جلد الفاجر وعجز الثقة

  • 613
القوة والضعف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
صنفان من الناس تعوذ بالله منهما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؛ فاجر جلد قوي جرئ, وثقة عاجز ضعيف كسول, فقال: «اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة»، دعوة بليغة, نحتاج إلى الوقوف معها في واقع نعيشه ونحياه, انصرف فيه أهل الحق عن الدعوة للحق الناصع الذي معهم وتخاذلوا عن نصرته والبذل لإظهاره, في الوقت الذي نرى فيه احتراق أهل الباطل من أجل رفعة باطلهم والبذل والعمل من أجل نشره وإيصاله إلى الناس, وقد كان صلى الله عليه وسلم دائم الاستعاذة من العجز والكسل، في الصباح والمساء: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم».

ولنتأمل ما ذكره الله عن همة الشيطان في دعوة الناس إلى الباطل وأخذهم إلى ما يريد, ?قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ?, وأقسم على إغوائهم: ?قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ?.

انظر إلى فرعون كيف كان يجتهد في تنفير الناس عن الداعي لدين الله، ?ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّه إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ في الأرض الْفَسَادَ?, ?فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُواْ صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى? وكيف كان يسعى بكل سبيل لإلغاء تفكير الناس وعقولهم: ?مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ?, وتأمَّل ما كان من أحوال الكافرين في مبادراتهم الدنيئة في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والمكر الكُبّار داعيين إلى الصبر والثبات عليه: ?وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ?.

هل علمت كيف حدد حيي بن أخطب موقفه وموقف أغلب اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى قيام الساعة، ذلك الموقف الذي تمثل في تلك الكلمتين: «عداوته والله ما بقيت« مع علمه أنه رسول الله, حين سأله أخوه أبو ياسر بعد أن رجعا من عنده صلى الله عليه وسلم أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللّهِ, قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ؟ قَالَ: «عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ».

هل أتاك نبأ إيزابيل ملكة قشتالة وإسبانـــــــــيا زوجة فرديناند ملك إسبانيا، التي أقسمت ألا تخلع ثوبها الداخلي حتى يسقط حكم المسلمين في الأندلس فلقبت بـ«صاحبة القميص العتيق», كرســــــت من حياتهــــــــا 30 سنة وحَّدت خلالها النــــــصارى ضد المسلمـــــين, رهنــــــت مجوهراتـــــــها لدفع مرتبـــات الجنـــود لتُسقط غرنــــــاطة, وكانــــــــــت تـــشرف على المعارك بنفســها, حتى سقط ملك المسلمين في إسبانيا -بعد أن ابتعدوا عن دينهم- فلما بكى أبو عبد الله الصغير -آخر ملوك الأندلس- بعد ضياع الملك في الأندلس، قالت له أمه: ابكِ بكاء النساء ملكًا لم تحفظه حفظ الرجال, وأرغمته بدفع جزيـــة سنويـــة قدرهـــــــا 12 ألف قطعة ذهبية, إيزابيل صاحبــــة محاكــم التفتـــيش في إسبانيـــا، حرَّقت الموتـــــى بعـــد إخراجهم من قبـــــورهم, حرَّقت المسلمين وهم أحيــــاء وردَّتــهم عن الإسلام وصـــــادرت جميع ممتلكاتهم، حتى المســـــــاجد لم تبقَ في الأندلس مئذنة ولا أذان.

إيزابيل, التي موَّلــــت الرحلة الجنوبيـــــة لكولومبس لاكتشــــــاف القارة الأمريكية, وتنصير العالم الجديــــد (أمريكــــا).. إيزابيل التي ارتقـــــت بأعمالها إلى رتبت قديســــــة, إيزابيل .. امرأة صنعت نجاحها لأمتهــــا وهي على باطــــــــل !

هل تعلم خبر جولدا مائير أخطر امرأة في تاريخ الصهيونية، وواحدة من أكثر رموز هذه الحركة تطرفًا يلقبها الغربيون بـ«أم إسرائيل الحديثة», أو «المرأة الرجل» كما يلقبها بعض المؤرخين, زعيمة حزب العمل الإسرائيلي، ورئيسة الحكومة الإسرائيلية في الفترة من 1969 وحتى 1974, وقفت ضد السلام -فقد اتسمت بالجمود ورفضت أية مبادرة للسلام- فاندلعت حرب أكتوبر التي راح ضحيتها 2600 شاب إسرائيلي, جولدا مائير كانت تقول: «كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلًا فلسطينيًّا واحدًا على قيد الحياة».

قال الشيخ محمد إسماعيل: «حكى لي بعض الشباب المسلمين في ألمانيا أنه منذ الصباح الباكر ينتشر دعاة فرقة (شهود يهوه) في الشوارع وينطلقون إلى البيوت، ويطرقون الأبواب للدعوة إلى عقيدتهم, وحدثني أحدهم أن فتاة ألمانية منهم طرقت بابه في السادسة صباحًا، فلما علم أن غرضها دعوته إلى عقيدتها، بين لها أنه مسلم، وأنه ليس في حاجة إلى أن يستمع منها .. فظلت تجادله وتلح عليه أن يمنحها ولو دقائق (من أجل المسيح)! فلما رأى إصرارها أوصد الباب في وجهها، ولكنها أصرت على تبليغ عقيدتها، ووقفت تخطب أمام الباب المغلق قرابة نصف ساعة تشرح له عقيدتها، وتغريه باعتناق دينها!! فما بالنا معشر المسلمين يجلس الواحد منا شبعان متكئًا على أريكته، إذا طلب منه نصرة الحق، أو كلف بأبسط المهام، أو عوتب لاستغراقه في اللهو والترفيه، انطلق كالصاروخ مرددًا قوله صلى الله عليه وسلم: (يا حنظلة؛ ساعة وساعة)».

فالفاسق والفاجر والضال يعمل ويجتهد وينفق ماله وجهده ووقته في سبيل ضلاله، فتجده جلدًا قويًّا نشطًا فاعلًا، وفي المقابل تجد الصالح الثقة الأمين خاملًا كسولًا منزويًا في جانب الحياة, فاللهم إنا نعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة.

الابلاغ عن خطأ