• الرئيسية
  • الأخبار
  • الدعوة السلفية قادت جهادًا دفاعًا عن "مواد الهوية" بداية من استفتاء "مارس" وحزب النور أكمل المسيرة

الدعوة السلفية قادت جهادًا دفاعًا عن "مواد الهوية" بداية من استفتاء "مارس" وحزب النور أكمل المسيرة

  • 128

دشنت حملة للدفاع عن المادة الثانية بعد ثورة يناير
نجحت في وضع المادة "219" في دستور 2012
ضبط معنى مبادئ في التعديلات الدستورية 2013 رغم العقبات والظروف المحيطة

كان موقف الدعوة السلفية قبل 25 يناير هو عدم المشاركة السياسية ومع هذا كانت توضح أن المشاركة السياسية على نوعين الأول نوع يتم فيه الإقرار بباطل وهو محرم، والثانى نوع لا يتضمن هذا وهو خاضع للمصالح والمفاسد.

ومع هذا كانت الدعوة تهتم قدر الإمكان بأن يكون النظام القانونى أقرب ما يمكن إلى الشريعة، فكانت تنتقد القوانين المخالفة للشريعة مثل ما كان يزمع عمله من الاستجابة لمطالب مؤتمر السكان وكانت فى هذا تستخدم المادة الثانية من الدستور كحجة يلتزم القوم بها.

كما ساهمت فى مناقشة ما كان يطرح فى المجتمع من قوانين مثل قانون الخلع عبر أدبيات مكتوبة ومسموعة.

ومع قيام ثورة 25 يناير بدأ بعض العالمانيين يتحرشون بالمادة الثانية بين مطالب بإلغائها أو مطالب بإدخال تعديل عليها يسقط حجيتها بالكلية وكان معظم الإسلاميين البارزين فى الميدان السياسى والثورى مشغولين بقضية الحريات عن قضية المادة الثانية معتبرين أن وجودها لم يمنع الدولة من البطش بالملتزمين.

وعلى الرغم من عدم انشغال الدعوة السلفية بالعمل السياسى آنذاك فإنها على خلفية اهتمامها بمتابعة القوانين والقرارات التى كانت تصدر كانت تدرك القيمة الدستورية للمادة الثانية وكيف أنها كانت عائقا أمام بعض القوانين والقرارات: مثل قرار منع النقاب فى الجامعات، وأما قرار وزير التعليم بتوحيد زى فى المدارس والذى كان الغرض منه منع الحجاب فلم تقر المحكمة منه إلا منع النقاب بصفته أمرا اجتهاديا بينما قررت أن القرار يبقى صحيحا مادام لم يتعارض مع العورة المتفق عليها (وهو ما قلل من خطر هذا القرار فى وقت كان الوزراء يتسابقون فى استرضاء توجه الدولة إلى مسايرة الغرب فى فلسفته تجاه المرأة).

حملة الدفاع عن المادة الثانية

فنتيجة لذلك نظمت الدعوة السلفية حملة الدفاع عن المادة الثانية وانخرط فيها كوادرها بتلقائية شديدة دون أن يعتبر أحد أن هذه الحملة تقتضى مراجعة موقف الدعوة من العمل السياسى لاستشعار الجميع أهمية هذا العمل.

تشكلت لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشرى وعضوية الأستاذ صبحى صالح وقررت تعديل المواد الخاصة بشروط الترشيح لرئاسة الجمهورية ومدة الترشيح وقانون الطوارئ وإلغاء قانون الإرهاب فقط، وهاجم العالمانيون اللجنة لا لشيء إلا لأنها لم تستجب لمطالبهم بتعديل المادة الثانية، ودافع الإسلاميون عن اللجنة من أجل حفاظها على المادة الثانية حتى كانت المادة الثانية هى الحاضر الغائب فى هذا الاستفتاء.

كانت النتيجة لصالح (نعم) بنسبة 79% رغم الحملة الإعلامية الشرسة التى حاولت حشد الناس للتصويت بـ (لا) مما أعطى آمالا عريضة فى:
ـ أ ـ استعداد الجمهور لمناصرة قضايا الشريعة.
ـ ب ـ نزاهة الاستفتاءات والانتخابات.
وبعد الانتهاء من الاستفتاء درست الدعوة موقفها من العمل السياسى ووجدت أن الظرف الذى أوجد ما يشبه الإجماع داخل الحركة الإسلامية بالاشتراك فى استفتاء 19 مارس ما زال قائما حيث نصت التعديلات على عمل دستور جديد من خلال البرلمان الذى سيتم انتخابه.

الانخراط في العمل السياسي

وبناء عليه درست الدعوة السلفية موقفها من العمل السياسى وأعادت تقدير الواقع وفق الضوابط المعلنة سابقا ومن ثم كان قرار المشاركة السياسية مادام أمكن تحقيق الضوابط لا سيما فى حالة إعداد الدستور.

وهل يقتصر الأمر على كتابة الدستور أم يتعدى الأمر إلى المشاركة السياسية على الدوام وانتهى الأمر إلى تقرير الآتى:
ـ أ ـ أن كتابة الدستور مرحلة فى غاية الأهمية لكونه يحكم عمل جميع مؤسسات الدولة.
ـ ب ـ أنه فى حالة كتابة دستور يمنع البشر من سن قوانين تخالف شرع الله فمن الجائز فى ظل مثل هذا الدستور أن تشارك فى السلطة التشريعية أو التنفيذية بغرض الإصلاح.

الحاجة إلى تدشين حزب سياسى

ومن هنا نشأت الحاجة إلى إنشاء حزب سياسى يعبر عن هذا التوجه الذى لو أردت أن تضع له هدفا رئيسيا لكان (نحو دستور يقرر المرجعية العليا للشريعة الإسلامية ويحترم الهوية الإسلامية لمصر) وتكون الحزب.

وكان نظام مبارك قد أدخل تعديلا على الدستور فى عام 2007 يحظر قيام حزب (قائم على مرجعية دينية أو أساس دينى).

ورغم أن هذه المادة لم تدخل فى استفتاء 19 مارس فإن المجلس العسكرى قام باستدعاء بعض مواد دستور 71 وليست كلها وضم إليها المواد المستفتى عليها وأصدر بها إعلانا دستوريا فى 30 مارس وعدل هذه المادة لتصبح (منع قيام حزب على أساس دينى ) ولم يحظر قيام حزب على مرجعية دينية.
وفى ظل هذا الإعلان الدستورى حصل حزب الوسط على حكم قضائى بتأسيسه ثم تأسس حزب الحرية والعدالة وحزب النور وحزب البناء والتنمية الذى لم يكتف بذكر الشريعة فى برنامجه وإنما أضاف إليها " تطبيق الحدود " ومن ثم قامت لجنة شئون الأحزاب برفض تأسيسه ورفع الحزب دعوى قضائية قضت فيها محكمة القضاء الإدارى بأنه لم يخرج عن المرجعية الدينية ولكنه ليس قائما على أساس دينى وتم تأسيسه بناء على ذلك.
ودخل حزب النور الانتخابات وفاز بـ 25% من مقاعد البرلمان مما اعتبره الكثيرون مفاجأة كبيرة وكما أسلفنا كانت قضية التعبير عن الهوية فى الدستور قضية محورية بالنسبة لحزب النور.

كان استفتاء 19 مارس 2011 الذى تحول إلى ما يشبه الاستفتاء على المادة الثانية قد أعطى هذه المادة حصانة تمنع من محاولة التعرض لحذفها أو الانتقاص منها فبدأت دعوى تروج لتفسير هذه المبادئ بأنها (الحرية – العدالة – المساواة) وهى غايات مشتركة بين كل البشر (ولكنهم يخطئونها أو ينحازون لإحداها على حساب الأخرى ما لم ينضبطوا بشرع الله) والحاصل أن هذا التفسير يجعل البرلمان يشرع ما شاء مخالفا للشريعة بدعوى أنه يحقق هذه (المبادئ).

وبدأنا نبحث هل نحن فى حاجة إلى (تجويد) المادة الثانية أم أننا بحاجة إلى تثبيت تفسير المحكمة الدستورية لها أم أنها لا تحتاج إلى شيء وببحث الأمر تبين الآتى:

ـ أ ـ على خلاف المعتاد فى جميع المحاكم العليا فإن المحكمة الدستورية العليا من حقها إعادة تفسير مادة دستورية سبق لها أن فسرتها.
ـ ب ـ أن المحكمة الدستورية العليا قد فعلت هذا بالفعل فى المادة الثانية فكانت تقرر فى أحكامها تعريفا منضبطا للمبادئ فى الفترة مابين 1985 إلى 1996 تعرف فيه المبادئ بالأحكام وتنص على أن هذا القيد ملزم فيما يستقبل ويلزم مراجعة ما مضى.
ـ ت ـ فى حين جنحت المحكمة الدستورية منذ 1996 إلى التفريق بين قطعى الثبوت قطعى الدلالة وبين ما كان ظنيا فى ثبوته أو دلالته أو فيهما معا وليس المشكلة فى مبدأ التقسيم وإنما كانت المشكلة فى:
ـ الحكم بجواز الاجتهاد فى كل ما سوى قطعى الثبوت والدلالة.

وهذا يسمح بالاجتهاد فى مخالفة فى كل من الإجماع ونصوص السنة الصحيحة قطعية الدلالة وكلاهما مما لا يجوز فيه الاختلاف:
(هذا ظاهر ذلك التعريف رغم وجود أحكام للمحكمة بإبطال قوانين لمخالفتها الإجماع).
كما أنه استعمل لفظ "لا كذلك" فى التفريع مما يوهم الفصل التام لما بعده عما قبله ومن ثم يوهم حصر المبادئ فى قطعى الثبوت قطعى الدلالة.
ـ ث ـ والأخطر من ذلك أن بعض الأحكام المتأخرة للمحكمة قد ركزت فى ضوابط الاجتهاد على العقل والمصلحة مما يعرب عن توجه للتحلل من ضوابط الاجتهاد.
ــ ومن هذا العرض يتبين الحاجة الماسة إلى ضبط المادة الثانية وهذا لا يعنى أنها بصيغتها منذ 1980عديمة الفائدة ولكنها حتى بعد تفسير 96 كانت تمنع بعض الانحرافات الكبرى بينما تسمح بغيرها.

تجويد المادة الثانية فى دستور 2012

ـ كان التصور المبدئى هو حذف (مبادئ) إلى غير بدل أو مع وضع أدلة أو أحكام هذا التوجه قوبل بالرفض من كل من: القوى العالمانية، والإخوان.

وتم النقاش مع الأزهر وفى سبيل التوافق تم اقتراح أن يتضمن الدستور تعريفا لكلمة مبادئ يحقق الآتى :
ـ 1 ـ أن يعالج الخلل فى تفسير 96 والذى تتابعت عليه أحكام المحكمة (بل ربما تخففت من ذكر بعض ضوابط الاجتهاد أحيانا).
ـ 2 ـ يكون ملزما للمحكمة بحيث لا يتيح لها أخذ التفسيرات التى كانت مطروحة والتى تفقد المادة أى معنى لها وتم التوافق على إضافة المادة 219 ونصها:
(مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة).
ـ قدمنا أننا اشتركنا فى العمل السياسى على أثر اشتراكنا بقوة فى استفتاء 19 مارس 2011 والذى كانت ميزته الأساسية عدم المساس بالمادة الثانية وحيث إنه قرر إعداد دستور بعد الانتخابات البرلمانية وتصدر (مشروع إعداد الدستور الجديد) قائمة أولويات الحزب.

وكانت أهدافنا العامة للحزب فى الدستور هى:
أولا- تقرير دستور موافق للشريعة أو على الأقل خال من المخالفات الفجة المستعصية على التأويل بحيث يمكن بعد ذلك المشاركة السياسية فى ظله أو القسم عليه.
ثانيا - أيجاد الأثر القانونى الذى يلزم أجهزة الدولة بعدم مخالفة الشريعة ويلزم المحكمة الدستورية بإبطال هذه المخالفات متى عرضت عليها.
ثالثا - إسناد أمر الشريعة إلى المؤسسة الدينية.
رابعا- ضبط الألفاظ التى اعتاد القانونيون إطلاقها التى قد يكون فى إطلاقها مخالفة شرعية (حتى لو كان المتحدث يعنى بها معنى صحيحا) وهذا بإحدى طريقة من هذه الطرق:
ـ أ ـ ضبط فى ذات المادة.
ـ ب ـ وضع قيد فى مادة أخرى.
ـ ج ـ تضمين المضابط تفسيرات شرعية للعبارات المجملة.

المادة "219"

وأسفر هذا بفضل الله عن وضع المادة 219 كما تقدم، وإضافة المادة الرابعة التى تتحدث عن مرجعية هيئة كبار العلماء فى شئون الشريعة، وضع المادة 81 التى تضبط باب الحريات بباب المقومات، ووضع صياغة جديدة لمادة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون" بما يدفع عنها احتمال تضمنها استحلال المحرمات.

كما تم تجويد صياغة عدد من المواد ووضع كلمة الشورى بجوار الديموقراطية ووضع مادة عن الوقف ووضع فى المشروع مادة عن الزكاة إلا أنها حذفت إثر تهديد الكنيسة بالانسحاب.

على الرغم من أن السبب الرئيسى لانسحاب القوى العالمانية والكنيسة كان هو هذه المواد فإنهم فى حملتهم لرفض الدستور اعتمدوا على ملاحظات على مواد أخرى بعضها موضوعى و بعضها متكلف.
كما أن انتخابات الرئاسة كانت قد أفرزت تيارا مناوئا للتيار الإسلامى عموما كرد فعل لتراجع الإخوان عن وعودهم السابقة بعدم الدفع بمرشح رئاسى.
وكان الاستفتاء قد أجرى على يومين جاءت نتيجة اليوم الأول صادمة إذ لم تتفوق (نعم) على (لا) إلا بفارق مليون صوت ثم جاءت المرحلة الثانية لتعدل النتيجة شيئا ما ويفوز الدستور بنسبة 64%.
وكان هذا الاستفتاء درسا فى أهمية التعامل الذكى مع الكتلة الجماهيرية التى لا تحدد مواقفها إلا فى اللحظات الأخيرة التى تحتاج إلى من يحترمها ويقدرها.

التعديلات الدستورية 2013

لم تختلف الأهداف العامة فى هذه المرة عن سابقتها وهى كما سبق بيانها:

أولا- تقرير دستور موافق للشريعة أو على الأقل خال من المخالفات الفجة المستعصية على التأويل بحيث يمكن بعد ذلك المشاركة السياسية فى ظله أو القسم عليه.
ثانيا- إيجاد الأثر القانونى الذى يلزم أجهزة الدولة بعدم مخالفة الشريعة ويعطى المحكمة الدستورية الحق فى إبطال هذه المخالفات حال وجودها.
ثالثا- إسناد أمر الشريعة إلى المؤسسة الدينية.
رابعا- ضبط الألفاظ التى اعتاد القانونيون إطلاقها التى قد يكون فى إطلاقها مخالفة شرعية (حتى لو كان المتحدث يعنى بها معنى صحيحا) وهذا بإحدى الطرق الآتية الطرق :
ـ أ ـ ضبط فى ذات المادة.
ـ ب ـ وضع قيد فى مادة أخرى.
ـ ج ـ تضمين المضابط تفسيرات شرعية للعبارات المجملة.

وفى سبيل هذه الأهداف تم الآتى:
ـ 1 ـ بديل المادة 219.

كانت هناك اعتراضات كبيرة على المادة 219 منها:
- عدم اعتياد مبدأ وجود مادة مفسرة فى صلب الدستور.
- أن تعريف المبادئ بالمصادر عكس للقضية فالمصادر يستنبط منها الأحكام والمبادئ.
- تمرير المادة بالطريقة التى مرت بها فيه انتقاص من المحكمة الدستورية العليا.
- تخويف البعض للكنيسة من صياغات معينة.

وقد تم التغلب على هذه المشكلة بالإحالة على (مجموع) أحكام المحكمة الدستورية مع وضع الأحكام المطلوبة فى مضبطة مستقلة والنص على ذلك فى الديباجة مما يجعلها كافية تماما للدلالة على المقصود.
ـ 2ـ تم الحفاظ على مادة مرجعية الأزهر وجعل ذلك فى العلوم الإسلامية والشئون الدينية.
ـ 3ـ مادة أن الدستور كله وحدة موضوعية واحدة أغنت عن المادة 81 فى دستور 2012 وعن قيد عدم مخالفة الشريعة فى مادة.
ـ 4ـ تم العودة لصياغة مادة " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون" مع محاولاتنا فى تعديل النص ولكن كانت هناك تخوفات شديدة من أن يكون المقصود من التعديل هو السماح للقضاة بتطبيق الشريعة من عند أنفسهم.

إلا أن الأمر تم علاجه من عدة جهات:
ـ أ ـ المادة التى تتحدث عن أن الدستور وحدة واحدة.
ـ ب ـ تضمين المضبطة حكما من أحكام المحكمة الدستورية يصف شرب الخمر بأنه "من جرائم الحدود فى الشريعة الإسلامية" وهو الحكم رقم 141 لسنة 4 قضائية.
ـ ت ـ وجود عدة مواد تجرم أفعال معينة لم يصدر بها قانون بعد وهذه كله كاف لتقييد لا جريمة بأنها "جريمة مقدر عليها عقوبة نافذة فى الوقت الحالى".
ـ 5 ـ مادة " تجريم سب الأنبياء والرسل" تم الإثبات فى المضابط أنها من الثوابت لدى الشعب المصرى وإن كان تم حذفها لأن مكانها القانون ولوجود حساسية لدى البعض من كثرة المواد ذات الصبغة الدينية ولكن لا يوجد أى شيء يستفاد منه الإباحة وقد كانت مسودات دستور 2012 تتضمن تجريم سب الصحابة وتم حذفها فى أثناء المناقشات لنفس العلة.
ـ 6ـ النص على "حكومتها مدنية" عندما أصر البعض على وضع كلمة مدنية وهى عندما تأتى وصفا لحكومة تؤكد معنى الرفض التام لذكر العالمانية صريحة كانت أو مقنعة.

ضبط معنى مبادئ في التعديلات الدستورية 2013

ـ لا تتعرض المحكمة الدستورية إلى تفسير مواد الدستور هكذا من تلقاء نفسها ولكن عندما يعرض عليها طعن بعدم دستورية قانون ما لمخالفته لمادة دستورية معينة تتصدى لمعنى النص الدستور إن أحتاج إلى تفسير ثم تنظر فى مدى موافقة القانون محل الطعن لهذا النص الدستورى.
ومن الطبيعى أن تنظر المحكمة قضايا تتعلق بنص دستورى محورى كمادة الشريعة عشرات المرات عبر تاريخها وعادة ما تبحث المحكمة المادة الدستورية فى أول مرة ثم تنقل أو تقتبس منه فى كل مرة تتعرض فيها لهذه المادة الدستورية إلا إذا رأت أن النص فى حاجة إلى مزيد بيان مما يتعين على من يريد تتبع تفسير المحكمة لمادة أن يبحث عن الأحكام المرجعية التى صارت أصلا لما وراءها ليعرف الخط العام لتفسير المادة لدى المحكمة

وبخصوص تفسير مبادئ الشريعة سنجد أن هناك حكمين مرجعيين فى تاريخ المحكمة الدستورية:
الأول- التفسير الذى تكرر فى عدة قضايا منها على سبيل المثال: القضية رقم 20 لسنة 1 قضائية والقضية رقم 47 لسنة 4 قضائية والقضية رقم 141 لسنة 4 قضائية (تم وضع الحكمين الأخيرين فى مضبطة جلسة التصويت النهائية للجنة الخمسين).
وهذه مقتطفات لبعض ما جاء فيها ـ مع وضع خط تحت بعض العبارات المهمة" ـ

وحيث إنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها على نحو ما سلف – أن المشرع الدستورى أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة – وهى بصدد وضع التشريعات – بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور فى تقريرها إلى مجلس الشعب والذى أقره المجلس بجلسة 19 يولية سنة 1979 وأكدته اللجنة التى أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 إبريل سنة 1980 إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور:


بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها " تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية البحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد فى الشريعة الإسلامية حكما صريحا، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية فى الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة والتى لاتخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة "….

و جاء فيه أيضا:
" الانتقال من النظام القانونى القائم حاليا فى مصر والذى يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانونى الإسلامى المتكامل يقتضى الأناة والتدقيق العملى، ومن هنا، فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى لم تكن مألوفة، أو معروفة وكذلك ما جد فى عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود فى المجتمع الدولى من صلات وعلاقات ومعاملات، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهودا، ومن ثم فإن تغيير النظام القانونى جميعه ينبغى أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة فى إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء".

الثانى- التفسير الوارد فى الدعوى رقم 8 لسنة 17 قضائية والصادر فى تاريخ 18 مايو 1996 و ما تلا هذا التاريخ من أحكام:
و جاء فيه :
" فلا يجوز لنص تشريعى، أن يناقض ‏الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون ‏الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى ‏لاتحتمل تأويلا أو تبديلا• ‏

‏ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية ‏على التعديل، ولايجوز الخروج عليها، أوالالتواء بها عن معناها

• وتنصب ولاية المحكمة ‏الدستورية العليا فى شأنها، على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها

• ذلك ‏أن المادة الثانية من الدستور، تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها ‏ومبادئها الكلية، إذ هى إطارها العام، وركائزها الأصيلة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون ‏إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اعتبر ذلك تشهيا وإنكارا لما علم من الدين بالضرورة

• ‏ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، ذلك أن دائرة الاجتهاد ‏تنحصر فيها، ولاتمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها ‏وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة ‏شرعا، ولايعطل بالتالى حركتهم فى الحياة، على أن يكون الاجتهاد دوما واقعا فى إطار الأصول ‏الكلية للشريعة بما لايجاوزها؛ ملتزما ضوابطها الثابتة، متحريا مناهج الاستدلال على الأحكام ‏العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلا صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ ‏على الدين والنفس والعقل والعرض والمال ".

و نلاحظ فى هذا التعريف الآتى :
أن الحكم يتضمن تفصيلا لمسألة كانت مجملة فى الحكم الأول (تفسير1985) هى:
ـ 1 ـ التفريق بين ما يقبل الاجتهاد وما لايقبل.
ـ 2 ـ تفصيل ضوابط الاجتهاد والتى قدمتها المحكمة بعبارات جامعة.
و يؤخذ على هذا التفسير عدة ملاحظات:
ـ أ ـ الحكم بجواز الاجتهاد فى كل ما سوى قطعى الثبوت والدلالة.
وهذا يسمح بالاجتهاد فى مخالفة فى كل من الإجماع ونصوص السنة الصحيحة قطعية الدلالة و كلاهما مما لا يجوز فيه الاختلاف.
ـ ب ـ كما أنه استعمل لفظ "لا كذلك" فى التفريع مما يوهم الفصل التام لما بعده عما قبله ومن ثم يهم بحصر المبادئ فى قطعى الثبوت قطعى الدلالة.
ـ ت ـ والأخطر من ذلك أن بعض الأحكام المتأخرة للمحكمة قد ركزت فى ضوابط الاجتهاد على العقل والمصلحة مما يعرب عن توجه للتحلل من ضوابط الاجتهاد.

وبتتبع موقف المحكمة من الإجماع الذى سقط من هذا التقسيم سنجد أنها اعتدت به وأبطلت قوانين لمخالفتها للإجماع وذلك فى القضية رقم 6 لسنة 9 قضائية الصادر فى 18 مارس 1995 والقضية قضية رقم116لسنة18 قضائية والصادر فى 2 أغسطس سنة 1997.
أن النص على الالتزام بمجموع أحكام المحكمة الدستورية يلزم الجمع بينها ويجمع جميع فوائدها، فيُستفاد من الأحكام التى على شاكلة حكم 85 الآتى:
ـ 1ـ لزوم رجوع المشرع إلى أحكام الشريعة.
ـ 2ـ يلتزم المشرع بالحكم الصريح إذا وجد وبقواعد الاجتهاد فى غيره.
ـ 3ـ لا يجوز الرجوع لمصدر آخر غير الشريعة.
ـ 4ـ يجب تغيير منظومة القوانين فى مصر لتكون فى إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء.
كما يفيد حكم 96 وما على شاكلته.
ـ 1 ـ امتناع الاجتهاد فى قطعى الثبوت قطعى الدلالة.
ـ 2 ـ بيان قواعد الاجتهاد فى غيره.

كما تبين الأحكام الأخرى المتعلقة بالإجماع:
أن المحكمة تجعله هو الآخر مما لا تجوز مخالفته فيكون الاجتهاد مقبولا فى المسائل التى دليلها ظنى فى الثبوت أو الدلالة او فيهما معا ما لم يجمع عليه.
وبالنص على مجموع أحكام المحكمة الدستورية مع إيداع حكم أو أكثر من كل نوع منها فى المضبطة يكون تفسير المبادئ قد عبر عنه بأفضل ما يكون.
ولكن فى المقابل ونتيجة حساسيات وضغوط وموازانات ورفض كل صور التلخيص التى قدمناها لهذه الأحكام لا سيما من قبل الكنيسة فكان الحل هو ما ذكرنا وهو رغم طول مسار الإحالة فيه فيه فإنها إحالة ملزمة على النحو التالى:
توجد مادة فى الدستور تؤكد حجية الديباجة.
والديباجة تؤكد أن التفسير بمجموع أحكام المحكمة الدستورية.
وهامش الديباجة يبين أن هذه الأحكام موضوعة فى مضبطة (الجلسة الختامية).

ومضبطة الجلسة الختامية فيها هذه الأحكام التى بيناها وهذه الأحكام الآتية:
أولا- أحكام بها التفسير الأول.
ـ 1 ـ قضية رقم 47 لسنة 4 قضائية دستورية الصادر فى 21-12-1985
ـ 2 ـ قضية رقم141لسنة4 قضائية دستورية الصادر فى 4-4-1987 .
ثانيا- أحكام بها التفسيرالثانى:
ـ 3 ـ قضية رقم 8 لسنة 17 قضاية دستورية والصادر فى 18-5-19996.
ـ 4 ـ قضية رقم 119 لسنة 21 قضائية دستورية.
ـ 5 ـ قضية رقم 297 لسنة 25 قضائية دستورية.
ثالثا- أحكام بها حجية الإجماع.
ـ 6 ـ قضية رقم 6 لسنة 9 قضائية دستورية.
ـ 7 ـ قضية رقم 116 لسنة 18 قضائية.