لم يحتفلوا بمولده.. الصحابة نصروا النبي ﷺ وأحبوه أكثر من أنفسهم

  • 39
الفتح - محمد ﷺ

متحدث الدعوة السلفية: محبة النبي الكريم باتباع أوامره وتعظيم سنته

باحث شرعي: وُجد المقتضي للمولد السنوي وانتفى المانع ومع ذلك تركه النبي ﷺ

أكاديمي: الاحتفال بالمولد النبوي بدعة فاطمية شيعية غير موجودة في العهد النبوي


يحتفل البعض مع قدوم شهر ربيع الأول، بما يسمونه "مولد النبي" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، حيث يقيمون حفلهم بالموالد وأكل الحلوى والحضرات الصوفية والتمايل داخل المساجد والأضرحة، في مشهد لم تعرفه الأجيال الأولى من الإسلام خصوصا الثلاثة قرون الخيرية التي قال عنها النبي ﷺ "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". ويرى علماء الإسلام بأنه مخالف للسنة النبوية المطهرة، وأن أعظم احتفال يدل على الحب الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم، يكون بلزوم ملته، والتصديق بعالمية رسالته ونسخها للشرائع السابقة، واتباع سنته، وتعظيم كلامه.

ويشير العلماء إلى أن إحياء الخرافة من جديد في عصرنا الحديث، واتباع الصوفية الغالية، وعبادة القبور من دون الله، هو خطر يهدد استقرار الأمة الإسلامية، التي جمع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كلمتها، على التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، والبعيد عن الخرافات والدجل والتشدد وغيره.

النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم

من جانبه يقول الشيخ عادل نصر، المتحدث باسم الدعوة السلفية، إن الواجب على المسلم حتى يكمل إيمانه ويستقيم دينه أن يحب النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر من ماله ووالده وولده والناس أجمعين، بل ومن نفسه، يقول الله سبحانه وتعالى: "النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ  وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ  وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا"

وأَضاف نصر لـ "الفتح"، أن حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ.

وأكد متحدث الدعوة على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تستلزم الإتيان بحقوقه، وما أعظم حقوقه على أمته، ومن هذه الحقوق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر به وما نهى عنه وزجر صلى الله عليه وسلم، ولقد ورد في كتاب الله عز وجل في أكثر من 30 موضعًا الأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها من طاعة الله عز وجل.

وأشار نصر إلى بعض الآيات في القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: "وإن تطيعوه تهتدوا"، وقوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ"، وقال تعالى: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".

الاتباع علامة محبة الله

وأوضح أن اتباعه صلى الله عليه وسلم علامة من علامات حب الله، حيث جعل الله اتباع النبي إمارة على محبة لله، قال الله: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، وكذلك تحكيمه في سائر شؤون الحياة: قال الله: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، وكذلك رد النزاع إلى كتاب الله وسنته، قال الله: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"، وكذلك محبة صحابته رضوان الله عليهم، والذبّ عن سنته والدفاع عنها وغيرها من الحقوق التي ينبغي على الأمة الإسلامية أن تراعيها وأن تلزمها، وفيها عز الدارين الدنيا والآخرة.

وأردف: كما أن من محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه أن يلزم المسلم هديه، ولا يخرج عن هذا الهدي، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يلزم ما كان عليه النبي من الدين، وأن يتبع سنته التي بينت هذا القرآن قال النبي: "تركت فيما ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا"، وكذلك من لوازم محبة المؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحذر الفتن والبدع والخرافات التي على غير هديه صلى الله عليه وسلم، ومن هذه البدع ما نراه اليوم مما يفعله الناس باحتفالات تخالف هديه وتخالف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.

منهج الصحابة

وحذر نصر من اتباع هذه البدع، مشيرًا إلى أن البعض يزعم أنه لا بد وأن يفعل ذلك محبة له صلى الله عليه وسلم وتعظيمها له واحتفالًا بمولده، ثم يتم ارتكاب المخالفات. ولكن محبة النبي كما بينتُ تقتضي اتباعه ولزوم ما كان عليه، ولقد كان الصحابة يحبون النبي صلى الله عليه وسلم حبًا جمًا، أحبوه أكثر من أموالهم وأنفسهم وأهليهم ونصروه وذبوا عن دينه، ومع ذلك لم يفعلوا شيئًا مما يفعله الناس اليوم، فإن تعجب فعجب فقولهم، فالبعض يفرط في هديه، ويخالف أوامره، برغم تحذير الله من ذلك، قال الله: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم"، فيخالفون أوامره ويضيعون تعاليمه، ثم يذهبون في مولده إلى فعل البدع والخرافات بزعم محبته، والواجب أن نلزم هديه وطريقته، هذه علامة محبته صلى الله عليه وسلم.

وتابع: ثم يستدل البعض بما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم من صيام الإثنين والخميس، ثم يسأل عن ذلك فقال: هذا يوم ولدت فيه، والأصل أن نفعل كما كان يفعل، نصوم الإثنين والخميس، وهل كان يصوم الإثنين مرة واحدة؟، كان يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، وهذا هو الواجب أن نحيي سنته وأن نلزم تعاليمه بإفراد الله بالتوحيد، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم اتباعًا كاملًا في شتى أمور حياتنا، من كان يحبه بصدق فليفعل كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، هذا هو والله سبيل النجاة، وهذا هو البرهان على محبته صلى الله عليه وسلم.

المخرج من الفتن

واختتم نصر بقوله: نهيب بالأمة اليوم أن تعود إلى هديه وأن تلزم الكتاب والسنة، وهذا هو المخرج من كل فتنة ومن كل زيغ، بل هو ما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم عند حدوث الاختلاف والافتراق، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّهُ مَن يعِشْ منْكم بعدي فسيَرى اختِلافًا كثيرًا فعليكُم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ من بعدي تمسَّكوا بِها وعضُّوا عليها بالنَّواجذِ وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ"، فالبدع والمخالفات ليس علامة على محبته بل هو جفاء في حقه يخالف ما جاء به صلى الله عليه وسلم وما حثّ به.

وعن سبب الحكم ببدعية المولد السنوي، قال الدكتور باسم عبد رب الرسول الباحث والداعية الإسلامي: إن الاحتفال بالمولد النبوي سنويًا في يوم 12 من شهر ربيع الأول، هذا الفعل، هل فعله الرسول ﷺ؟ هل فعله الصحابة رضي الله عنهم؟ هل فعله التابعون؟ لم يفعله الرسول ﷺ ولا الصحابة ولا التابعون. إذًا بما أنه لم يقم به النبي ﷺ ولا صحابته ولا التابعون، واستحدثه الناس من بعدهم فهو بدعة.

وتساءل الداعية الإسلامي: هل وجد المقتضى بهذا الاحتفال في زمن الرسول؟ نعم، وهو تعظيم الرسول ﷺ، فقد كان ﷺ يعلمنا أن نعظمه، ويقول أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ويعلمنا أن نشهد له بالرسالة مع شهادتنا لله عز وجل بالوحدانية في الأذان، والصلاة، والأذكار، وغير ذلك. فتعظيم الرسول وتعظيم سنته كان موجودا في زمان الرسول ﷺ.

وأضاف لو قال قائل إنه كان يستحي أن يقول للناس احتفلوا بمولدي!

فنجيب عليه: وهل بعد وفاة الرسول ﷺ الصحابة استحوا أيضًا؟ لماذا لم يحتفلوا بمولده؟!

وتابع عبد رب الرسول: أنه يظل المقتضي الذي نحتفل بالمولد النبوي من أجله كان موجودا في زمن الرسول ﷺ، بل إن الرسول ﷺ أرشدنا إلى الاحتفال بمولده بشكل أسبوعي بعبادة الصيام.

ولو كان المولد السنوي أمرًا مستحبًا في الدين ما استحى النبي ﷺ أن يُبلغ به، ولم يكن يمنعه من ذلك شيء، فقد قال أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، ولم يكن ليمنعه ذلك من بلاغ ما أنزل إليه. فلو كان الاحتفال بمولده سنويًا يقربنا إلى الله لأمرنا وأرشدنا إليه، لأنه هو من دلنا على الاحتفال الأسبوعي بمولده بالصيام.

وأردف قائلًا: هل كان هناك مانع في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زمن الصحابة لفعل ذلك؟ بالفعل لا يوجد مانع، فما المانع أن يحتفل سنويًا بمولده بأي عبادة من العبادات؟ بأي طاعة من الطاعات؟

فنقول: إذًا قد وُجد المقتضي، وانتفى المانع، ومع ذلك لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو بذلك يعد بدعة.

وحول تاريخ بدعة الاحتفال بالمولد النبوي بهذه الطريقة، يقول الدكتور زين العابدين كامل الأكاديمي المتخصص في التاريخ الإسلامي، من المعلوم أن الدولة العبيدية والمعروفة كذبًا بالفاطمية، سيطرت على مصر عام 358هـ، بعد أن نجح جوهر الصقلي في دخول مصر والسيطرة عليها، وقد أحدث الشيعة مجموعة من الأعياد بمصر، ومنها الاحتفال بذكرى مقتل الحسين، والاحتفال بيوم الغدير، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب وذكرى مولد فاطمة، والحسن والحسين، والخليفة الفاطمي الحاضر، وكذا الاحتفال بتنصيب ولي العهد.

بدعة شيعية

وأضاف كامل لـ"الفتح": أنه بعد سقوط الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى، أبطل صلاح الدين هذه الأعياد، وقام بإلغاء الأعياد والمناسبات المذهبية للفاطميين، وبالفعل اندثرت هذه العياد، ولم يبق من التراث والبدع الشيعية، سوى الاحتفال بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد ظل بعض المصريين يحتفلون بهذه الذكرى، ظنًا منهم أنهم بذلك يتقربون إلى الله تعالى.

واختتم، من المعلوم أن هذا الاحتفال لم يكن موجودًا في عصر النبوة، ولا عصر الخلافة الراشدة، ولو كان خيرًا لسبقنا الصحابة بهذا الاحتفال البدعي، فعلى المسلمين أن يعودوا إلى المنهج الصافي، والنبع الكافي، الذي تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم.