الفلسطينيون ينتفضون ويشعلون الأرض نارًا تحت أقدام الاحتلال

  • 96
ارشيفية

الاحتلال يصعد إجراءاته القمعية ونتنياهو يوجه باستخدام القناصة
السلطة تكتفي بـ"تجميد" التنسيق الأمني وتطالب شعبها بـ"التهدئة"
الشعب الأعزل يأخذ بزمام المبادرة و"حركات" المقاومة تكتفي بـ"المباركة"


يبدو أن ما تمنته وتوقعته "الفتح" في عددها الماضي بانتفاض الشعب الفلسطيني وتجاوزه "حركات" وفصائل المقاومة الفلسطينية قد تحقق.. فشهد الأسبوع الماضي العديد من عمليات المقاومة الناجحة بحق مستوطنين وضباط بجيش الاحتلال، وكلها عمليات فردية نفذها شبان فلسطينيون فجعهم ما يحدث في القدس المحتلة والمسجد الأقصى من استباحة يومية من قبل قطعان المستوطنين المحميين بجنود الاحتلال المدججين بالسلاح في مواجهة مصلين ومرابطين "عزًل" من السلاح بحكم تواجدهم المستمر في المسجد الأقصى وبقوة الأمر الواقع حيث يصعب على كل سكان القدس والضفة المحتلتين حمل السلاح بعكس الحال في غزة التي تملك عدد من فصائل المقاومة المسلحة جيدا ويمكنها الدفاع عن نفسها في مواجهة قوات الاحتلال.

هذا بخلاف المواجهات اليومية التي يقوم بها شبان المدن والقرى الفلسطينية في الضفة حتى أحالوا اقتحامات آليات الاحتلال لهذه المناطق إلى مغامرات غير محسوبة العواقب بعد أن كانت نزهة يومية يمارسها جنود الاحتلال يداهمون من خلالها منازل النشطاء ويعتقلونهم دون أن يعترضهم أحد.
اليوم

أصبح الأمر مختلفا؛ حيث بدأت إرهاصات انتفاضة ثالثة تلوح في الأفق، وحيث لا يبدو أن هناك قوة أو تنظيما سياسيا أو "فصائليا" يمكنه تهدئةالشعب الغاضب لتدنيس مقدساته، فالجميع بلا استثناء خذل الفلسطينيين وتركهم كلأ مباحا لعدو لا يرعى إلاً ولا ذمة في ضعيف أو أعزل، ولا يتورع عن تدنيس أي مقدسات الغير فضلا عن محاولاته المستمرة للاستيلاء عليها بزعم أحقيته فيها!


خطاب عباس

في خطابه أمام الأمم المتحدة حذر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من عواقب الانتهاكات الصهيونية اليومية للمسجد الأقصى والتصعيد الإسرائيلي بحق سكان القدس المحتلة وباقي مدن الضفة.

عباس بدا لا حول له ولا قوة تجاه الإجراءات الصهيونية التصعيدية، حاول جاهدا الإمساك بآخر أوراقه الخاسرة ملوحا بإلغاء "أوسلو" وتحميل إسرائيل مسئولياتها أمام "المجتمع الدولي" وتجاه الفلسطينيين كدولة احتلال؛ هذا الخطاب الذي وصفه عباس بـ"القنبلة" قبل اجتماعات الأمم المتحدة بأكثر من شهر؛ حدثت خلاله العديد من التسريبات التي كشفت عن جزء كبير من مضمون "الخطاب القنبلة" ما أعطى الاحتلال فرصة كافية للعمل على إفشاله والتحسب لعواقبه؛ حتى أن بعض ساسة إسرائيل خرج ليسخر من قنبلة عباس التي لم تنفجر إلا في وجه الفلسطينيين الذين أدركوا أن للساسة حساباتهم البعيدة أرض الواقع!

المثير أن عباس خرج بعد عودته من نيويورك ليطالب الفلسطينيين بعدم التصعيد في مواجهة الإجرام الإسرائيلي بحجة أن الاحتلال هو من يدفع باتجاه التصعيد ومن ثم ممارسة العنف ضدهم؛ وهو ما لم يفهمه الفلسطينيون الذين يكابدون ويلات العنف الصهيوني كل يوم ويدفعون ثمنه من أرواح أبناءهم لا لشيء إلا لخوف الصهاينة المفرط من الفلسطيني حتى لو كان فتاة مثل هديل الهشلمون (18 عاما) التي أمطر جنود الاحتلال جسدها النحيل بأكثر من عشر رصاصات من المسافة صفر تقريبا؛ أو كالشاب فادي علون (19 عاما) الذي قتلته شرطة الاحتلال "بناء على طلب المستوطنين" أثناء توجهه لأداء صلاة الفجر في المسجد!

"تجميد" التنسيق الأمني
الرئيس الفلسطيني لم يكتف بعدم استخدام فوران الشارع الفلسطيني كورقة ضغط على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي يعرف الجميع أنها مجرد ترجمة لمزاج الإسرائيليين الذين انتخبوها؛ ولم يكتف بما سببه من إحباط لدى قطاعات الشباب الفلسطيني المتطلع لموقف مشرف للسلطة الفلسطينية بخلاف "الانتصارات الشكلية" برفع العلم الفلسطيني على مبنى الأمم المتحدة أو اعتراف عدد من دول أوروبا وأمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية التي أصبحت "دولة ورقية" لا وجود لها إلا في وثائق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات؛ حيث فوجئ الفلسطينيون بقرار "تجميد" وليس إلغاء التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني.. وهو القرار "الإلغاء" الذي طالما هدد باتخاذه عباس خاصة بعد انعقاد المجلس المركزي لـمنظمة التحرير الفلسطينية في مارس الماضي وقراره بإلغاء التنسيق الأمني مع الاحتلال؛ وهي ورقة قوية كان من الحري بعباس أن يشهرها في مواجهة التعنت الإسرائيلي؛ لا أن يلوح بها فقط في مواجهة عدو لا يعترف إلا بالأفعال ولا يرضخ إلا لمفهوم ومنطق القوة والقوة فقط!

"حركات" المقاومة

المدهش أن التنسيق الأمني تحول من ورقة يتلاعب بها عباس في مواجهة الصهاينة إلى ورقة تتلاعب بها "حركات" وفصائل المقاومة خاصة "حماس" التي لا يخلو تصريح أو خطاب لأحد قادتها أو متحدثيها، في أي مناسبة، من مطالبة السلطة بوقف التنسيق الأمني الذي تحول إلى مادة للتخوين وتكئة لعدم التحرك في مواجهة الاحتلال.


حماس كانت تصدر نفس الخطاب في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.. ومع ذلك كانت تتبنى الكثير من عمليات التفجير التي كانت تستهدف جنود الاحتلال في المقام الأول ثم المستوطنين، إذن فالتنسيق الأمني الذي كان موجودا أيام عرفات لم يمنع الحركة من اتنفيذ وتبني عدة عمليات ناجحة استهدفت جنود الاحتلال في القدس المحتلة وتل أبيب أيضا.. فلماذا أصبح التنسيق الأمني الآن حجة لعدم التحرك ضد العدو الذي استباح المقدسات والأرواح دون رادع؟


"حركات" وفصائل المقاومة اجتمعت الاثنين الماضي في غزة وخرجت ببيان هزيل لا يليق بها ولا بالحدث المنظور؛ فالبيان يدعو كافة أبناء الشعب الفلسطيني في "القدس والضفة الغربية المحتلين" بالانتفاض وتصعيد عمليات المقاومة ضد الاحتلال؛ كما حرص "المجتمعون" كافة على مباركة عمليات المقاومة الفردية التي ينفذها فلسطينيون شباب وفتيات ضد المستوطنين الذين يعيثون فسادا في القدس المحتلة وتاجها المسجد الأقصى.

عملية "إيتمار"

وفي نفس اليوم ـ الاثنين الماضي ـ أعلنت سلطات الاحتلال عن اعتقالها ـ بمساعدة السلطة ـ خلية "حمساوية" مكونة من خمسة عناصر ادعى الاحتلال أنها وراء تنفيذ عملية إيتمار في نابلس والتي أودت بحياة مستوطنين أحدهما ضابط بالاستخبارات الإسرائيلية وزوجته؛ وهي العملية التي سجلت تحركا نوعيا في عمليات المقاومة.


وكالعادة انتهزت "حماس" الفرصة لتهاجم التنسيق الأمني ولتبارك العملية ولم تنس أن تطالب السلطة بضرورة الرد على تصريحات المسئولين الأمنيين الإسرائيليين بشأن تعاون أجهزة الأمن التابعة للسلطة في اعتقال "الخلية الحمساوية"؛ بيد أن اللواء عدنان الضميري قائد الأمن التابعة للرئاسة الفلسطينية رد وكذب التصريحات الإسرائيلية وطالب كافة القوى والفصائل الفلسطينية بالتوحد في هذه المرحلة الحرجة من عمر القضية الفلسطينية.


العجيب في الأمر أن حماس ذاتها، رغم كثرة متحدثيها، لم تكلف نفسها عناء الرد على ادعاءات إسرائيلية طالتها بأنها ـ حماس ـ سارعت بإبلاغ الاحتلال عبر وسيط ثالث بمنعها إطلاق صاروخين من غزة تجاه المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، وأنها ملتزمة بالتهدئة مع العدو الإسرائيلي!

وفي نفس اليوم الذي صدرت فيه المزاعم الإسرائيلية تجاه حماس ـ الثلاثاء الماضي ـ تبنت "كتائب شهداء الأقصى" التابعة لحركة "فتح" عملية "إيتمار"، مكذبة ادعاءات الاحتلال بشأن ارتكاب الأشخاص الخمسة المعتقلين للعملية؛ ونفى "أبو الوليد"، المتحدث العسكري لكتائب "الشهيد عبد القادر الحسيني"، إحدى اذرع حركة "فتح" العسكرية، الرواية الاسرائيلية حول العملية، وأشار إلى أن هذه الادعاءات ما هي الا عملية هروب من الامام من السقطة والهزيمة الاستخباراتية التي وجّهتها اليهم حركة "فتح" بتنفيذها هذه العملية، نافياً أي علاقة للمجموعة التي تم اعتقالها بالعملية.


وقال "أبو الوليد" إن الاحتلال كان يسعى عبر هذه الرواية الى 3 أهداف رئيسة هي:


1ـ ضرب الهبة الجماهيرية معنوياً للضفة الغربية عبر زرع الفتنة بين ابناء الشعب الواحد.

2ـ لتهدئة الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي بدات بالتظاهر اما منزل نتنياهو مطالبة اياه بالرحيل.

3ـ لجمع معلومات حقيقة عن منفّذي العملية عبر محاولة استفزازنا للادلاء باي معلومات حقيقية.

ولفت إلى ان مجموعات "الشهيد عبد القادر الحسيني" في الضفة نفذت العملية بدقة ونجاح عالي ما أربك الاحتلال وجعله يتخبط في روايته التي حاول من خلالها إرضاء المستوطنين، متسائلاً كيف يمكن أن يكشف الاحتلال عملية نوعية خلال 24 ساعة ونزع اعترافات من ما أسماهم المنفذين بهذه السرعة، معتبراً الرواية منافية للمنطق.

وأضاف المتحدث العسكري أن هناك تعليمات بعدم الاتصال في المجموعة المنفذة للعملية، لكنه أكد في نفس الوقت أن أفرادها يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وهم بخير وأمان، معتبرا أن العملية تأتي في سياق الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال والمستوطنين الصهاينة ومجموعات دفع الثمن التي أحرقت الرضيع علي دوابشة وعائلته، وسياسة حكومة الاحتلال الماضية في تقسيم المسجد الاقصى المبارك وتشديد الحياة على ابناء شعبنا في القدس المحتلة.

كما توعّدت الكتائب المستوطنين بمزيد من العمليات النوعية طالما استمر عدوانهم على أبناء شعبنا في محافظات الوطن المختلفة.

ويبدو أن بيان "شهداء الأقصى الرسمي هو الأقرب للحقيقة وهو ما أكدته عائلات المعتقلين الخمسة أعضاء "الخلية الحمساوية" المزعومة، بأن أبنائهم لم يتواجدوا أبدا في الأماكن التي زعم الاحتلال تواجدهم فيها لا أثناء تنفيذ العملية ولا أثناء القبض عليهم!

هذا السؤال يؤرق جميع الفلسطينيين الذين باتوا يعايشون أوضاعا معكوسة لم تعهد عن أي حركات تحرر على مستوى العالم؛ حيث يقوم أفراد الشعب العزًل من السلاح بعمليات المقاومة التي تنتهي غالبا باستشهادهم؛ فيما تكتفي "حركات" وفصائل المقاومة المسلحة بالمباركة والتصفيق؛ فإذا كانت كتائب شهداء الأقصى أخذت بزمام المبادرة كما أعلنت؟!

فهل تحذو باقي الحركات والفصائل حذوها ونرى خسائر بين صفوف الاحتلال قد تردعه عن الاستمرار في غيه وانتهاكاته لكل الأعراف الإنسانية والقواعد والقوانين الدولية؛ أم سيظل الفلسطينيون العزل في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية وحدهم.. الإجابة بيد المقاومة الفلسطينية وحدها التي يجب أن تحمي شعبها لا الاختباء خلفه.. ودون انتظار تحرك أي طرف دولي أو إقليمي لنصرة القضية الفلسطينية بالتصريحات والمؤتمرات فيما ينزف الفلسطينيون في القدس والضفة دمائهم نيابة عن الأمة كلها!