شركات توظيف الأموال تسطو على محافظات الصعيد

  • 293
ارشيفية


"المستريح" نصب على أموال المصريين تحت شعار الكسب بدون مجهود


الخبراء: حلم الثراء السريع وراء ظهور مافيا توظيف الأموال.. والنظام المصرفي لا يحقق طموحات المودعين


المختصون: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وصغار المستثمرين تقضي على هذه الظاهرة

عانت مصر طويلًا وما زالت من شركات توظيف الأموال الوهمية التي تستغل المواطنين وتقوم بجرائم نصب، وتسرق أموالهم تحت شعار"الكسب السريع وبدون مجهود".


ظهرت هذه الشركات في سبعينيات القرن الماضي، أثناء عصر الانفتاح في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، تحت مسميات كثيرة، وسرعان ما انهارت، وأشهرت إفلاسها وهرب أصحابها إلى الخارج بملايين الشعب، وشنت السلطات المصرية حملات عنيفة على شركات توظيف الأموال التي تسببت في ضياع ما يقرب من 3 مليارات جنيه، بعد أن نجحت في استقطاب شرائح كبيرة من مدخرات المصريين الذين عزفوا عن المصارف آنذاك لتدني أسعار الفائدة بها.


حتى ظهر "المستريح" الذي نصب على مئات المواطنين تحت ستار "تشغيل الأموال"، مقابل أرباح مالية أكبر من التي تعطيها البنوك والمصارف المصرية، ورغم ظهور مئات قبله لكن المواطنين للأسف الشديد لم يحذروا هذا الخطر، ويواصلون وضع أموالهم فى أماكن غير موثوقة على الإطلاق؛ وهو ما يزيد عدد ضحايا من يقوم بالنصب على المواطنين بحجة توظيف أموالهم.


"الفتح" حاولت رصد هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها؛ حيث أكد بيان صادر عن مكتب المستشار هشام بركات، النائب العام، بخصوص التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة مع رجل الأعمال أحمد مصطفى إبراهيم، "المستريح"، المعروف إعلاميًا بـ"ريان الصعيد"، أن المستريح بدأ مزاولة نشاطه منذ عام 2011، وجمع الأموال من المواطنين، وتشغيلها مقابل نسبة 11% من قيمة الأرباح، وظل نشاطه ساريًا حتى بداية هذا العام في جمع الأموال من المواطنين، لكنهم تقدموا بعدة بلاغات ضده، بعد أن توقف عن سداد قيمة الأرباح.


وأضاف البيان، أن التحقيقات الأولية للنيابة العامة انتهت إلى تلقي "المستريح" 54 مليون جنية رغم أن هناك عشرات البلاغات الأخرى التي لم تنظرها النيابة، والتي تقدر بـ200مليون جنيه، بزعم توظيفها واستثمارها في عدة مجالات تجارية مثل "تجارة بطاقات شحن التليفونات المحمولة، والاستثمار العقاري".


وأصدر النائب العام، قرارًا بمنعه من السفر خارج البلاد، والتحفظ على أمواله، وممتلكات زوجته وأولاده القصر، وإحالته للمحاكمة الجنائية العاجلة بتهمة تلقى أموال من الجمهور بغير ترخيص من الهيئة العامة للرقابة المالية والامتناع عن ردها.


قال الدكتور عبد المطلب عبد الحميد، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إن انتشار ظاهرة توظيف الأموال يرجع لعدم وجود ثقة المودعين والمستثمرين في الأجهزة المصرفية والبنوك، وخسائر البورصة وعدم استقرارها على مدار العقود السابقة.


وأضاف عبد الحميد قائلًا، إن مشاكل ضحايا "المستريح" من مودعين سوف تبدأ مع الحكومة، بعد أن فجرت الأزمة قضايا توظيف الأموال، والمتمثل في مطالبتهم بصرف تعويضات، والحصول على مستحقاتهم ومدخراتهم.


وأشار إلى أن رد مدخرات ضحايا "المستريح" سيتطلب أعوامًا كثيرة؛ حيث إنه اعترف بأنه استولى على أكثر من 200 مليون جنيه، وهذا سيتطلب إدارة وبيع أصول وأملاك "المستريح"، الغير صالحة للاستثمار لرد الإيداعات لأصحابها.


وأوضح أن أهم أسباب لجوء المواطنين لتوظيف الأموال هي العقبات والمشكلات التي تواجههم وعدم وجود فرص استثمارية حقيقية، خاصة في ظل الوضع الذي تعيشه مصر بعد ثورة يناير .


وطالب الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادي، تشجيع الدولة للاستثمار المباشر، ومنح قروض للشباب للمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ للقضاء على سرقة أموال الشعب تحت ستار "توظيف الأموال"، مع إعادة النظر فى المناخ الاستثمارى وعمل دراسات مستقبلية لتشجيع الانتاج والاستثمار؛ لأن مشكلة توظيف الأموال أكبر وأعمق من كونها جريمة نصب وسرقة.


وأضاف جودة، أن عدم استقرار أسواق البورصة العالمية، وهبوط وارتفاع العملات سبب في سلك طريق يحقق أرباح أكثر من مخاوفة المغامرة في الاستثمار في البورصة والمصارف والبنوك، مما أدى إلى اللجوء لشركات توظيف الأموال بهدف تحقيق عائد مادي كبير دون متاعب أو مشكلات، خاصة أن أصحاب شركات توظيف الأموال الوهمية يستغلون الضحايا ويعطونهم أرباحًا أضعاف ما يحصلون عليه من البورصة والبنوك والمصارف، تصل إلى 30 و40% من المبلغ الموظف.


وتابع: الوضع الحالي في مصر لا يشجع على الاستثمار؛ مما شجع المودعين على المخاطرة في شركات توظيف الأموال رغم كثرة الحوادث وحالات النصب.


وقال الدكتور يوسف محمد، المستشار الاقتصادي بهيئة الاستثمار، إن هناك اختلافًا كبيرًا بين المستثمرين والمودعين، فهناك من يحب أن يغامر بأمواله ظنًا منه أنه سوف ينسحب بها في الوقت المناسب قبل أن تتم عملية النصب، لكن الأرباح الكبيرة التي يحصل عليه في البداية تجعله في ثبات ونوم عميق لا يصحو منه إلا بعد فوات الأوان وقيام النصاب بسرقة أمواله.


وأضاف يوسف، أن النوع الآخر من المودعين يرغب في التقليل من حجم المخاطر بإيداع أمواله في البنوك أو البورصة مع تحقيق أرباح أقل، والاحتفاظ بأمواله وودائعه.


وأشار المستشار الاقتصادي، إلى أن أسباب ذهاب المدخرين لشركات توظيف الأموال "طمع بعض المستثمرين في تحصيل فوائد كبيرة، وتدني أسعار الفائدة بالمصارف، وتراجع جاذبية وفرص الاستثمار في الذهب والبورصة والعملات خاصة الدولار".


وتابع: أن هذه الأسباب جعلت مئات المصريين فريسة الوقوع في فخ شركات توظيف الأموال التي ترفع شعار الربح السريع، وهو ما جذب لها شريحة من الباحثين عن الثراء السريع حتى ولو كان على حساب الضمان.


وأكد على ضرورة لجوء المستثمرين ومن يبحثون عن الإدخار اللجوء إلى وسائل استثمارية آمنة ومضمونة بدلًا من الجشع الذي يدفعهم للإقبال على شركات النصب.


وقال هشام رسلان، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستيراتيجية، إن كل الدراسات أكدت أن سبب لجوء المستثمرين لمثل هذه الشركات التي تبيع الوهم يرجع إلى "النظام المصرفي الفاشل، والنظام السيئ للبورصة المصرية.


وأضاف رسلان، أن سوء الإدارة المصرية على مر عقود طويلة، وعدم دعم صغار المستثمرين، كان من أهم الدوافع والأسباب التي كانت ملجأ لمن يريد أن يحقق أرباح وعوائد مالية.


وحذر من خطورة تفشي هذه الشركات التي سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد المصري في الوقت الذي تحتاج الدولة لرجال أعمال يعملون على دعم وتنمية الاقتصاد ودفع عجلة الانتاج.


قال إدريس المالكي، المحامي، إن حادثة "المستريح" تعد جريمة نصب يسهل إثباتها، وأكد أن حالات النصب في شركات توظيف الأموال تقع تحت طائلة القانون بتهمة الغش والتدليس فقط.


وأضاف المالكي، أن الكذب المجرد لا يعد جريمة، بل لابد أن تسانده دلائل أخرى مثل الأوراق التي تثبت حصوله على مبالغ دون وجه حق من الناس، أما الشخص الذي يستولى على أموال الآخرين بالكذب مثل "المستريح"، يذهب لمباحث الأموال العامة ثم النيابة، ولا ينال غير عقوبة الحبس الاحتياطي، وعندما يذهب للمحكمة يحصل على البراءة، بعد أن يتم الزامه برد المبالغ للمودعين بالإضافة للتعويض المادي والأدبي، إذا كانت لديه ممتلكات أو لا يزال المبلغ في حوزته، أما إذا كان لا يملك شيئًا فإن القضية تصبح منتهية، وليس هناك ما يبرر حبسه.


وشدد أيمن لوقا، العميد بإدارة مباحث الأموال العامة، لـ"الفتح" على ضرورة التعامل مع الجهات التي تسعى لاستقطاب أموال المواطنين بزعم استثمارها في نشاط تجارة العملات أو غيره من الأنشطة التجارية، من خلال تطبيق قانون "الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال" رقم 146لسنة 1988، الذي يحظر في مادته الأولى على غير الشركات المقيدة بالهيئة العامة للرقابة المالية، أن تتلقى أموالًا من الجمهور، وتحت مسمى لتوظيفها أو استثمارها.