هل ما فيش فايدة؟!

  • 158

كل يوم نسمع أخبارا مؤلمة محزنة موجعة جديدة ومتنوعة، والأخبار السارة اختفت من حياتنا بشكل كبير حتى أصبحت نادرة جدا، وأصبح الكل مهموما محزونا بدرجات متفاوتة؛ بل إن العديد من الناس أصبح مصابا بمرض الاكتئاب: المزاج العام متكدر، النفسيات منقبضة، حالة السخط وعدم الرضا منتشرة على نطاق واسع، الكل ساخط متبرم ناقم ناقد عاتب لائم لغيره، الجلسات العائلية يطغى عليها النقاش في الأحوال العامة والأمورالعامة، والكلام بين الأقارب حاد وعنيف وصاخب.
وكذلك جلسات الأصدقاء والزملاء والمعارف وحتى الأغراب إذا ماجمعهم مكان ما فسرعان ما يتحدثون عن الأحوال العامة وتختلف وجهات نظرهم وحكمهم على الأحداث والشخصيات.

حاولت جاهدا ألا أتكلم في أحوال بلدنا مع أحد، ولا أسمح لأحد أن يحدثني أو يفاتحني في الأحداث، ولكنني فشلت أمام كثرة المتحدثين، نجحت مع البعض وتفهموا موقفي. وفشلت مع البعض الذي أصر وألح في الحديث، وشدني وجذبني رغما عني بطرق مختلفه عجيبة وغريبة حتى تحدثت رغما عني وأنا كاره، تحدثت في أضيق الحدود، وبكلام مختصر ومقتضب، وسأحاول ثانية الامتناع عن الحديث والنقاش؛ لأنه في ظني حديث عقيم وغير مفيد، وهو مجرد تنفيس عما في الصدر، وإخراج للمخزون الحارق الملتهب المشتعل من المشاعر والأحاسيس فقط... فالكلام تعبير عما فى الداخل فقط وليس للاستفادة أو التصحيح أو التصويب.
ولكن أين أذهب؟
كلما تواجدت في مكان تثار نفس الموضوعات الشائكة. في أي مكان أذهب أو أتواجد فيه تكرر وتعاد نفس الموضوعات .. فأين أذهب ؟!
أتمنى أن أجد أخبارا سارة وسعيدة لتكون هى محور الحوار والحديث ولكن للأسف لا توجد .. وإن وجدت فمعها ما ينغصها ويكدرها ويعكرها فماذا أصنع؟
هل أعتزل وأتباعد عن الناس؟
هذا غير ممكن لي وغير متاح؛ فالخلطة بالناس محتمة، فلجأت لحل غير فعال .. وهو أننى أبدأ الناس بالحديث عن موضوعات مهمة بعيدة عن الأحداث، ووجدت أن الناس يأخذون طرفا من هذه الموضوعات ويربطونها بالأحداث بطريقة مدهشة!! فقلت فى نفسي - ما فيش فايدة -..
فلجأت إلى الدعاء .. طلبت من ربى أن يشغلني بذكره وأن يشغل الناس بذكره وأن يلهمنا حسن النظر فيما يرضيه عنا .. الأحداث قاهرة للأفكار وغالبة على كل الموضوعات لدرجة أنك لو تكلمت فى موضوع ديني إيماني تجد الناس يريدونك أن تحدثهم عن الأحوال الجارية والمستجدات اليومية.. فأريد نصيحة من القارئ .. هل أتجاوب مع الناس وأجاريهم فى الحديث ؟
أم أحاول السكوت ؟
أم أفرض عليهم موضوعات أخرى ؟
أم ماذا أفعل ؟

وأنا مع هذا مستمر في الدعاء والطلب من ربي سبحانه وتعالى، أحب من غيرى أن يحدثني عما ينفعني في ديني ودنياي وأخراي.
أريد من يحدثني عن قلبي وإيماني .. أريد من يحدثني عن ربي عز وجل وعن رسولي صلى الله عليه وسلم... أريد من يحدثني عن الخير والحق .. أريد من يفيدني وينفعني بحديثه، أريد هذا الانسان، دلونى عليه وأوصلونى إليه وعرفونى به.

يارب، إن كان كلامي مع الناس وكلامهم معي فيه المنفعة لي ولهم فسهله علي وصبرني عليه ورضني به، وإن كان كلامي مع الناس وكلامهم معي ليس فيه المنفعة فاصرفه عني واصرفني عنه.

وأريد أن أوضح للقارئ أن امتناعى عن الكلام فى الأحداث الجارية إنما هو موقف شخصي، ولا يدل على سكوتى تماما . وإنما أتكلم في أضيق الحدود، وليس مع كل أحد؛ بل مع من يريد الانتفاع، وهم قلة قليلة، وهذا الموقف اتخذته لسلامة قلبي وراحته ولسلامة قلوب الناس وراحتهم وللحفاظ على الروابط والصلات مع الآخرين لأن الكلام، في معظم الأحيان، ينتهي بالعداء والشحناء والبغضاء.
وسأحاول التقليل من الكلام .. وإن شاء الله سأنجح .. ولن أقول كعنوان المقالة -مافيش فايدة -!
وأما كلام غيري فربما كان لازما وحتميا وضروريا خاصة إن كان عنده بيان لأمر غامض خفي، وكان في حديثه وكلامه إفادة للسامعين.