• الرئيسية
  • الأخبار
  • الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب تدخل مرحلة خطرة بعد تنافسهما على استضافة حوار الفرقاء الليبيين

الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب تدخل مرحلة خطرة بعد تنافسهما على استضافة حوار الفرقاء الليبيين

  • 103
صورة أرشيفية

الجزائر تستقبل أكثر من 200 شخصية ليبية معظمهم من معسكر طرابلس وتبرم العديد من الاتفاقيات معهم
قلق جزائري من مساندة مصر للحكومة الشرعية طبرق يقابله عدم مبالاة من التدخل التركي القطري في طرابلس

تلوح في الأفق العربي بوادر أزمة جديدة تضاف إلى الأزمات المتلاحقة التي تعاني منها الأمة العربية بشكل عام، والثنائية بين الجزائر والمغرب بصفة خاصة؛ والموضوع هذه المرة ليس له علاقة بالنزاع السياسي بين البلدين حول الصحراء المغربية التي تطالب بها المغرب، وهو موقف تسانده جميع الدول العربية فيما عدا الجزائر التي تساند الانفصاليين في مطالبهم بدولة مستقلة؛ ففي الأسبوع الماضي دخلت الأزمة الليبية حلبة الصراع بين البلدين بعد استضافة الجزائر لحوار بين عدد محدود من الشخصيات السياسية الليبية في خطوة أثارت استغراب المتابعين لملف الحوار بين فرقاء الأزمة الليبية، خاصة أن الاستضافة جاءت قبل يوم واحد من عقد الجلسة الثانية للحوار الليبي ـ الليبي في المغرب الذي ترعاه الأمم المتحدة؛ ما جدد الاتهامات الموجهة إلى الجزائر بالسعي لإبقاء تنظيم "الإخوان" كشريك في السلطة بليبيا.
وللوهلة الأولى بدا الأمر كردة فعل من قبل الجزائريين على نجاح جيرانهم "اللدودين" المغاربة في استضافة المؤتمر تأكيدا للسمعة التي اكتسبتها المملكة كوسيط يحظى بثقة جميع أطراف الأزمة، إلا أن ذلك ليس هو السبب الوحيد لمسارعة الجزائر باستضافة هذا الاجتماع.
وحضر لقاء الجزائر محمد صوان من حزب "العدالة والبناء"، ممثلا عن الإخوان، وعبد الحكيم بلحاج، رئيس حزب "الوطن" والقيادي السابق في "الجبهة الليبية المقاتلة"، بالإضافة إلى أعضاء من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته والذي يسيطر على العاصمة طرابلس.
وانتهت جولة الحوار التي عقدت في الجزائر يومي 10 و11 مارس الجاري، بتبني وثيقة تدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، والحل السياسي للأزمة؛ وليس من المصادفة أنها نفس مطالب أمريكا والاتحاد الأوروبي ومعهما تركيا وقطر وهي نفس الأطراف التي صنعت الأزمة بالقضاء على نظام القذافي دون الانتظار لاستكمال باقي مؤسسات الدولة ومن ثم تركها للفوضى التي تحكمها قوة السلاح. وهو ما اعتبره مقربون من البرلمان المنتخب في برقة دعما لـ"الانقلاب على الشرعية"، ومحاولة حثيثة لإعادة الإخوان إلى السلطة.
وتحاول الجزائر التفرقة بين الإخوان وحلفاءهم الذين يسيطرون على العاصمة طرابلس، وبين مليشيا تنظيم "الدولة" في الشرق، وهي الخطوة التي لم تلقى قبولا لدى الحكومة الشرعية في طبرق والتي ترى في تبرئة داعمي مليشيا "فجر ليبيا" ما يبرر سيطرتها بالقوة على السلطة وتشريعا لانقسام ليبيا.
الغريب أن الجزائر كانت البلد العربي الوحيد في شمال أفريقيا الذي لم يتعرض لأي ثورات أو اضطرابات سياسية قضت على نظام الحكم فيه، حيث نجحت الشعوب في كل من تونس ومصر وليبيا في إزاحة أنظمة الحكم القمعية فيها في العام 2011، ومن ثم صعدت أنظمة أخرى إلى سدة الحكم باستثناء المغرب الذي قام بعملية "احتواء" للثورة وأجرى تعديلات على الدستور تسلم بمقتضاها حزب "العدالة والتنمية" الذراع السياسية لإخوان المغرب.
واستغلت في الحفاظ على نظامها الحاكم خوف الجزائريين مما يوصف في الوجدان الجزائري بـ"العشرية" السوداء، ويقصد بها عقد التسعينيات من القرن الماضي عندما عانت البلاد من عمليات قتل راح ضحيتها مئات الآلاف تم نسبتها لـ"الإسلاميين المتشددين" إثر إلغاء نتائج الانتخابات التي فازوا بها.

توجس من الدور المصري
لذلك كان من الغريب محاولتها التقرب إلى "الإسلاميين المتشددين" في ليبيا الآن؛ ولا يبرر موقف الحكومة الجزائرية هذا إلا شعورها بحالة من القلق من النجاح المصري المتصاعد بعد أن ساعدت القاهرة البرلمان المنتخب في طبرق "شرق" في انتزاع الشرعية من البرلمان المنتهية ولايته في طرابلس "غرب"، وهي محاولة للحفاظ على شيء من هيبة الدولة الجزائرية ولعب دور زعيم المغرب العربي الذي طالما تنافست عليه مع المملكة المغربية، كما أن هاجسا بأن مصر في طريقها للعب دور محوري في ليبيا خاصة بعد تعيين الفريق خليفة حفتر المدعوم مصريا في منصب القائد العام للجيش الليبي، وتخشى الجزائر من ازدياد النفوذ المصري في ليبيا إذا نجح البرلمان المنتخب والذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له في انتزاع السيادة على كامل ليبيا، وبالتالي فقدانها ورقة مهمة تحفظ لها نفوذها إذا خسرت معركة "زرع" أو إشراك شخصيات من البرلمان غير الشرعي الذي يرفض تسليم السلطة ويتحصن في طرابلس العاصمة ويسيطر عليها مع أجزاء كبيرة من غرب ليبيا المتاخم لدولتي الجزائر وتونس.
ويدعم هذا المذهب أن الجزائر التي تبدي قلقها من الدورين المصري والمغربي في ليبيا، وهو حق مشروع لهما بحكم مصالح الأمن القومي للبلدين وقربهما الجغرافي منها؛ لا تبدي الجزائر نفس القدر من القلق تجاه نفوذ أطراف وقوى من خارج المنطقة أو حتى القارة ولها من السطوة ما يقلق أي جار لليبيا ألا وهما تركيا وقطر، فضلا عن الاتحاد الأوروبي وأمريكا ، وهي الأطراف التي دمرت الجيش الليبي وتركت البلاد لفوضى مسلحة تهدد أمن جيرانها ومن ضمنهم بالطبع الجزائر التي لها خصوصيتها في هذه المسألة، بل وقامت أمريكا غير مرة بالإغارة على ليبيا واختطاف شخصيات ليبية ترى أنهم خطر يتهدد أمنها منهم أبو ختالة وأبو أنس الليبي الذي قضى مؤخرا في السجون الأمريكية.

خلاف تاريخي مع المغرب
ولئن كان لدى الجزائريين تخوفهم من دور مصري متنام في ليبيا، فإن حساسيتهم تجاه الدور المغربي أكثر شدة بحكم الإرث الاستعماري المشترك حيث كان الاحتلال الفرنسي القاسم المشترك بين البلدين مضافا إليهما موريتانيا وتونس، حيث كان الاحتلال الفرنسي مباشرا واستيطانيا في الجزائر، في مقابل مجرد "حماية" في ظل استمرار الدولة الشرعية في المغرب؛ وزاد من حساسية وضع الجزائر سلوك الاستعمار الفرنسي في تعامله مع الجزائر باعتبارها مقاطعة فرنسية في شمال أفريقيا، وكان هذا أساس التعامل معها على جميع المستويات، بما في ذلك تحديد حدودها الجغرافية، حيث عمد المستعمر الفرنسي إلى ضم أجزاء واسعة من الأراضي المغربية إلى الجزائر التي لم يكن يخطط يوما في الانسحاب منها.
وتجلت هذه الحساسية أيضا في الخلاف السياسي بين البلدين فيما يخص قضية الصحراء المغربية التي تطالب "جبهة البوليساريو" اليسارية إلى الانفصال وإعلان دولة مستقلة فيها وتتلقى في ذلك دعما جزائريا غير محدود، سمح لها بإرسال عناصرها إلى ليبيا، عبر الأراضي الجزائرية، للقتال إلى جانب الميليشيا المساندة للقوى المسيطرة في طرابلس العاصمة؛ وهو وضع يثير الاستغراب من الموقف الجزائري من جهتيه في ليبيا والمغرب، فهي ـ الجزائر ـ بهذا الموقف تشجع على المزيد من تفتيت الوحدات السياسية العربية التي تعاني من مؤامرات خارجية ومحاولات محمومة لدفعها نحو مزيد من التقسيم ومن ثم التفتيت!
وبعد التحرر من الاستعمار الفرنسي، كان من الطبيعي أن يصطف الجزائريون إلى جانب القوى الإقليمية والدولية التي ساندت ثورتهم ونضالهم من أجل الاستقلال، وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي السابق وكل القوى التي تربطها علاقات تنسيقية أو تحالفية معه مثل مصر. وفي المقابل اعتبرت القيادة الجزائرية أن المغرب حليف للإمبريالية الأمريكية في المنطقة، وبالتالي فإن المطلوب منها هو مناهضته على جميع المستويات، بما في ذلك مسألة استرجاع أراضيه، واستكمال وحدته الترابية، بحجة الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو "مبدأ" يجافى أبسط التصورات الوطنية التحررية؛ وذلك على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمه المغرب للجزائر في عهدي عاهليه الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، ورغم ما قدمته لها الحركة الوطنية المغربية، انطلاقا من قناعتها بالنضال المشترك في أفق تحقيق الأهداف المشتركة للشعبين المغربي والجزائري.
واعتقدت القيادات السياسية والعسكرية المتعاقبة في الجزائر، بأحقيتها في فرض إرادتها السياسية، على مجمل دول المنطقة، وأن لواء القيادة يجب أن يعقد لها منفردة؛ رغم أن اتجاها مؤثرا في الثورة الجزائرية، كان يرى أن مسألة الحدود مع المغرب سيتم حلها، بشكل ودي، بينهما، عندما يتم دحر المستعمر. غير أن القيادة الجزائرية، التي استلمت الحكم بعد نجاح الثورة، تنكرت لكل ذلك، واعتبرت أنها قد قدمت ضريبة الدم بخصوص كل شبر انسحب منه المستعمر الفرنسي، وهو ما أدى إلى اندلاع ما يطلق عليه بـ"حرب الرمال" بين المغرب والجزائر، عام 1963. وهي حرب حاول الجزائريون، دوما، الإيحاء باعتبارها عدوانا مغربيا عليهم من أجل إسقاط حكم الثورة، في تجاهل تام للأسباب الحقيقية التي كانت تقف وراء اندلاع ذاك النزاع.
وتجسد قضية الصحراء المغربية بشكل ملموس سياسة الجزائر المناوئة للمغرب، وتحكمت في هذه القضية عدة عوامل متداخلة، يتلخص أهمها في عنصرين، الأول هو محاولة خلق دويلة في المنطقة المغاربية، لاستكمال المشروع الاستعماري لإسبانيا، وبالنيابة عنها، لإقامة "حاجز سياسي" بين المغرب وعمقه الأفريقي، وكذلك عدم إتاحة أي فرصة أمامه لاسترجاع أراضيه الّتي ضمتها فرنسا إلى الجزائر من خلال ترسيم نهائي للحدود بينهما.
كما أن محاولة خلق توتر ما بين الجزائر ومحيطه المستقر ممثلا في كل من مصر والمغرب يتيح الفرصة للمجموعة القائمة على الحكم في البلاد، بزعامة سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، لإلهاء الشعب الجزائري عن معاول الفساد التي تهدم بلاده وتنهب ثرواته وتحكم الدولة من وراء ستار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يعاني من أمراض مزمنة تعيقه عن أداء مهامة الرئاسية؛ ولولا الإحساس بالقلق على مستقبل البلاد الذي صدره القائمون على الحكم للشعب الجزائري لما أعاد انتخابه لفترة رابعة.
الخلاصة أن نظام الحكم يحاول الهرب من مشاكله الداخلية عبر افتعال المشاكل من جيرانه المستقرين وإقامة علاقات مع أسباب زعزعة الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا بأسرها، وهناك سوابق تنذر بأن النيران تشتعل في من يلعب بها دون إدراك للعواقب.