريقته كاملة.

واستطرد: وأيضًا من المعاني التي نحتاجها في هذا الموضوع بما أن السنة هي الطريقة أن هناك سنة حسنة وسنة سيئة قال النبي: "مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا، ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا" [صحيح ابن ماجه وصححه الألباني]، إذا هناك سنة حسنة وسنة سيئة؛ فالذي يسن في الإسلام سنة حسنة لا يكون باختراع شيء جديد في دين الله، فليس هناك متبوع غير النبي، إذا فالذي يسن سنة حسنة، أي: يحيي سنة من سنن النبي؛ فيكون باعتبار أنه أول من فعلها في مكانه أو زمانه أو في الموقف الذي يمر به وهذا ما يدل عليه الحديث الذي ورد فيه لفظ السنة الحسنة والسنة السيئة، فالرجل الذي قال فيه النبي ذلك كان أول من تصدق فتبعه الناس، فالصدقة من دين الله وهو أول من فعلها في هذا الموقف.

وأشار "الشحات" إلى أن حجية السنة والاتباع معنى شامل مخاطب به حتى الكفار للدخول في دين الله، منبهًا على أن السنة الحسنة يُعرف حسنها من موافقة الشرع، والسيئة من مخالفة الشرع، كما في الحديث، ويقول البعض: بوجود بدع حسنة وبدع سيئة بشرط أن تفسر البدعة بأنها ما أحدث على غير مثال سابق، لكن إذا أحدث في الدين فلا تنقسم إلى حسنة وأخرى سيئة، فلا استحسان في الابتداع في الدين، والبدع في الدين مشكلة، وفي غير الدين أمر آخر، كالمخترعات الحديثة بدع في الدنيا، لكن بدع الدين كما وصفها النبي "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ" [صحيح البخاري]، منوهًا بأن الشيطان يريد أن يحرف الناس عن السنة، وأن الكفار ينزعجون من سنة النبي، ويجعل بعض الناس يقتنعون أن ذلك تشدد، لكننا لا نفترض أن كل من وقف موقفًا غير سليم أن نواياه غير سليمة، لكن ندفع ذلك ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.

وأكد أن من أخطر البدع الواقعة حاليًا ما يسمون بالقرآنيين، وكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أن هناك من سينحرف عن سنته وبيّن أنه إذا وجدنا الانحراف ينبغي أن يزيد تمسكنا بهديه، ومن ذك كتاب الشافعي، وإن كان لكل أمة أن تفخر برموزها الفكرية، فكتاب الرسالة يُقيّم على أنه من عجائب الزمان، والشافعي -رحمه الله- يصوغ هذا الكلام الذي كان ينقل بالتلقي، وتعيش عمرك كله في طلب العلم لفهم القرآن والسنة، هذا الجهد البشري الضخم الذي جمعه واستخلصه ونظمه ورتبه؛ ليظل كتاب الرسالة في غاية البراعة وهو يؤصل لأصول الفقه وأصول المنهج السلفي، قائلًا: إذا جاءك خطاب ممن تعتقد فيه العقل، وجاءك في هذا الخطاب كلمات مجملة، ونفرض أنه جاء للهداية والبيان؛ فيجب أن توقن أنه يحتاج إلى شرح وتبحث عن بيان هذه المجملات، فالقرآن أمرنا بالصلاة والزكاة مجملًا، فكان لزامًا أن أسأل عن كيفية هذه الأمور، ويجب أن يطرأ هذا السؤال "أين أجد تفسيرًا لما أجمله القرآن؟"، وهناك مصادر لبيان المجملات وهو النبي -صلى الله عليه وسلم، فضلًا عن أن القرآن نفسه ألزمنا باتباع النبي؛ لبيان ما أجمل، وهو ما اجتمعت عليه الأمة كلها، وهو أيضا مما نقلته الأمة عن النبي، حتى التشريعات التي لا توجد في القرآن وقال بها النبي فهي من الدين، وهي دلالة على حجية السنة. 

وطرح "الشحات" سؤالًا "هل كل السنة وحي أو في حكم الوحي؟"، مجيبًا: عندما يقول النبي: "قال الله"، أو يقول: "أتاني جبريل" فهي سنة من عند الله، أو عندما سُئل النبي فأجاب بمجموع الأدلة السابقة، فإذا كان هناك استدراك على النبي نزل الوحي مستدركًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا حدث في خمس أو ست مسائل فقط؛ فبذلك يعرف أن كل ما قاله النبي هو موافق للوحي، وكل ما نقل هو وحي حتى ما كان منه اجتهاد فهو مستند إلى الوحي، كما أن الوحي أقره، كما في مواطن يسيرة، وحتى نتيقن أنه بشر كانت هناك استدراكات، وحتى نتيقن أن السنة كلها وحي من عند الله، كما في "عبس وتولى"؛ إذ كان اجتهاد النبي؛ فالقرآن بيّن لنا الوحي وبين أن السنة ذكر وأنه حفظها، وهذا أيضا من أدلة وجوب السنة، ودليل آخر أن أحد الصحابة سمع النبي فهل يسعه أن يرد أمر النبي؟ فإن فعل فهو كفر بـ"أشهد أن محمد رسول الله" فهل هذا يقبل من الصحابي؟ لا، فهل نسخت بعد الصحابة؟ وما دليل نسخها؟ فما كان ملزمًا للصحابة هو ملزم لنا.

وأشار المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية إلى أنه عندنا أمور منسوبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والعلماء بذلوا مجهودًا للتحقق من نسبة قول إلى النبي، ولذا كانت الأحاديث بين صحيح وضعيف، وفي الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، وبالتالي لا نثق في خبر الفاسق، وهنا ينشأ علم من هذه الآية، تباهي به هذه الأمة الأمم؛ فنشأ علم الحديث، وجاءت قواعد الضبط، أي: لا يقبل خبر إلا من العدل الضابط، وعلم الحديث أيضا مما أصل له الإمام الشافعي، وإن سبقه الصحابة والتابعون، وكانوا إذا استشكلوا شيئًا سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أو سألوا عنه الصحابي، وكل ما أشكل في فهمه لا يرد، ولكن يرد إلى الآيات، وكل ما صح نسبته إلى دين الله من رواية رويت عن العدل الضابط عن مثله ونسب إلى النبي فلا يمكن أن يعارض نصًا آخر من القرآن، وإنما هو توهم لوجود تعارض، وفي القرون التالية أجاب العلماء عما بدا من الاستشكالات في السنة أو الظن أنها متعارضة مع القرآن، وبذلك بقيت السنة، وأنها من جملة الذكر الذي تعهد الله بحفظه.

وقال الدكتور طارق فهيم: إن مسألة اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شابها في الفترة الأخيرة بعض المفاهيم والشوائب، ومنها مفهوم الابتداع حتى بات يحتاج إلى تحديد معناه والمقصود منه؛ فالبعض يرى في اتباع النبي مجرد اتباع هديه في العبادة فقط، أو الهدي الظاهر فقط، أو اتباعه في مسائل النسك والحج والعمرة فقط، والكل أصبح يأخذ جزءًا من هدي النبي، وإنما الصواب في منهج أهل السنة والجماعة هو اتباع النبي في جميع المسائل، فاتباع النبي هو من اتباع منهج السلف، واتباع منهج النبي ظاهرًا وباطنًا، عملًا وأدبًا، عقيدة وعبادة، عملًا وخلقًا وأدبا، ومن أراد أن يزكي نفسه فعليه اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فالانتساب الحق لأهل السنة والجماعة هو اتباع منهج النبي؛ لذا نجد أن من صنّف لأهل السنة والجماعة في عصور مختلفة أعرض عن الكثير ممن يظن الناس أنهم من أهل السنة والجماعة وأعرض عن ذكرهم في مصنفاته لأهل السنة والجماعة لمخالفتهم هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.