ركِّز أنتَ في قاعةِ الاختبار

  • 125
الشيخ جمال فتح الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
أوجدنا الله في هذه الدنيا، وجعل لنا فيها عمرًا، وهي الفترة الزمنية التي تمتد مِن الميلاد إلى الوفاة, يقضيها الإنسان في قاعة اختبار مزودة بكل الوسائل والآليات التي سوف يحتاج إليها في هذه الفترة الاختبارية, والوظيفة التي كلف بها كل إنسان هي أداء اختبار الإيمان والعبودية في هذه القاعة الأرضية تمامًا، كالذي يؤديه طلاب المدارس والجامعات في قاعاتهم, قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، وقال عز وجل: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؛ يعني: ما خلقتهم إلا أمرتهم بالعبادة، فلو أنهم خلقوا للعبادة لما عصوا طرفة عين. وقال مجاهد: يعني: ما خلقتهم إلا لآمرهم وأنهاهم. ويُقال: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. يعني: إلا ليوحدون، وهم المؤمنون، وهم خلقوا للتوحيد والعبادة.

وقد دلت هذه الآيات بأن الله إنما خلق الإنسان وجعل له عمرًا وهيَّأَ له وسائل عيش وأسباب بقاء لغرض اختباره وامتحانه فيعلم المطيع من العاصي, قال أهل التفسير في قوله: (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا), عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه لما تلاها قال: أيكم أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله.

إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكرة وجوارحه لطاعته.

ثم إن أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثت حلاوة الأبدان وإن غرست شجرة الجهل والهوى؛ فكل الثمر مر.

والخلاصة أن هذه الكرة الأرضية ما هي إلا قاعة اختبار يختبر فيها غير المؤمن بإرادة الآيات في الآفاق والأنفس هل يؤمن أم يكفر؟ (وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ). وقال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ). ويختبر فيها المؤمن بأوامر تشريعية ومواقف حياتية تمحيصًا لصدق الإيمان من عدمه.

ومن العوامل المحفزة للطالب على المذاكرة أن يفكر في يوم النتيجة ويوم جني الثمار,كذلك المسلم يفكر في يوم تطاير الصحف، وورود الحوض، ودنو الشمس والعرق يتصبب، والجنة وما فيها، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشـر، والأنبياء اللهم سلم سلم .. فلا بد مِن التركيز في قاعة الاختبار والحل السريع الصحيح، والتهيُّؤ للسفر وتحسين الأوضاع.

وإذا كان الله قد ذكر فوائد بعض الأحكام التشريعية فذلك ترغيبًا لعبادة في مزاولتها؛ فقول الله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ), لا يعني أن الأكل مِن الفوق ومِن تحت هو غاية حكم الله لإقامة التوراة والإنجيل، بل هو فائدة عاجلة مِن بين فوائدها الكثيرة العاجلة منها والآجلة ذكرها الله ترغيبًا لعبادة في التزام أحكامه وشرائعه, وإلا فغاية إقامة التوراة والإنجيل أسمى مِن أن يكون أكلًا وشربًا.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: في قوله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)؛ قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت, أو أكلت فأفنيت, أو لبست فأبليت.

احرص على وقتك في هذه القاعة؛ لأن إضاعة الوقت أشد مِن الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة, والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.

أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في مِعادها، كيف يكون عاقلًا مَن باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة؟

نحن في نفس القاعة التي كان فيها الصحابة الأفاضل والتابعين وقد حققوا نجاحات كثيرة مع قلة الإمكانيات، ونحن الآن نعيش في عصر التقدم والأساليب المتطورة مِن الاتصالات وسرعة التواصل وسهولة التنقل بين البلاد, لكن الفرق بيننا وبينهم في علو الهمة, كانت هممهم في الثريا وكثير منا همته في الثرى وهذا مكمن الخطر، كذلك الشعور بالمسئولية, كانوا على أعلى درجة في ذلك, ونحن لا مبالاة بالمسئولية إلا ما رحم ربي .. أفيقوا .. استيقظوا .. ركزوا.

قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).

ركَّز لكي تحصل على الدرجات العلا، وتنجح في الاختبار، وتدخل الجنة.
والحمد لله رب العالمين.