نعيش حالة من الحزن والأسى مسيطرة علينا هذه الأيام بسبب ما يتعرض له إخواننا في غزة من اعتداء غاشم، وقد يشعر بعضنا بمشاعر تفوق الحزن لتصل إلى أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة، والتي تتلخص في البكاء وأعراض الاكتئاب والرغبة في الانعزال والقلق الشديد وعدم الرغبة في استكمال الأنشطة اليومية، والعصبية والغضب غير المبرر والصداع وآلام جسدية وتعكر المزاج، ورؤية أحلام مزعجة، وقد يعاني معنا أيضاً هذه الأعراض أطفالنا الذين يتعرضون لأخبار الحرب.
فلا شك أن للحروب آثارًا نفسية سيئة على الشعوب، خاصة الأطفال، فهذه الحروب تعد من مصادر الاضطرابات النفسية والضغوط العظمى بالنسبة للطفلوأيضاً هي بمثابة صدمة تترك آثارًا كبيرة عليهم، ولا يتأثر بها الطفل الذي عاش الحرب وعاينها في بلده فقط ولكن أيضاً يعاني نفس الأعراض الطفل الذي عاصر الحروب وشاهد أخبارها أو فيديوهات وصورًا عبر الإنترنت وغيره.
وتختلف شدة هذه الأعراض علي الطفل ودرجة تأثره حسب قوة ومتانته النفسية، وتمتد معاناة الأطفال النفسية معهم لسنوات ولا تمحو ذاكرتهم ما شعروا به من خوف وما واجهوه من توتر ومن تدمير نفسي.
وقد يعاني أيضاً الأطفال بجانب الاضطرابات النفسية اضطرابات سلوكية مثل قضم الأظافر والتبول اللاإرادي واضرابات النوم والطعام والعنف، وتأخر المستوى الدراسي.
ولكننا نرى في أطفال فلسطين حالة خاصة من الثبات والقوة الإيمانية والعزيمة والمواجهة التي تجعل واحدًا من هؤلاء الأطفال بألف رجل.
وهذا يعني أن التربية الإيمانية بجانب المتانة النفسية تخفف من أعراض المعاناة التي يمرون بها فأثر القرآن في صدورهم يمدهم بالثبات، وإيمانهم بقضيتهم يبني داخل نفوسهم دافعاً قوياً لمواجهة الخوف وتحدي الألم والاستمرار بيقين نحو هدفهم في تحرير الأرض والدفاع عن الدين والعرض.
والواجب علينا تجاه أطفالنا خلال هذه المحنة:
تقديم الدعم النفسي ومساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره وطمأنته قدر الإمكان ومحاولة إشعاره بالأمان الذي فقده من أخبار الحرب.
حماية الأطفال تحت 6 سنوات من مشاهدة المقاطع الدموية أو متابعة أخبار الكوارث عبر الأخبار أو على مواقع الإنترنت وعدم الكلام أمامه عما يدور بشكل تفصيلي، ولكن طمأنته فقط أن ما يحدث سيمر وسيكون النصر للإسلام والمسلمين.
بداية من سن 6 : 9 سنوات نحادث الطفل بشيء من الصراحة عن عدوهم ونشرح تاريخ الأمة وقص قصص الأنبياء وحال اليهود معهم على مر العصور.
ونزرع في نفس الطفل أن هذا عدواً غاشمًا مغتصبًاللأرض كارهًا لأهل الإسلام وأن القضية بيننا وبينهم قضية عقيدة.
مع السماح للطفل بالتعبير عن مشاعره ومخاوفه والاستمرار في طمأنته باستعراض ما تعرض له المسلمون في العهود الأولى من محن وابتلاءات وأن هذا الصراع من سنن الله الكونية في الأرض.
أما الطفل فوق 10 سنوات نشاركه بشكل أكثر صراحة واستفاضة ونسمح له بإبداء رأيه وحرية التعبير مع تشجيعه على القيام بعمل حقيقي فارق لمساعدة أهلنا كالمشاركة في التبرعات وقوافل المساعدة أو نشر الوعي عن القضية الفلسطينية عبر مواقع التواصل، أو المشاركة في مقاطعة منتجات العدو.
ولزامًا علينا العلم بسنن الابتلاء والصبر عليه وشرح ذاك لأولادنا والاستشهاد بمواقف من الغزوات، والآيات التي توضح تعرض الأمة سابقًا لمثل هذه المحن، كقوله تعالى: "هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا" وقوله : "وَلَاتَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَاتَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًاحَكِيمًا"، ومعرفة أسباب تأخر النصر وأسباب التمكين تساعدنا في التحمل والاستمرار.
وعلينا تثبيت قلوب أبنائنا أن وعد الله نصر المؤمنين قال تعالى: "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ" وقال سبحانه : "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" وقال :"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"
وعلينا المواظبة على الدعاء والإكثار من العمل الصالح واستغلال ما يحدث لاستعادة بناء جيل يعي قضاياه ويشارك فيها ويبذل من أجله.. فاللهم انصر الأمة واشف صدور قوم مؤمنين.