مصر بين نار التكفير وشظايا التفجير

  • 165

الفقر وقلة العلم وجفاء الطبع تربة خصبة لنمو التكفيريين
الفكر التكفيري يجمعه المغالاة والبعد عن صحيح الدين
شكري مصطفى وسيد قطب.. أشهر أقطاب التكفيريين
عادل نصر: الفكر التكفيري خرج من عباءة الإخوان المسلمين
ناجح إبراهيم: الإسلام لم يعانِ في تاريخه من آفة أكبر من التكفير


إذا حل الخلاف واحتدم الشقاق أو ما غاب الرقيب والحسيب؛ خرج كلٌّ يغني على ليلاه، ينشد في حق نفسه الأصالة والنزاهة والإيمان، ويقذف كل من يخالفه بالسفه والكفر والعصيان، بل قد يبيح دمه، ويفتي بإزهاق روح مخالفه، والأمر ليس بثأر أو قصاص، وإنما لأجل اختلاف في الفكر، أو تباين في الفهم، بل قد يكون لصراع سياسي، أو موقف أمني، أو تصريح هنا، أو تصريح هناك.

ليت الأمر ينتهي إلى التخوين أو التسفيه، بل الخطر الأدهى والمصاب الأعمى، أن الأمر وصل إلى حد التكفير، فالأول ينفي عن الثاني إسلامه، ويخرجه عن ملة الدين الحنيف، فقضي بكفر بواح ودم مباح، وهذا لأجل أمر قد يكون فيه الأول هو المخطئ لا الثاني، فلا يجوز التكفير بمجرد سوء الظن، والقاعدة تقول "اليقين لا يزول بالشك، وأن الحقائق لا تمحىبالظن"، فأمسكوا عليكم ألسنتكم، فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم.

بداية يقول الشيخ عادل نصر، أحد أبرز المشايخ الدعوة السلفية الذين أفنوا عمرهم في مواجهة الفكر التكفيري بدحض الشبه والمناظرات والتأليف المكتبي، إن الفكر التكفيري في مصر بدأ تحديدا مع شكري مصطفى، مؤسس جماعة التكفير والهجرة والتي سماها بجماعة المسلمين في البداية، كان تابعًا لجماعة الإخوان المسلمين في الستينيات من القرن العشرين، ولذلك تم القبض عليه ضمن الإخوان المسلمين وشاركهم محنتهم في سجون عبد الناصرابتداءً من عام 1965م وحتى خروجهم من السجن بعد موت عبد الناصر، والتف تلاميذ سيد قطب الذين أساءوا لأنفسهم ولأستاذهم سيد قطب عليه رحمة الله، وأخرجوا أفكار القطبيين التي تقرب إلى التكفير، موضحًا أن شكري مصطفى شطح عن تلاميذ سيد قطب حيث تبنى أصول الخوارج كما هي، وأنشأ جماعة التكفير على هذا الفكر المسموم التى تكفر المسلمين بالمعاصي، فأحيا فكر الخوارج بعد اندحاره تمامًا، فالخوارج تحكم على مرتكبي الكبائر الذين يموتون قبل التوبة، بالكفر والخلود في النار وهذا هو خلافهم الأساسي مع أهل السنة - بالإضافة إلى قتال علي.
وقد تبلورت تلك الفكرة في صراعهم الفكري والمسلح ضد بني أمية، عندما ظهرت قضية "الحكام الذين ارتكبوا الكبائر واقترفوا المظالم"، وكانوا يرفضون الإجماع ويبالغون في اتباع علمائهم.


وأشار إلى أنه من أبرز ما اتسمت به "جماعة التكفير والهجرة" كما قال شكرى مصطفى من واقع أقواله أمام هيئة محكمة أمن الدولة العسكرية العليا، والتي نشرت في الصحف عام 1979، "إن كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعا، وبيان ذلك أنهم تركوا التحاكم لشرع الله واستبدلوه بقوانين وضعية ولقد قال الله" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" بيد أن الأفراد أنفسهم لا نستطيع الحكم عليهم بالكفر لعدم التبين من ذلك، لذا فهم فقط جاهليون ينتمون لمجتمع جاهلى يجب التوقف في الحكم عليهم حتى يتبين إسلامهم من كفرهم، إن الإسلام ليس بالتلفظ بالشهادتين ولكنه إقرار وعمل ومن هنا كان المسلم الذي يفارق جماعة المسلمين كافرا، الإسلام الحق هو الذي تتبناه "جماعة المسلمين" وهو ما كان عليه الرسول وصحابته وعهد الخلافة الراشدة فقط – وبعد هذا لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض حتى الآن، حياة الأسرة داخل الجماعة مترابطة ببعضها بحكم عدم الاختلاط بالعالم الخارجي.

الإخوان والفكر التكفيري


وأكد نصر، أن الفكر التكفيري خرج من عباءة جماعة الإخوان المسلمين، وهذه حقيقة تاريخية لا بهتان فيها ولا ادعاء، فقد كان شكري مصطفى في جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الجماعةإحقاقًا للحق حاولت محاربته ودحضه، لكن اتسع الخرق على الراقع.

وأضاف، أن نشأة هذا الفكر التكفيري كان سببه شيئين، الأول الضغط الشديد أيام حكم عبد الناصر والظلم الذي وقع على هؤلاء الشباب، ثانيًا تغافل جماعة الإخوان المسلمين لجانب التربية الإيمانية المتزنة، بالإضافة إلى إهمالها في تعليم العقيدة الصحيحة لأهل السنة والجماعة، فلو درست لأبنائها وقامت بتربية شبابها على منهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأصول أهل السنة في التكفير وغيره، وكيف أن أهل السنة والجماعة لايكفرون المسلم بالكبيرة ما لم يستحلها، وذلك ما تواتر فى كتب الأئمة منذ القدم، لما كانت هذه الأفكار خطيرة.

كما أوضح نصر، أن لونًا آخر "خرج من عباءة الإخوان المسلمين" وهو "التوقف والتبين"، الذي خرج من الفكر القطبي، حيث أقام هذا الفكر مجموعة شباب من الإخوان المسلمين أبرزهم عبد المجيد الشاذلي، أحد أبرز أعضاء أسرة سيد قطب، وهذا الفكر سيطر على الاتجاة القطبي بعد ذلك، وكتاب "حد الإسلام" لعبد المجيد الشاذلي أصبح بعد ذلك مرجعا لجماعات التكفير، لأنه يرفض فيه العذر بالجهل ويستدل استدلالات واهية لإثبات ذلك، ومن ثم تكفير كل من يقع في كفر العمل أو القول بجهل، دون الأخذ بضوابط أهل السنة والجماعة في تكفير المعين، و"التوقف والتبين" يقسم المسلمين إلى ثلاثة أقسام قسم مسلم لاشبهة فيه وهو الذي حقق التوحيد، وقسمكافر وهم الكفار الأصليون، وقسم ثالث توقفوا في أمره حتى يتبنوا حاله وهو عامة المسلمين، وهذا التقسيم في غاية الخطورة ويشبه كلام المعتزلة في "المنزلة بين المنزلتين" فاختلفوا مع الخوارج في الاسم واتفقوا معهم في الحكم، وبعد فشل شكري مصطفى وإعدامه وضعف جماعته اتخذت الجماعة منهجا مختلفا في التغيير يرتكز على فكرة انتظار ظهور المهدي المنتظر والانضمام إليه, ومن ثم فهم يمارسون الدعوة إلى أفكارهم دون تسلح أو سعي لأي عمل سياسي أو عسكري من أي نوع ويقتصر عملهم داخل الجماعة على العمل التربوي والاجتماعي، بالإضافة للعمل التعليمي لأنهم باتوا يحرمون دخول المدارس والجامعات بعد إعدام شكري ورفاقه.

خطورة التكفير


وعن خطورة هذا الفكر أشار نصرإلى أنه حينما تحكم على المسلم تزيل العصمة عن دمه ومال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "تكفير المسلم كقتلة"، فلما فتح هذا الباب جاء بشر كبير على المجتمع، وكان سببا أساسيا في العنف، وسببا فيما لاقاه المجتمع من سيلان للدماء وإزهاق آلاف الأرواح البريئة بدعوى كفرها واستباحة أموالها وعرضها بعد دمها، ونستطيع أن نقول إنه من أخطر الأشياء التي أثرت فى التيارات الإسلامية وفى الفكر الإسلامي هذا الفكرالتكفيري الصدامي المندفع، مضيفًا أن هذا الفكر الآن يتخذ ألوانًا وأنماطا إلا أنه يظل في إطار واحد يجمعه المغالاة والبعد عن صحيح الدين الإسلامي العظيم وعن شريعته الغراء، وإن تغيرت الأسماء والمصطلحات، فهذا الفكر يجعل من حامله ناقمًا على المجتمع ولايقيم وزنًا لمصالحه العليا، ولا شك أن هذا يحدث اضطرابًا كبيرًا، كما أن هذا الفكر تسبب في تشويه صورة الملتزم بالسنة في ظاهره، ولولا أن الله ثبت الاتجاه السلفي المنضبط بالكتاب والسنة، فردت هذا الفكر وحاربته بالحوار والمناظرة والفكر وتأليف الكتب التي تأصل لمسائل الإيمان والكفر، فكانوا سببا في عصمة وقوع كثير في هذه المحرقة.

يضيف الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، أن أمة الإسلام لم تعان فى تاريخها من آفة مثلما عانت من آفة تكفير المسلمين، تلك الآفة التى جعلت البعض يطلقون أحكام الكفر على المسلمين بغير مبرر شرعى، وقد نسى هؤلاء أو تناسوا أن المجازفة بتكفير المسلمين أمر خطره عظيم؛ فإخراج مسلم من دينه والحكم عليه بالكفر هو خلع لربقة الإسلام من عنقه، وجزم بخلوده فى النار، والخطأ فى ترك ألف كافر فى الحياة، أهون من الخطأ فى سفك دم لمسلم، وصدق الإمام الغزالى حين قال: "القضية أن تكف لسانك عن أهل القبلة" يعنى المسلمين "ماداموا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن التكفير فيه خطر، أما السكوت فلا خطر فيه".

وأكد إبراهيم، أن فكر التكفير هو أسوأ لوثة أصابت العقل المسلم، ودمرته وأحدثت أول فتنة فى تاريخ المسلمين والتى عرفت بفتنة الخوارج، وهم بلغة العصر جماعة التكفير، وهم الذين كفروا على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وطلحة والزبير، فتأمل قسوة قلب ومشاعر هؤلاء الذين يكفرون أصحاب النبى الكرام، أعظم الناس بذلا من أجل الإسلام وعطاء فى سبيله، وإيمانا بالله ورسوله، فتكفير من دونهم أسهل وأيسر.

وأشار إلى أن العقل التكفيرى يستكثر رحمة الله بخلقه، ويضن بها عليهم، فكيف يدخل هذا العاصى الجنة، وكيف يتساوى مرتكب الكبيرة مع العابد والزاهد ليدخل هؤلاء الجنة معا، بل العقل التكفيرى ينتمى لمن قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عنهم، "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"، فهم لا يعجبهم أحد، يكفرون الحاكم وأعوانه، والشرطة والجيش، ويكفرون البرلمان أيضا، ويكفرون بعض الحركات الإسلامية، فالناس جميعا عندهم هلكى، مضيفا مازالت حتى اليوم على نفس أفكارها ولم تستفد شيئا من أفكار ثورة يناير السلمية، ولكنها اتخذتها وسيلة لنشر أفكارها فى ظل أجواء مهيئة من التكفير السياسى والاستقطاب الحاد.

وأضاف، الفكر التكفيرى يجعل صاحبه قاضيا يحكم على الناس، وليس داعية يهدى الناس إلى الحق والخير، وينسى أن الله لم يتعبدنا بتكفير فلان أو تفسيق هذا أو تبديع ذاك، ولكنه تعبدنا بالدعوة إلى الله وهداية الخلائق والانشغال بذلك، أما الحكم على الناس فهو شأن القضاة، وهم أقدر الناس على تحمل آثاره وتنفيذ ما يترتب عليه، وهم قادرون على فحص الوقائع وتمحيص الأدلة، ولا يكفر مسلم إلا بعد استيفاء الحجة التى يكفر تاركها، ولا يستطيع إلزامه الحجة إلا عالم ذو حجة أو سلطان ذو قوة.

وأوضح القيادى السابق بالجماعة الإسلامية، أن الفرق بين فكر التكفير وفكر واعتقاد أهل السنة، هو "نقطة الصاد"، فأهل السنة والجماعة يقولون إن المعصية تنفى الإيمان ولا تنقضه من أساسه، أما جماعات التكفير فيقولون إن المعصية تنفى الإيمان وتنقضه، ونصرة الشريعة لا تعني تكفير المسلمين ولكنها تعني هدايتهم للحق، وترغيبهم فيه والرفق والرحمة بهم، والدعاء لهم لا عليهم التكفير والتفجير وجهان لعملة واحدة، فالتكفير قتل معنوي للمسلم بإخراجه عن دينه، والتفجير هو قتل مادي يخرجه من الحياة، وعادة ما ينتشر التكفير فى أثناء وبعد الصراعات السياسية، وقد ظهر لأول مرة فى أثناء الصراع السياسي بين علي ومعاوية.

وأضاف أن مصر الآن تعيش ثنائية التكفير والتفجير، وأزمة الفكر التكفيري أنه يحول أي خلاف إلى كفر وإيمان وحق وباطل، وموجات التكفير في المجتمع المصري الآن على أشدها ويصاحبها التخوين والتفسيق والتبديع، فكل نقاش يدور داخل الأسرة المصرية أو بين الأصدقاء أو الجيران حول الرأي في الدكتور مرسي ورئاسته وعزله أو رابعة، أو الفريق السيسي أو المظاهرات أو القنوات أو ما شابهها يؤدي بالمتحاورين إلى تكفير أو تفسيق أو تبديع بعضهم بعض، ثم مقاطعته، وجاءت الطامة الكبرى بالأغنية التكفيرية الجديدة التي هلل لها البعض والتي تقول بعض مقاطعها " أنتو شعب وإحنا شعب رغم أن الرب واحد ليكم رب ولينا رب".


فكر انشطاري


كما أوضح إبراهيم، أن الفكر التكفيري هو فكر انشطارى يفرق ولا يجمع، ويمزق ولا يوحد، فكل خلاف بين أصحابه هو كفر وإيمان؛ ليصبح أحدهما كافرا والآخر مسلما، أو يكفر أحدهما الآخر، وهذا عكس الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم الذى كان خلافهم دوما ليس فى الحق والباطل والكفر والإيمان، ولكن فى الراجح والمرجوح، فالآراء الفقهية المعتبرة ليس فيها حق وباطل، وكفر وإيمان، ولكنه راجح ومرجوح.

وأشار إلى أن التكفير ينتشر فى البيئات قليلة العلم جافة الطبع،ولذلك انتشر بين الصيادين فى الفيوم فى إحدى الفترات وفى سيناء وينتشر بين القرويين والشباب أحادى التفكير، ومعظم جماعات التكفير التى رأيتها سطحية الفكر لا تحب العلم وتكره الاستزادة منه وتحب الطاعة العمياء والتلقين، والتكفير لابد أن يؤدى إلى الاستحلال، فالذى يكفر المسلم ويستحل عرضه ويرميه بالكفر من اليسير عليه أن يستحل دمه وماله، وبذلك فالتكفير لابد أن يؤدى حتما إلى التفجير؛ فالتفجير أسهل شيء عندهم.. إنهم يعشقون فكر التفجير وفكر أصحابه.


وتابع: "حسن البنا رحمه الله تعالى، أسس جماعة دعوية منفتحة على المجتمع, تلقاها المجتمع بالقبول, وانتشرت بين جميع شرائحه بسرعة كبيرةثم مرت الجماعة بكثير من المحن والاختبارات وصبت كثيرا من الروافد الفكرية في نهر الجماعة فتحولت من الجماعة الدعوية المنفتحة للجماعة السرية المنغلقة، ويتعجب، من احتك بجماعة الإخوان المسلمين في هذه الآونة من بعض السلوكيات التي لا تمت لأهل الالتزام في شيء، فقد تتعجب حين يرى استحلالا للكذب وتشويه الخصوم بالبهتان، بل وفبركة الشائعات عن الخصوم ونشرها على أنها حقائق مؤكدة والتآمر، ومحاولة السيطرة على الخصوم ولو بزرع عناصر من الإخوان في بنية الخصوم التنظيمية ثم تفجير خصومهم من الداخل، مع الوضع في الاعتبار أن هؤلاء الخصوم هم أبناء نفس الوطن بل أحيانا أبناء نفس التيار."