اصبرْ؛ فنقدُهم رفعةٌ لك!

  • 778

قضى اللهُ – تباركَ وتعالى – أنَّ الابتلاءَ سنَّةٌ كونيَّةٌ ، وأنَّه لا ينجو منه أحدٌ قط ، فالكلُّ مُبتَلى ولا شكَّ ، ولكن تتنوَّعُ الابتلاءاتُ ، وكلٌّ حسبَ إيمانِه ، ومن هذه الابتلاءاتِ ما ينالُك من سبِّ الناسِ واتهامِهم لك بما ليس فيك ، ستواجهُ حرباً ضَروساً وأنتَ سائرٌ إلى ربِّك ، فإيَّاكَ إيَّاكَ من التوقُّفِ عن السيرِ .

اعلمْ أنَّ نقدَهم لك مادمتَ على صوابٍ رفعةٌ لك ، ولولا أنَّك عظيمٌ ما شغلوا أنفسَهم بك :

قلْ للذى بصروفِ الدَّهْرِ عيَّرَنا ... هل حاربَ الدهرُ إلاَّ مَن له خطرُ ؟
ألمْ تـرَ البحرَ تطفو فوقَــه جيفٌ ... وتستقـرّ بأقصـى قعــرِه الــدررُ ؟
وفى السماءِ نجومٌ لا عــدادَ لها ... وليسَ يكسِفُ إلاَّ الشمسُ والقـمرُ ؟

ألم تسمع :
إنَّ الرياح إذا اشتدَّتْ عواصفُها ..... فليسَ ترمى سوى العالى من الشجرِ . ؟

ألم تسمعْ :
ربَّما تلوى الريحُ أعناقَ الزهورْ ... ربَّما لكنَّها تعجزُ عن لَىِّ الجذورْ ؟

امضِ ولا تلتفْ ؛ فمَن صبرَ ظفرَ ، ومَن ثبتَ نبتَ ، ومَن تأنّى نالَ ما تمنّى ، فى المحنةِ منحةٌ ، وفى البلاءِ عطاءٌ ، وعندما يشتدُّ الظلامُ يبزغُ الفجرُ ، وفى ظلامِ الليلِ ترى النجومَ ، وما ألذَّ الماءَ بعدَ الظمإ ! ، ودائماً يحلو العناقُ بعدَ طولِ الفراقِ ، وبعد الغمامِ يحلُّ الغيثُ فتخضرّ الأرضُ ، ويصفو الجوُّ ، إذا اشتدَّ الحبلُ انقطعَ ، وإذا أظلمَ الليلُ انقشعَ ، وإذا ضاقَ الأمرُ اتسعَ ، وتحتَ الرغوةِ اللبنُ الصريحُ .

ألا فاثبتْ لهم قائلاً :
بحر المآسى ما له شاطئٌ.......وزورقُ الصبرِ طريقُ النجاةِ

قلْ لهم :
والفجرُ آتٍ وإن طالَ الدُّجى زمناً.......والماءُ يُرجَى إذا ما اسودَّت السُّحبُ

إيَّاك إيَّاك من الضعفِ أمامَ نقدِهم ، بل كن كالجبلِ الشامخِ لا يتزعزعُ ، وانطلقْ :

فأرسلْ شعلةَ الإيمانِ شمساً.......وصُغْ من ذرَّةٍ جبلاً حصينا
وكنْ فى قمَّةِ الطوفانِ موجاً......ومُزناً تُمطرُ الغيثَ الهتونا

فقط اشكُ لربِّك ، وامضِ فى سيرِك ، ودعْك من غمزِهم وهمزِهم ولمزِهم .

إذا حلَّ بك الأمرُ فكن باللهِ لوَّاذا......وإلاَّ فاتك الأجرُ فلا هذا ولا هذا

البليدُ لا يُحسدُ ، والغبىُّ لا يُنقدُ ، الأسدُ فى الغابةِ محسودٌ ، والفأرُ ليس بموجودٍ ، والذبابُ على الوجه لا يؤثِّر ، كلامُهم كعَضِّ نملةٍ ، أو كقرصِ قملةٍ ، وربَّما طُوِيتْ محاسنُك فنشرَها اللهُ على ألسنتِهم :

وإذا أرادَ اللهُ نشــرَ فضـــــــيلةٍ .... طُويْت أتــاحَ لـــها لســان حسودْ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ .... ما كان يُعرفُ طيبُ عرفِ العودْ

فكِّرْ كثيراً فى قوله – تعالى - : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا " ( المزمل : 10 ) ، فكِّرْ فى قوله – تعالى - : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " ( الشورى : 43 ) .

روى البخارىُّ فى صحيحه برقم 3150 " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي القِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي القِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ القِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» " .

واللهِ لو صاحبَ الإنسانُ جبريلا ... لم يسلمِ المرءُ من قالَ ومن قِيـــــلا

قد قيلَ فى اللهِ أقـــوالٌ مصنفهً ...... تُتلى إذا رُتِّل القـــــــرآنُ ترتــيلا

قـد قـيـل أنَّ لـه ولــــداً وصاحبةً ...زوراً عليه و بهتـــــــــاناً وتضلــيلا

هذا قولُهم فى اللهِ خالقـِــــهم .... فكيفَ لو قيلَ فينــــــــــــا بعضُ ما قيلا

آخرُ ما أذكِّرك به أنَّهم سبُّوا الخالقَ – جلَّ وعلا – فهل ستسلمُ أنت من النقدِ ؟ ، روى البخارىُّ فى صحيحِه برقم 7378 ومسلمٌ فى صحيحه برقم 2804 " عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» .

غفرَ اللهُ لنا الزللَ فى القولِ والعملِ ، وعاملَنا بفضله وكرمِه وإحسانِه ، وهدى اللهُ مَن يطلقونَ لسانَهم فى غيرِهم .