باحث شرعي: هناك تعارض بين صدق محبة النبي ﷺ وابتداع الاحتفال السنوي بمولده

صدق المحبة يوجب الاتباع

  • 144
الفتح -علي العريشي، الكاتب والباحث الشرعي

قال علي العريشي، الكاتب والباحث الشرعي: إن حب كل مسلم للنبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة لا يزايد عليها أحد، غير أنه ليس من محبته -صلى الله عليه وسلم- أن يبتدع الاحتفال سنويا بمولده ﷺ لأمور، نبرزها في الآتي:

1- أن البركة و الخير و الهداية لم تدخل على البشرية بمولده فحسب و إنما ببعثته رحمة للعالمين. 

2- ثم إنه قد اختلف أهل السير والتاريخ وغيرهم في شهر ميلاده ويومه، مع اتفاقهم على أن يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول، هو يوم وفاته فلو التزمنا ذلك لكان يوماً للحزن عليه -إن جاز-.

3- أن عمدة ما يردده من يدعون إلى ذلك حديث صومه -صلى الله عليه وسلم- كل يوم اثنين وعلله بقوله "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَبُعِثْتُ فِيهِ وَأُنْزِلَ عَلَيّ فِيهِ" (رواه مسلم) ، ليس فيه احتفال كل سنة، و لا أن ذلك كان في شهر ربيع الأول فقط، فحري بمن يرددون ذلك أن يحسنوا استثمار يوم الاثنين من كل أسبوع بالصيام لا بالتشدق والاحتفال.

وأوضح "العريشي" -في تصريحات خاصة ل"الفتح"- أن من تلك الأمور أيضًا؛

4- أن الأعياد من شعائر الدين فلو كان مشروعاً لاستفاضت شهرته ونقله، ولم نرَ شيئاً من ذلك في دواوين السنة، ولذلك أنه لا مناص من أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه علموا يوم المولد ولم يحتفلوا به أو لم يعلموه، فإن كانوا علموه ولم يحتفلوا فلسنا بأحرص منهم، وإن كانوا فعلوه فأين النقل؟! وإن لم يعلموه فهل يتصور علمنا ما لم يعلموه!.

ثم إنه لا يشرع صوم العيدين مع الاتفاق على كون يومي الفطر والأضحى أعيادا، ومع ذلك فقد ورد النهي في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يوم الفطر و يوم النحر(متفق عليه).

5- أنه بذلك يكون الاحتفال من محدثات الأمور الداخلة في قوله "... وَإِيَاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُور..." (رواه أحمد وأبو داود و الترمذي وابن ماجه) و قوله "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَد" (رواه مسلم).

6- أنه كما قال غضيف بن الحارث الثمالي: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة (رواه أحمد) فلذلك تجد عامة من يحتفلون بهذه المناسبة عندهم خلل ظاهر في متابعته -صلى الله عليه وسلم- في العقيدة والعبادة والسلوك.

7- أن ثمة طريقة غريبة في الاستدلال على مشروعية ذلك باستخدام أدلة لا علاقة لها بالمرة بهذا الموضوع، والذي لا يكاد ينقضي منه العجب أن ذلك يصدر من هيئات شرعية رسمية لا يكاد يصدَّق أن يقولها طالب علم.

وأشار الكاتب والباحث الشرعي إلى أن التعارض بين صدق محبته -صلى الله عليه وسلم- والاحتفال بمولده فهو قائم حقيقة لأن صدق المحبة يوجب الاتباع، لقوله تعالى "قُلْ إِنْ كُنْتُمٌ تُحِبّونَ اللهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ..." [آل عمران31]، ومن لوازم ذلك أن من خالفه أو عمل بغير سنته أو جاء بغير ما شرعه فقد ابتدع في دينه وضاد محبته، كما ينسب للشافعي:  

تعصي الإله و أنت تزعم حبه *

         هذا بربك في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته *

        إن المحب لمن يحب مطيع.


وتابع: وأما عن إمكان أن يثاب المحتفل بهذه البدعة من وجه ويأثم من وجه فهو حاصل، وقد يكون المحتفل في قلبه محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيثاب ويؤجر على هذه المحبة لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وهو من الأعمال القلبية، ثم هو يأثم من وجه آخر بمخالفته وارتكابه هذه البدعة، وهذا معنى وحقيقة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والذي يحاول البعض أن ينسب إليه القول بمشروعية الاحتفال والإثابة عليه، ولا يتسع المقام لنقل كلامه كاملاً لكنه في كتابه الفذ "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم".