كيف ترد على السروريين والمداخلة في آن واحد؟

  • 155
د.أحمد شكري - رئيس المجلس التنفيذي للدعوة السلفية بمحافظة الجيزة

أجمع التيار السلفي على عدة مسائل مثل أولوية العقيدة وأهمية السنة وعدم تحقير شيء منها وعدم الاستهانة بأي نوع من أنواع البدع ولكن بين أبناء التيار السلفي خلافات متعددة مما يجعل التيار السلفي أشبه بطيف واسع يتردد الشباب فيه بين أقصى الطرف من ناحية إلى أقصى الطرف من الناحية المقابلة.
ولذلك ففي هذا المقال سنحاول رصد أقصى الطرفين وتوضيح الوسط بينهما الذي نسعى للوصول إليه في أغلب القضايا التي اختلف فيها أبناء التيار السلفي وقبل أن نبدأ لابد من توضيح أنه في بعض المسائل يزداد الانحراف عند أبناء التيار السلفي حتى يخرجوا من دائرة السلفية نفسها وفي بعض الأحيان يكون الخلاف أقل بعدا.

وهناك تنبيه آخر أننا نحاول رسم أقصى الأطراف وليست بالضرورة كلها أفكار شخص واحد أو جماعة واحدة أو تيار واحد بل تجد في كل قضية البعض يقول بها والبعض يختلف عنه فيها وليس الهدف من المقال تصنيف الأشخاص ولكن توضيح الأفكار حتى نتمكن من تحقيق التوازن الفكري.

تنبيه آخر: لا يقتصر هذا المقال على مناقشة القضايا الفكرية فقط بل تجد فيه بعض القضايا العقدية والدعوية كذلك.

والآن نشرع في سرد القضايا، ونذكر في كل قضية الطرفين ثم الوسط والله الموفق.

القضية الأولى: فقه الواقع
يستدل الطرف الأول بالقرآن والسنة والسيرة على ضرورة البصيرة بمخططات الأعداء ولكن يشغلهم ذلك عن بقية فروض الكفايات من تعلم العلم والدعوة إلى الله بمعنى أنهم ينشغلون بالكلام في توصيف الواقع عن العمل الواقعي المؤثر في تغييره.

ويستدل الطرف المقابل بأدلة صحيحة على أهمية طلب العلم وأن التغيير يكون بإصلاح النفس والتوبة لكن يصل بهم ذلك إلى درجة السذاجة في تفسير الأحداث.

والوسط: أن ننشغل بقضايا الواقع بشرطين:
أولا: أنْ لا يكون انشغالا عاما لا من ناحية نوعية القضايا أو عدد الأفراد بمعنى لا تكون قضايا الواقع عائقا عن الدراسة المنهجية للعقيدة والفقه وكذلك لا تكون الشغل الشاغل لجميع الأفراد بل يتخصص البعض في العقيدة والبعض في الفقه والبعض في الواقع ثم نتبادل الخبرات.
ثانيا: أنْ لا ننشغل عن قواعد العقيدة والسنن الربانية في تفسير الواقع ورسم الطريق للتعامل معه.

القضية الثانية: الموقف من سيد قطب.
يفيض الطرف الأول في ذكر فضائل سيد قطب من صلابته في الحق ودفاعه عن الإسلام ودوره في علاج الهزيمة النفسية عند المسلمين، لكن يخرجهم ذلك إلى الغلو فيه والغفلة عمَّا تتضمنه مؤلفاته من بذور التكفير والعنف.

بينما ينقل الطرف الآخر عنه نقولا تحوي بعض المخالفات للمنهج السلفي ويبرزون الانحرافات المنهجية والسلوكية عند المتأثرين بكتاباته؛ فيربطون التكفير والقاعدة والتوقف والتبين به لكن يزيد عندهم الغلو في ذمه لدرجة أنهم ينسبون إليه أنه من الشيعة والخوارج والصوفية الحلولية والشيوعية الاشتراكية في آن واحد.

والوسط: أن نقبل من الرجل إحسانه وأن نسأل الله تعالى أن يتجاوز عن سيئاته وأن نحذر الشباب من الغلو في التكفير والعنف رد قاصر.

القضية الثالثة: الوحدة.
يحرص الطرف الأول على الدعوة إلى التعاون بين جميع طوائف الصحوة الإسلامية ولكن يخرجهم ذلك إلى حد التهوين من الخلافات المنهجية مع الإخوان والقطبيين والجهاديين.

بينما يحرص الطرف الآخر على الوحدة بين كل أبناء الأمة الإسلامية ويبرزون السلبيات المترتبة على تكوين الأحزاب والتنظيمات الإخوانية والجهادية من تفريق للأمة، لكن يخرجهم ذلك إلى الهجوم على كل أنواع التجمع.

والوسط: أن ندعو إلى تدعيم كل من تجمع على المنهج الصحيح مع الحذر من أن يخرجهم انتماؤهم الحزبي عن إطار الانصهار في الانتماء للأمة الإسلامية.

القضية الرابعة: الموقف من الحكومات.
يفيض الطرف الأول من الكلام على مظاهر الفساد في الحكومات في معظم بلاد العالم الإسلامي ويستدلون بأحاديث وجوب تغيير المنكر والجهر بكلمة الحق لكن يخرجهم ذلك إلى ما يشبه الخطاب التحريضي الذي يمهد للتهور.

بينما يفيض الطرف المقابل من الكلام على ضرورة الاستقرار والحفاظ على الأمن وعدم الصدام مع الحكومات حتى نوفر حماية للدعوة ولكن يخرجهم ذلك إلى ما يشبه الخطاب التبريري في الدفاع عن أنظمة ظالمة مع ما يروجونه من خطأ ظاهر في مسألة ولاة الأمور وضرورة السمع والطاعة لهم.

والوسط: أن نعلم أن تغيير المنكر واجب لكن بقدر الاستطاعة مع الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأن ولاية الأمر منوطة بمقصدها وأن الحاكم المتغلب هو من أجبر الناس على أن يبايعوه على القرآن والسنة ليس من أجبرهم على التحاكم إلى أنظمة تخالف الإسلام.

القضية الخامسة: الحكم بغير ما أنزل الله.
يعتبر الطرف الأول قضية الحكم بما أنزل الله هي أهم قضايا العقيدة وأن العلمانية هي أهم صور الشرك والكفر ويكثرون من ذكر الأدلة على كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وأن تحكيم الشريعة هو معنى الانتماء للإسلام لكن يخرجهم ذلك إلى التسرع في تكفير المعين.

بينما يكثر الطرف الآخر من الكلام على توحيد الألوهية وأن شرك القبور هو أخطر مظاهر الشرك ويهتم بالتحذير من التكفير لكن يخرجهم ذلك إلى القول بأن الحكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام وإلزام الناس به إنما هو معصية ككل المعاصي لا يكفر إلا إن استحلها.

والوسط: أن نقر بأن الحكم بغير ما أنزل الله منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو كفر أصغر ولا يكفر المعين إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.

القضية السادسة: قضايا الإيمان والكفر
يُكثر الطرف الأول من التحذير من المرجئة لكن يخرجهم ذلك إلى التوسع في التكفير بالأعمال الظاهرة (لاحظ أن الترك يسمى عملا).
بينما يكثر الطرف الآخر من التحذير من الخوارج لكن يخرجهم ذلك إلى عدم التكفير بأي عمل ظاهر وإن الكفر عندهم قاصر على التكذيب أو الاستحلال.

والوسط:
أن نعلم أن أهل السنة يكفرون ببعض الأعمال الظاهرة لكن بشرط أن تكون هذه الأعمال الظاهرة تدل دلالة قاطعة على انخرام الباطن.

القضية السابعة: الوسائل الدعوية
يبرز الطرف الأول أهمية الابداع والتجديد في الوسائل الدعوية لكن يخرجهم ذلك إلى استخدام وسائل يعتبرها البعض غير مشروعة كالتمثيل والغناء.

بينما يبرز الطرف الثاني أهمية اتباع السنة والثقة في منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة وأنه الأنفع والأجدى لكن يخرجهم ذلك إلى القول بأن الوسائل الدعوية توقيفية ولذلك يحكمون ببدعية إنشاء التنظيمات الدعوية.

والوسط: إعمال قاعدة المصالح المرسلة فكل الوسائل المباحة والمسكوت عنها ذات المصلحة الراجحة تأخذ حكم مقاصدها.

وكل قضية من هذه القضايا السبع تحتاج إلى دراسة متأنية ودراسة رأي كل طرف فيها وهذا ما سأقوم به إن شاء الله بأن أفرد مقالا كاملا أسبوعيا لكل قضية وقد جاء هذا المقال بمثابة الفهرس لما هو قادم ولعل هناك قضايا أخرى لم نمر عليها سنذكرها فيما بعد إن شاء الله حين يفتح الله بها.