جمالُ الأدبِ وأدبُ الجمالِ : اللافتة الأولى ( 1 )

  • 137

إنّ الأدبَ كلامٌ جميلٌ يعبِّرُ عن مجموعةٍ من الأفكارِ والمشاعرِ، يؤثِّر فى القارئِ وينقلُ فكرةَ الأديبِ ، والكلامُ الأدبىُّ أغنى تعبيراً وأكثرُ تأثيراً ؛ لما يحملُه من لفظٍ جزلٍ ومعنى حسنٍ وصورةٍ بيانيَّةٍ موحيةً ؛ فالأدبُ عنوانُ السعادةِ وصورةُ الحياةِ ومِفتاحُ فَهْمِ العلومِ وتربيةُ الذوقِ والوجدانِ ، وقد أدْرَكَ العلماءُ أهميَّةَ فَهْمِه وتعرُّفَ مصادرِه، وأعملوا فِكْرَهم وبلاغتَهم فى وصفِ آلياتِ خطابِه ، وبيَّنوا فى مُصَنَّفاتِهم طرائقَه ودقائقَه ومعانيَه وفضائلَه ، وحثُّوا العامَّةَ والخاصَّةَ على سلكِ دروبِه ودخولِ ميادينِه ؛ فهو قولٌ بليغٌ وثمرةٌ ناضجةٌ للعلمِ وقالبٌ لغوىٌّ ملىءٌ بالجمالِ والجلالِ والخيالِ والتفنُّنِ والمشاعرِ والوجدانِ واللغةِ الشاعرةِ ذاتِ الحلاوةِ والطلاوةِ والإغداقِ والإثمارِ والخلقِ والابتكارِ.

وحرىٌّ بنا فى وقتِنا هذا - الذى كثرُتْ فيه مشاغلُ الحياةِ وصخبُ المعتركِ السياسىِّ– أن نُحْيِىَ الأسلوبَ الأدبىَّ , والتعبيرَ البلاغىَّ ، ونسترفدَ المعنى اللغوىَّ والشعرىَّ ، والموروثَ التراثىَّ والثقافىَّ كآليةٍ للتناصِّ والتوارثِ من جانبٍ ، والتواصلِ والتماسكِ من جانبٍ آخر.
إنَّ التذكيرَ بأهميةِ الأدبِ والتعريفِ بفضْلِه وتَبيينِ طُرقِ اكتسابِه كفيلٌ بأن يقوِّىَ أواصرَ المودَّةِ والرحمةِ بينَنا ، حتى نكونَ بحقٍّ خيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجتْ للناسِ ، وهو فى الوقتِ نفسِه من أهمِّ وسائلِ الدعوةِ الليِّنةِ ، وتنمازُ الحضارةُ الإسلاميَّةُ بجمالِ الأدبِ فى السلوكِ والخُلُقِ ، ولينِ الجانبِ وطيبِ الكلامِ ؛ ففى التبسُّمِ صدقةٌ ، وفى أدبِ المعاملاتِ أجرٌ , وفى كظمِ الغيظِ والعفوِ عندَ المقدرةِ فضلٌ وإحسانٌ ، وهذا هو روعةُ الجمالِ الأخلاقىِّ فى الإنسانِ : جمالِ الأدبِ والسلوكِ ، والقولِ والفعلِ ، والتقبُّلِ والودِّ.

ومن ثمَّ فالأدبُ كلمةٌ تفوقُ الجمالَ الذى نتوقَّعُه ، والخيالَ الذى نتصوَّرُه ، والقولَ الذى نتقوَّلُه ؛ فهو ألفاظٌ جزلةٌ وكلماتٌ بليغةٌ ، ومعانٍ سليمةٌ ومضامينُ متنوِّعةٌ ، وديباجةٌ أنيقةٌ أليقةٌ ، عنوانٌ للحياةِ وديوانٌ لها ، على كلِّ صاحبِ ذوق ٍوتبصُّرٍ أن يشحذَ قريحتَه ويلينَ عريكتَه ؛ لينهلَ منه ؛ فهو معدنٌ أصيلُ المبنى ، عظيمُ المعنى ، والإنسانُ بطبيعتِه الفطريةِ ينجذبُ إلى كلِّ ما هو جميلٌ ، " إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ "، وإن كانَ الإحساسُ بالجمالِ فى الطبيعةِ والكونِ أمراً فطرياً لا يحتاجُ من الإنسانِ تدريباً معيناً , أو جهداً مضاعفاً فإنَّ حقيقةَ الجمالِ فى مجالِ الفنِّ والإبداعِ ليستْ بسيطةً مباشرةً ، فالجمالُ الفنىُّ فى العملِ الأدبىِّ قائمٌ على رؤيةٍ عميقةٍ , وذوقٍ خاصٍّ , ورؤيةٍ مدربةٍ ؛ فالجمالُ الطبيعىُّ يثيرُ الإعجابَ والبهجةَ ولكنه لا يكتشفُ قيمةَ الجمالِ إلاَّ من خلالِ التعبيرِ عنها فى الفنِّ والأدبِ ، فنحن نجد فيهما – أى فى الفنِّ والأدبِ - ما لا نجدُه فى غيرِهما من وصفٍ وتجسيدٍ للحياةِ النفسيَّةِ والمعنويَّةِ ، والآمالِ والآلامِ ، والأحلامِ والأوهامِ.


د.بيومي محمد بيومي
مدرسُ الأدبِ والنقدِ والبلاغةِ
دار العلوم - الفيوم