• الرئيسية
  • الأخبار
  • الزرقا فى حواره مع "الفتح": الجماعات المسلحة ما بعد داعش ستكون أشد شراسة وأكثر مرواغة.. "إيران" لها طموح وعلينا أن نروض طموحها

الزرقا فى حواره مع "الفتح": الجماعات المسلحة ما بعد داعش ستكون أشد شراسة وأكثر مرواغة.. "إيران" لها طموح وعلينا أن نروض طموحها

  • 198
د. بسام الزرقا فى حواره مع الفتح

الجماعات المسلحة ما بعد داعش ستكون أشد شراسة وأكثر مرواغة
إيران لها طموح وعلينا أن نروض طموحها
من حسن الحظ أن المصالح بين السعودية ومصر تكاد تكون متطابقة
علينا العمل لتحقيق المصلحة القومية المشتركة لأفرقيا

كيف ترى تصاعد عمليات معاداة المسلمين في الغرب؟
أولًا: هناك سجل تاريخي طويل بين المسلمين والغرب، هذا السجل به أجزاء هي أقرب للتعاون، وهناك أجزاء هي جزء من الصراع الذي يبقى في الخلفية الثقافية. ثانيًا العلاقة بيننا وبين الغرب في الفترة الأخيرة هي الحقبة الاستعمارية، حينها كانت الهمينة للغرب تجعله يفكر بطريقة ولي الأمر للبشرية حتى كلمة استعمار هي تعني أن أهل تلك المنطقة لا يستطيعون البناء، والغرب أتى من أجل البناء والعمار، الاستعمار كلمة جميلة أنت عندما تسمعها تشعر بانقباض ليس نتيجة الكلمة ولكن كيف طبق هذا المفهوم؟ والآن نحن نحتاج إلى وضع أسس علاقة جديدة واقعية؛ ومن ثم لا تصلح الأسس القديمة للعلاقة.

· بم تفسر هذا التصاعد؟
التصعيد لأنك أصبحت موجودًا وأصبحت تحافظ على دينك، و الغرب الذي يدعي دائما قبول فكرة التنوع والاختلاف واحترام الثقافات هو في الحقيقة لا يقبل بأي من ذلك.

· كيف تقيم أداء الأنظمة والحكومات تجاه العداء ضد المسلمين؟
هم لديهم شعوران أو عنصران متعارضان:
العنصر الأول: أن البنية الثقافية في الغرب بفكرة قبول التنوع الثقافي والديني والفكري والعرقي، ويصبح الولاء في هذه الحالة لقطعة الأرض التي تعيش عليها الدولة؛ وهذا نتاج تاريخ طويل للغرب انتهى بمعاهدة وستفاليا 1648، ومن جهة أخرى هم يريدون الهيمنة على الثقافات التي يعتبرونها مخالفة لهم؛ "يعني حاجتين ضد بعض تماما"؛ لذلك يمكن أن تسمع وزيرا يقول: لا نريد إسلاما في بلادنا ولكن نريد إسلاما بطعم بلادنا، هنا المشكلة عنده أنه يقبل التنوع بشرط ألا تظهر تنوعك! أي الشيء وعكسه!
العنصر الثاني: أنهم حديثو عهد مع الاتجاهات الإسلامية، فمثلا في ألمانيا المنتشر جدا الاتجاه السلفي وهم لا يفرقون بين الاتجاهات السلفية، ويرونهم أناس يقومون في نظرهم بأعمال فيها شيء من العنف أو مخالفة القيم التي يريدون أن يهيمنوا بها ويضعون الجميع في سلة واحدة، ويبدأون في مجابهة المسلمين؛ فينشأ شيء من شعورك بالعداء وأن تبادر عداء بعداء، في النهاية تلك دائرة خبيثة لأنهم "لسة مش فاهمين الموقف والتنوع الفكري داخل إطار الحركات الإسلامية خصوصا السلفية"، هذه النقطة تحتاج حوارا وبيانا بخصوص كيف يكون التعايش والعلاقة بين السلمين وغيرهم؟!

· كيف يمكن للمسلم الغربي المحافظة على التوازن بين فكره واتجاهاته العقدية، وبين السمات العامة لتلك الدول التي يعيشون بها؟
ستجد المسلمين في أوروبا يعيشون في بيئات مختلفة وردود أفعالهم تكون متناسبة مع البيئة التي يعيشون بها, يعني ستجد بعض البلاد الحال يصل فيها إلى الاضطهاد، بمعنى أنه يفرض على المسلم زيا معينا؛ وهذا يخالف أبسط قواعد الحرية وحقوق الإنسان, لكن بلد مثل إنجلترا ليس لديها هذا الأمر، فتجد أن المسلم يستطيع أن يعيش حياته ويأكل الحلال بالنسبة له، ويحافظ على ثقافته بدرجة أفضل بكثير من المسلم الذي يعيش في بلد غيرها؛ لذلك لا تستطيع أن نلقى العبء في حل المشكلة على المسلمين فقط، لابد من تعاون الكل.

· داعش مشكلة كبيرة؛ فمنذ أن ظهرت حققت في وقت قياسي انتشارا ما بين سوريا والعراق.. ما رأيك في ذلك؟!
داعش محصلة مجموعة عوامل أدت في النهاية إلى أن أصبح لدينا ما يسمى داعش، عوامل داخلية وعوامل خارجية وأخرى أيديولوجية، سياسة الأمريكان في العراق يمكن أن نوصفها بالمصطلح "اللي بيحب الغرب أن يستخدمه وهو ثور في محل الخزف والصيني"، فهو دخل العراق كان هناك منظومة بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حولها، لكن أدى ذلك إلى أن جاء سفاح يسمى المالكي أذل أهل السنة، "وعلى فكرة ما تفعله داعش من أفعال لا يقبلها عقل، هي لا تأتي 10 % من الإجرام الذي أتت به الميليشيات الشيعية بالعراق، كانت مش بس بتدبح وتحرق بل كانت تسلخ الجلد، وكانت هناك سلخانة داخل السجون، وكانت هناك عمليات اغتصاب"، هذه التركيبة كلها أشعرت أهل السنة أنهم وقعوا، وشعب العراق شعب أبي لا يقبل الإذلال والضيم؛ فكانت النتيجة أن هذا التذمر الضخم عندما وجد ثقبا ينفذ منه نفذ، الثقب كان الزرقاوي فجمع ضباط مخابرات وقيادات عسكرية سابقة من الجيش وعشائر وقيادات سنية غاضبة، ولم يفكر أحد أن يحل المشكلة أو حتى يضع صمام لمرجل البخار "عشان مينفجرش"، ثم جاءت وجهة النظر الأمريكية لمشكلة سوريا "أن من مصلحة إسرائيل أن يظل الصراع لا أن ينتهي"، لكن تلك الفكرة فتحت مجالا ضخما لتلك القوة الوليدة لأن تتمدد، فذهبوا إلى سوريا فأصبحت البلورة التي تجذب المزيد "لتلك البلورة".

"المشكلة مش في داعش اللي بتعمله دلوقت، المشكلة في مرحلة ما بعد ذلك" حيث إن هناك كتلا بعضها يريد أن ينضم لهم مثل الأكراد، وبعضها يريد أن يتجمع، وبعضها يريد أن يتخلص من الآخرين، وبعضها يريد أن يتحول من أقلية إلى أغلبية أو إلى شيء مستقل؛ فالقادم أصعب!
هذا جانب، ويمكن أيضا أن تنظر من وجهة نظر أخرى أن هنا العمل المسلح مر بالأجيال الأول والثاني والثالث، الجيل الأول عبارة عن جماعات تحمل السلاح بغرض التغيير في نطاق محلي، وفي أفغانستان نشأ الجيل الثاني (مرحلة العالمية مع تنظيم القاعدة) "إحنا نقدر نقول دي المرحلة الثالثة (مرحلة الداعشية)"، و"أحب أقول لك الجيل الرابع جاي (وما هو؟) شيء سيكون أكثر إتقانا, أكثر شراسة, أكثر مراوغة وأقدر على امتصاص الصدمات وربما يتجنب خطأ داعش في فتح أكثر من جبهة في نفس الوقت، (سيكون أكثر محلية؟) لأ، هيفتح جبهة جبهة، ولن يفتح كل الجبهات كأسلوب هتلر التي تنتهجة داعش".
· هل سيكون هناك عدة دواعش في كثير من الدول؟
المرحلة الآن داعش أصبحت هي الأب الذي يجمع أيتام العمل المسلح، "هتبدأ مجموعات كثيرة تبايع أمير داعش, لكن لكل تنظيم الجينات بتاعته والجينات ربنا جعلها محددة لتوقع دورة حياة ذلك الكائن، السلحفاة بتعيش 100 سنة، والقطط 5 سنين, الجينات بتاعت داعش لا تسمح لها ببقاء طويل والله أعلم, بس مش معنى كدة إن بكرة مش هلاقي داعش، مش معنى كدة إن هي مش قوية ومش هتسبب مشاكل، بل ستكتسب أرضا كل يوم في المرحلة القادمة، وستكون أفعالها في ازدياد، لكن هذا لن يكون نهاية المطاف، نهاية المطاف هي الجيل الرابع، الشيء المجهول الذي أتوقعه، لكن لا أعلم من تكون قياداته أو متى سيظهرون"!
· كيف نتعامل مع داعش؟
أنت الآن محتاج أن تناقش واقع المسلمين في بلادهم ومشاكلهم والضغوط الخارجية والأمور الطائفية، وإيران، أظن أنك تحتاج إلى دراسة.
· ماذا لو حددناها سريعا في نقاط؟
الفكرة أنك لا تناقش عاملا واحدا أو موضوعا واحدا، أنت هنا مثلا ستناقش الموضوع جغرافيا "التمدد والفرص الجغرافية لتنظيم داعش"، ثم تناقشه من الناحية الأيديولوجية، وعلاقة داعش بمنافسيه كالقاعدة، وستناقش القوى العالمية وكيفية التصرف مع داعش، و"إسرائيل وداعش" وهذا عنوان لديه الكثير من الجدل لأنها ترتب بيئتها بما يؤمن حياتها، وستناقش الصراع الموجود بين التمدد الإيراني ومحاولة السيطرة على الجزيرة العربية والخليج، بل امتدادهم لأماكن أخرى في أفريقيا وغيرها، "أنت لا تتحدث عن فريقين بيلاعبوا بعض (بل مجموعة من المتغيرات والعوامل ) الأمر أوسع من أن نناقشه في سؤال".

· كيف ترى الوضع في ليبيا؟
لابد أن نحدد أولا موقعنا من ليبيا وموقع ليبيا منا، وسيكون من باب الكلام المكرر أنها حدودنا الغربية، وأيضا لابد أن نكون مدركين أن أول عامل للخروج من مشاكلنا جميعا هو التكامل، وأول تكامل لابد أن يكون بين مصر وليبيا والسودان، ولماذا هذا الأمر؟! بديهي جدا فليبيا ومصر يوجد على الحدود مواطنون نصفهم فى مصر ونصفهم فى ليبيا، بمعنى أنه لا يمكن أن نعتبر أنفسنا فقط أمة واحدة، بل نحن شعب واحد، إذن أنت لا تفكر فى شأن ليبيا باعتبار أن هناك مشكلة تفكر فقط فى كيفية وقفها على قاعدة "الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح" ليبيا وقعت فى مشكلة أن هناك مجنونا حكمها وابتلى هذا الشعب العظيم بهذا الرجل الذى دمر الجيش، ولم يكن بها أساسا مؤسسات؛ "وبالتالي لما سقط نظامه نشأ فراغ حاولت أطراف داخلية وخارجية أن تملأه"، وأكبر خطأ أن نساهم فى مزيد من الاستقطاب داخل ليبيا؛ لأن ليبيا ستجد أن الأغلبية حتى ولو كان بينهم خلاف فهم عقلاء، والأقلية هى فئة إما متطرفة أيديولوجيا أو لها مصالح خاصة تسعى لتحقيقها؛ إذن إذا جعلت ليبيا هى الأقلية التى ليس لها حل ستخطئ الطريق، ليبيا هى بالعموم "أناس عقلاء يحتاجون لمن يساعدهم للوصول إلى ما نريده أيضا فى مصر وهو الوفاق الوطنى، وإن كان الأمر لديهم أصعب بكثير من الوضع المصري"؛ إذن ففكرة ظهورك كأنك منحاز لصالح كتلة كبرى ضد كتلة كبرى أخرى، هذا خطأ كبير لأن ليبيا فيها مجموعتان تدعى كل منهما أن لها برلمانا، وحكومتان تدعى كل منهما أنها الحكومة الشرعية، وجيش "هو ليس جيش، وجيش ليبي", إذن ليس هناك طرف أقوي لتقول له سنساعدك لتحكم السيطرة، فإذا ظهرت أنك منحاز لأحد الأطراف فأنت دخلت فى الاستقطاب وفقدت كل كروتك، وأنت ليس لديك كروت عسكرية، فأمريكا دخلت أفغانستان عسكريا وأخذت تبحث بعدها عمن يخرجها، كما أنه لا يصح أن تتدخل عسكريا مع أهلك، فالتدخل العسكري البري مع أهلك كأنها حرب أهلية؛ "أنا لا أفرق بين شعب عربي وآخر، كلها شعوب عربية، وكلها محترمة، وكلها نريد أن نحافظ على دمائها", إذن استبعد تماما فكرة التدخل العسكري واسع النطاق.
والآن الغرب من خلال الأمم المتحدة يحاول أن يصنع نوعا من التوافق، ونحن غائبون عنه، وممكن أن ينتهى الأمر إلى شكل من التوافق الهش الذى تصبح فيه حكومة مصر عدوة لليبيين، وتصبح فيه ليبيا نقطة توتر بالنسبة لمصر.
· هذا سيدفعنا الآن للسؤال: أين مصر من مؤتمر الحوار الوطني الليبي؟
الجزائر بالرغم من أن لها توجها ما، لكنها حرصت ألا تظهر بصورة توجهها هذا فى الميزان الليبي الذى يذهب يمنة ويسرة، والمغرب أخذت موقف الحضن الجامع، ومصر كانت أولى بهذا الأمر، وأتمنى فى القريب العاجل أن يحدث هذا.

· كيف يرى حزب النور العلاقات مع قطر؟
إذا نظرت إلى الإعلام المصري ستجد أننا فى حالة حرب، أولا أنت بحاجة لتحدد موقع قطر منك، ثم تحدد ما هى البدائل وتختار منها البديل المناسب، قطر دولة عربية شعبها شعب عربي مسلم "يعنى بالبلدى: أهلنا"، فحينما تضع بدائل للحل ضعْ بدائل للحل بين الأشقاء وليس بدائل للحل بين الأعداء؛ فلا يصح أن تكون لديك الآن معاهدة سلام مع دولة احتلت فى يوم من الأيام جزءا من أرضك، وأنت تريد الآن أن تدخل فى صراع مع أهلك.
وأنت لا ترضى عن سياستهم؛ فالحل هو استخدام الدبلوماسية "لأن مع أهلنا لا يجوز أن نلجأ للقوة"، فما يربطنا مع قطر أكثر مما يفرقنا، وهنا سيكون لدينا حوار "أساسه الراسخ الإخوة، وبناؤه المصالح"، هنا لابد أن يكون هناك حوار والبحث عن المصالح التى تحققها قطر من هذه السياسة، ثم البحث عن البدائل التى يمكن تقديمها لقطر؛ وهذا ما يجب أن تفعله الدبلوماسية المصرية، والدفع بالتى هى أحسن يكون بعدة وسائل.
· البعض يفسر مواقف قطر من مصر على أنها جزء من صراع الزعامات بين دول الخليج.. ما رأيك؟
ليس من مصلحتنا إن كان هذا صحيحا أن نتدخل فيها، فالآن هناك بيت خليجى يسعى أهله للوصول إلى توافق، وتوافق البيت الخليجى يصب فى مصلحة الخليج أولا ومصلحة مصر ثانيا، ومصلحة المنطقة العربية ثالثا؛ فهذا التوافق سيعود بالتناغم والنفع على المنطقة كلها، وكما ننادي داخليا بالتوافق الوطنى فإننا نريد أن نصل فى مرحلة إلى التوافق العربي.
· "مصر – اليمن – باب المندب" كيف نحل تلك المعضلة؟
لا سبيل لمصر إلا باستعادة لياقتها وإدراك ما تملك من أوراق، "وده اللي المفروض كلنا ننشغل بيه في المرحلة القادمة".
· كان هناك كلام أن مصر ستدخل في باب المندب، وحدثت مظاهرات للحوثيين على حدود باب المندب.. ما رأيك؟
كما قلت: "مصر قبل ما تفكر في أي حاجة، لو استعادت لياقتها الكل سيعلم حجمه ويتكلم في المعقول".

· في الوقت الحالي يتم التفاوض بشكل نهائي بين إيران وأمريكا بشأن الملف النووي، وسوف يتم وضع اتفاق بشأن وضع برنامج للتعاون النووي الأمريكي الإيراني.. كيف ترى تأثير هذا الاتفاق حال تحقيقه على خريطة المنطقة؟
هذا السؤال يحتاج إجابة من شقين: جزء عام وهو يتكلم عن العلاقات الدولية عموما، وجزء خاص بهذه المسألة.
الجزء العام سنستخدم في الدخول إليه تعريف خاص للسياسة, "يعني إيه سياسة؟" السياسة هي توظيف الإمكانات بغرض معالجة القوى من أجل فرض الإرادة المحققة لمصالح المجموع، "نبسط التعريف": السياسة تتعامل في مجال الجموع وليس الأفراد، وهي في النهاية عبارة عن جموع تريد تحقيق مصالحها, "الجموع دي ممكن تكون جماعة، ممكن يكون دولة، ممكن تكون أمة، عشان تحقق مصالحك لابد أن تتحقق أمور على الأرض، أي إرادة تريد أن تنفذها لو تحققت تتحق معها مجموعة مصالح"، وهنا يقع خطأ من الأخوان المسلمين أنهم لم يستطيعوا معالجة مسألة مصالح الجماعة المتعلقة بالجماعة والدولة والأمة, وكان هناك خلل في إدراكهم - فرج الله كربهم ورزقهم قيادة رشيدة تصحح أخطاءهم- لابد أن يكون هناك تناغم ما بين هذه الثلاثية "المجموعة والدولة، والأمة" بمعنى أن تكون هنا المصالح متعاضدة وليست متعارضة, متناغمة وليست متصادمة؛ فإذا شعر من أمامك أنك تراعي مصلحة ضيقة على حساب المصالح الواسعة (بغض النظر هل كان هذا حقا أم باطلا يروجه إعلام يريد ذبحك) هكذا تفقد شيء.

السياسة بهذا المفهوم مجموعة مصالح، وفي السياسة الداخلية يكون رأسها الوصول لحالة التوافق الوطني الذي يسمح لك بأن تكون كيانا فاعلا قويا، وإذا فقدت هذا الأمر ستظل في صراع داخلي يضعفك ويذهب ريحك.
في السياسة الخارجية عندك مجموعة مصالح لابد أن تحققها، منها مصلحة أن تبقى، وأن تكون مؤثرا وفاعلا، الاثنان يندرجان تحت مسمى "الأمن القومي", بمعنى أن كل الدول تعتبر "الاتنين دول غير قابلين للتفاوض أو المناقشة، وفيه بعد كدة بقى مجموعة مصالح زي توفير المعيشة للمواطن، ثم سلسلة أو هرم من المصالح".

نرجع للسؤال: نجحت إيران وأمريكا في الوصول إلى توليفة مصالح بين الطرفين، و"لما نقول توليفة مصالح لا يعني تطابق مصالح، فبين الدول هناك دائما تظل مصالح متعارضة حتى لو كان بين حليف وحليف استراتيجي"، يعني هناك مصالح متعارضة بين إسرائيل وأمريكا، معنى "توليفة المصالح" أن الطرفين لا يكون بينهم تضارب بين المصالح الحيوية الأساسية، "هنا بقى أصبح سهل أن تدخل في التالي وترى صفقة".
نعود: "إيران وأمريكا" ما مطالب كل من الطرفين؟ إيران لديها مشروع (شيعوفارسي) وهذا المشروع يحتاج إلى أن يكون لاعبا أساسيا, بل هم يريدون أن يكونوا "اللعيب الأكبر في الأقليم". وماذا عن المشروع الأمريكي وهو مشروع السيطرة على العالم؟! "أمريكا قعدت فترة طويلة تريد أن تنفرد بالعالم، ودخلت في صراع ضخم مع الاتحاد السوفييتي، وظنوا أنه بسقوط الاتحاد السوفييتي أن الموضوع خلاص، وكتب يوكوياما نهاية التاريخ"، "يعني وصل الغرور لهذه الدرجة", القوة الواحدة حالة شاذة في التاريخ الإنساني لا تعرف إلا قليلا، "يعني فترة السلام الروماني اللي كانت فيها روما مسيطرة، وتلك فترات لا تبقى طويلا، أمريكا فاقت من هذا الوهم على تحدي ضخم: أن قوتها الاقتصادية لم تعد بهذا القدر؛ ومن ثم لا تستطيع أن تستمر في الانفاق العسكري الذي يبدو لا نهائي".
هناك قوى صاعدة تمثل تهديدا بالغا للمصالح الأمريكية "الصين – روسيا – الهند"؛ إذن أصبحت بورة الصراع الأساسية ليست أوروبا مثل أيام الحرب الباردة، وليس الشرق الأوسط ولكن آسيا، "إحنا بنقول إن السياسة هى استخدام الإمكانيات بغرض معالجة القوة لتنفذ إرادتك وتحقق مصلحتك، يعني إيه معالجة القوى؟ أن تجعل منها حلفاء وتضعف القوى المعادية المنافسة، وتعيد تشكيل أوضاع القوى بحيث يكون ميزان القوى النهائي في صالحك")؛ إذن أمريكا ستبحث عن مصالح لها في آسيا، وستبحث عن لاعبين ذوي قوى في آسيا، وإيران أحد الأوزان لأنها استطاعت أن تصنع شيئا معقولا من التوافق الداخلي, فأصبح إرضاء إيران أهم من الخليج ككل (تحرك في منطقة بحر قزوين – تحرك في منطقة آسيا الوسطى- شبه القارة الهندية)؛ بالتالي كما يقول تشرشل: "ليس هناك عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، إنما هناك مصالح دائمة"، ولابد أن ينتبه العرب لأن ذلك اتفاق سيعود بالسلب عليهم جميعا.

· تشكيل تحالف جديد بين "مصر – تركيا – قطر – السعودية" في مواجهة إيران.. ما رأيك في ذلك؟
لا، التحالف القريب هو تشكيل تحالف أحد أجنحته قوة عسكرية سيكون مع السعودية والأردن والكويت والإمارات وربما البحرين، لكن فكرة إدخال قطر وتركيا في تحالف بالأوضاع الحالية صعب.


· ألا يتعارض هذا التحالف الجديد مع ما يسمى بـ"درع الخليج"؟
لا، درع الخليج قوة إقليمية تعالج مسائل إقليمية، والمثال الوحيد لتدخلها كان في البحرين، الدعوى أكبر وأوسع من القدرات الخليجية.

· إذن هم سيدخلون قوتين عسكريتين لهم ثقل هما الأردن والجيش المصري؟
الثقل هو الجيش المصري.

· هل هذا التحالف رسالة بأن هناك ردع لإيران؟
لا يجرؤ أحد الآن أن يوجه رسالة شديدة لإيران، بل إن الرسالة تقول إننا مستعدون ونستطيع أن ندافع عن أنفسنا بشرف.

· كيف تنظر إلى الملف الفلسطيني، والعلاقات المصرية الفلسطينية بشكل عام؟
للأسف أولا لابد أن نعيد التذكير ببديهيات، لابد من ثلاث سلطات: سلطة تشريعية تقوم بسن القوانين، وسلطة تنفيذية تتخذ القرارات السيادية، وسلطة قضائية تنفذ القوانين.

وإذا تغولت إحدى السلطات على باقي السلطات يحدث خلل، بمعنى أنه لو تعدت السلطة التنفيذية مجال القوانين التي تضعها السلطة التشريعية، أو لم تحترم الأحكام القضائية؛ سيؤدي ذلك إلى خلل ضخم. كذلك السلطة القضائية إذا لم تكتف بأنها تنفذ القوانين بل تضع قرارات سياسية ملزمة للدولة، أو أن تشارك السلطة التنفيذية في الأمور السيادية التي تخص الدولة؛ هذا أيضا يمثل خللا كبيرا لأنه أحيانا يكون أمامك عدو ولا تستطيع أن تعلن العداوة لأن المصلحة ألا تعلنها، فإذا ما تخيلنا جدلا أن هناك جهة أخرى لها الحق في إصدار قرار بأن فلان عدو؛ فهذا يضع الدولة كلها في مأزق، هذه هي القاعدة الأولى.
القاعدة الثانية: أن المصالح العليا للدول هي من يحكم السياسة وليس العواطف والتشنجات أو التراشقات التي تكون أحيانا أكسير الحياة لإعلام فاشل.
القاعدة الثالثة: لابد للإنسان كما يضع أولويات للمصالح أن يضع أولويات للمخاطر التي تحيط به، ننظر لمن حولنا من دول الجوار ونضع نظرة للمخاطر، فمن هو أعظم قدرة هو الأعظم خطرا. وأظن أن الملف المصري الفلسطيني يحتاج إلى تعديلات كبرى.

· ماذا يقول مسار الحركات الجهادية عامة؟
هذه الجماعات تتوسع حيث يوجد فراغ، والفراغ يأتي عندما تسقط الشرعية، والشرعية تسقط عندما يفقد الحاكم دعم المحكومين، أي أن المحكوم لا يرى أن الحاكم يمثل له أداة رشيدة لتحقيق مصالح المجموعة؛ فالمسألة معقدة "ولو هنحترم الهوية الأصلية على الأقل بحيث تنسجم القوانين والحياة الاجتماعية ونظم الحكم، فهذه المشكلة يمكن أن تتقلص بشكل كبير".

· حتى عام 93 كانت أفريقيا جزء من العمق الاستراتيجي لمصر والأمن القومي لها، وبعد 93 تراجعت مصر بشكل كبير.. العلاقات المصرية الأفريقية إلى أين؟
النظام السابق - وربما يكون ذلك صادما للكثير- لا يمكن فهم سياسته إلا من خلال التبعية للسياسة الأمريكية في الفترة التي كانت أمريكا تهتم بأفريقيا من أجل وراثة مناطق نفوذ الاستعمار السابق، وبالأخص فرنسا وإنجلترا، كانت مصر نشيطة في المجال الأفريقي، وفي الفترة التي فقدت تركيزها واهتمامها بأفريقيا، فقدت مصر اهتمامها بأفريقيا رغم أن أفريقيا تعتبر في نظري الدائرة الثانية الجديرة بالاهتمام بعد المنطقة العربية، لماذا؟ أول شيء الأمن القومي المصري يرتبط ارتباطا وثيقا بأجزاء من أفريقيا منها حوض النيل، الأمر الثاني موقع مصر الجغرافي مع حاجة أفريقيا للتنمية ووفرة المواد الخام واحتياجها لمن يعطيها نموذجا للعمل، ويستطيع التعامل مع القوى الموجودة لتحقيق المصلحة القومية المشتركة لأفريقيا؛ إذن سياسيا واقتصاديا أفريقيا لابد أن تكون الدائرة الثانية من اهتماماتنا، لكن نحن نلحظ الآن أن هناك شيئا من التحسن والوعي بذلك.

· هل هناك شكل جديد للعلاقات المصرية السعودية قد ينعكس على المنطقة؟
هناك أقطاب أساسية في المنطقة أهم هذه الأقطاب المؤثرة التي لا يمكن تجاهلها بالإضافة لمصر "السعودية، وتركيا، وإيران"، وهناك دول أخرى تلعب أدوارا نشطة "الأمارات، وقطر"، أنا أتكلم هنا على المنطقة ككل، لكن لو تكلمت كقطع ستظهر لدينا دول أخرى سنجد مثلا "الجزائر والمغرب" في المنطقة التي تمثل أقصى الغرب، ومن حسن الحظ أن المصالح بين مصر والسعودية تكاد تكون متطابقة.
· كيف يرى حزب النور العلاقة مع تركيا؟
أولا تركيا يجب أن نعرف - وبعكس ما يشاع فى الإعلام- أنه لا يحكمها رجل واحد، فتركيا يحكمها حزب من القوة أنه فى بلد شعاره الأساسى العلمانية ويجرم فيه سب أتاتورك الذى ألغى اللغة العربية والآذان ومنع الحجاب، هذا البلد ينتخب فيه حزب له توجهات خاصة. فكيف نجح هذا الحزب؟! هو نجح بفضل تحقيقه معجزة اقتصادية خلال 11 سنة حيث ارتفع الدخل القومي التركي ما يقرب من 3 أضعاف، وأصبحت إحدى القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم؛ وهذا لا يأتى من رجل.
إذن أنت لديك مراكز لصنع القرار بعضها صوتها عالٍ، وبعضها عاقل، وبعضها أقل عقلا؛ إذن يجب فى البداية أن تعرف أن هناك جهات تستطيع أن تتعامل معها، فرئيس الوزراء الحالى له فكر استراتيجي انتقل به بتركيا من مرحلة إلى مرحلة اسمها "تصفير المشكلات"، تركيا بتاريخها من بداية أتاتورك حتى الآن لديها مشكلة حول العلاقة بين القضاء والجيش والأحزاب، وهذه المشكلة تجعل هناك ندبة نفسية عند بعض القادة؛ فالقادة ليسوا كما يظن البعض يتخذون قرارتهم وفق حسابات عقلية، بل أحيانا يتخذونها تأثرا بجوانب نفسية، وهنا تستطيع أن تستخدم اللغة التى يفهمها كل الساسة فى العالم وهى "لغة المصالح", فتركيا تحتاج إلى مصر لحل مشكلة كبيرة لديها وهى "ترسيم الحدود البحرية فى البحر لمتوسط"، وتركيا الآن أوروبا أعطتها ظهرها، وهى الآن تتجه شرقا، وهذا التوجه لابد أن يحدد اتجاهه من خلال علاقته بعدة محاور إقليمية مهمة وهى "إيران والسعودية ومصر"، فأنت تستطيع من خلال الدبلوماسية غير المتشنجة أن تجبر أى طرف -اتخذ ضدك مواقف غير مناسبة- على احترامك، وإذا وجدت طرفا لا يحسب الأمور بصورة صحيحة فعليك أن تتصل بباقى الأطراف من أجل أن يحسبوها له بصورة صحيحة, ولغة المصالح هنا تتداخل "أنت تملك العديد من الكروت القوية جدا، وهذه الكروت بعضها يمثل السوط، وبعضها يمثل الزبد؛ فأنت تملك الاثنين، اعطِ الزبد ولوّح بالسوط".
· صدرت مؤخرا تصريحات من رئيس الوزراء التركي بأن تركيا لديها استعداد للحديث مع مصر لكنها تنتظر اللحظة المناسبة، ما هي اللحظة المناسبة من وجهة نظرك؟
اللحظة المناسبة تأتى من خلال أمرين: أن تثبت نفسك كنظام راسخ بالداخل من خلال استكمال مؤسساتك السياسية والوصول إلى الوفاق الوطني، وأن تجيد استخدام كروتك وهى كثيرة فى الإقليم كله، وأن يشعر من هو أمامك أنك لاعب ماهر؛ وحينها سيلعب معك لعبة "الكسب المشترك" وليست لعبة "مكسب وخسارة".
· التشيع يغزو المنطقة، إيران تبتلع المنطقة العربية، كيف ترون العلاقات مع إيران؟
أولا: لابد أن نحدد ما هو المشروع الإيراني؟ المشروع الإيراني خليط من الفارسية واستعلائها والأيديولوجيا؛ وهذا لا يمكن أن ينجح في منطقتنا من خلال الفارسية، لابد من رؤية أيديولوجية، وهنا تدخل محاولة دعم التشييع والأقليات الشيعية، أي محاولة تحريف الإسلام؛ فإن هذا ما يمكنهم من اختراق المنطقة ليس باعتبارهم فرسا لكن باعتبارهم مسلمين يحملون الفكر الإسلامي، "وعشان كده تجد المزايدة في موضوع إسرائيل، وفي موضوع العدو الشيطان الأكبر، ثم هم مع الشيطان الأكبر الآن زي السمن والعسل وهيوصلوا لاتفاق، وهذا الاتفاق سيكون على حساب الخليج؛ ومن ثم على حساب العرب"؛ إذن إيران لها طموح وعلينا أن نروض طموحها، ولو قبلت أنها تسوق المنطقة ستتحول إلى تابع أو مستضعف مع قوة "شايفة نفسها على عتبة امتلاك السلاح النووي"، المفروض أن يكون لنا خطنا الاستراتيجي الخاص و"هو ترويض طموحها

· ما رأيك في قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية قوانين الانتخابات؟
قرار المحكمة الدستورية الجميع كان يتوقعه حتى قبل أن يرفع أحد أي قضية، كل الأحزاب كانت تتوقع ذلك، وهنا يلقى اللوم على من وضع هذا القانون، وهنا تحضرني دعابة "واحد خد نص متر قماش وراح لترزي قاله أنا عاوزك تعملي بدلة، والعيال أي حد من العيال دي على الأقل شورت؛ فالترزي بص للراجل وقاله: بدلة وكذا شورت من نص متر قماش؟! فقاله: بشطارتك وفهلوتك أعملها، الترزي قاله: حاضر، تعالى بعد أسبوع لقى الراجل جايبله بدلة قد كف الأيد ومعاهم كام شورت قدهم بالظبط، قاله: إيه ده ألبسهم أزاي؟ الترزي قاله: بشطارتك وفهلوتك ألبسهم! فالكل الآن يوجه اللوم للجنة التي وضعت هذا القانون، واللوم في الأساس لابد أن يوجه لغيرهم".

· ما تأثير تأجيل الانتخابات على الاستقرار السياسي قبل المؤتمر الاقتصادي؟
عندك مؤسسات لابد أن تستكمل "وداخل على مؤتمر اقتصادي لازم تبين إن فيه إيحاء بالاستقرار"، والبعض يريد أن يبتزك وأنت تعطي له السلاح الذي يجعل الابتزاز أطول وأعمق! نحن بصدد الفكر الذي يفتقد إلى أي فكر، مصر تحتاج لمن ينقذها منه ومن أهله.
· كيف ترى المستقبل؟
لا يعلم الغيب إلا الله, لكني أحدثك -عما يقرب عندي من اليقين- أن الخير قادم، عندما ترصد الحوادث وتضعها في نقاط، ثم تصل خطا ستجد أن الخط سيتجه نحو رفعة ونمو وتمكين هذه الأمة العظيمة.