مفارقة عجيبة !!!

  • 142
صورة أرشيفية

تستوقفني أحيانا وبشدة الكثير من المفارقات التي يأتي بها نفس الشخص لإثبات موقفه، حين يعجز عن البرهان بالحجة السليمة فتصبح المفارقات التي تبطل موقفه دليله ولا يأبه لمن يستوقفه للتفكر في تلك المفارقات بل يمضي في طريقه آتيا بالعديد منها لا لشيء إلا لأن الهوى أصبح قائده في طريق ليس للإنصاف فيه معلم.

عندي الكثير من هذه المفارقات التي تتفاوت قوةً وضعفا ولعل أبرز تلك المفارقات ما يختص بالأزمة المصرية الآن والأطراف الداخلة فيها سواء كانت جزءً في الأزمة أو طرفا في الحل، ففي حين ينظر من يرون الصدام مع السلطة الحالية حلا لاستخلاص ما يرونه حقا ثم يرمون بالعمالة والنفاق والخيانة والجبن والكفر من حفظ دماء الآلاف من الشباب وحافظ على البقية الباقية من دعوة عوام المصريين إلى الله حين لم يترك الهوة تتسع بين هؤلاء العوام وبين جميع الإسلاميين وأوضح أن هناك جزءً منهم طرفا في الحل وليس جزءً من المشكلة، يبرر نفس الطرف هرب من فر بنفسه فقط محافظا على دمه وحده تاركا آلاف ممن خدعهم باسم الجهاد ليقذفه في المحرقة ثم يهرب منها، بأن هذا كفعل موسى _عليه السلام_ حين فر من بطش فرعون مصر إلى مدين!

فيصبح من حفظ دم نفسه فقط في نفس الوقت الذي يحرض فيه الآلاف من الشباب على النزول للموت من شاشات قطر كموسى، ويصبح من حفظ دماء الآلاف وحفظ الدعوة، عميلا ومنافقا جبانا وكافرا! أليست هذه من المفارقات الفجة التي تثبت بطلان إدعاءات هذا الطرف وتظهر الهوى الذي تلبث به قلبه في طريق بلا معلمٍ للإنصاف!

ولننظر إلى موقفٍ مشابهٍ لموقفنا اليوم من حياة الصحابة من أمرنا الله بالاقتداء بهم حين قاله سبحانه: "فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا"، والموقف المراد هو موقف كبار الصجابة من رأي الحسين بالخروج إلى الكوفه وعلى الجانب الآخر موقف أهل الكوفة منه وفعلهم معه لنرى من وقف موقف الصحابة ومن وقف موقف أهل الكوفة في الأزمة المصرية الحالية، والحكم لكم في النهاية.

الحسين أراد الخروج إلى الكوفة وأصر عليه بعدما وصله من أخبار وتوقيعات بأن أهلها معه وسيكونون في صفه إذن الأمر هين! فهل استجاب الصحابة لرؤيته وخروجوا معه؟ رفض الصحابة وكان فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ونصحوه بعدم الخروج وقالوا إن أهل الكوفة سيتركوك إذا دب القتال، ولكن الحسين أصر على رأيه _رضي الله عنه_ وذهب إلى الكوفه وعندما ذهب غدر به أهل التوقيعات وتركوه حتى قُتل شهيدا _رضي الله عنه.

إذن كان هناك فريقان الأول فيهم كبار الصحابة ولم يخرجوا مع الحسين ونصحوه بعدم الخروج، وهؤلاء تشبه بهم من لم ينزلوا رابعة ونصحوا الشباب بألا ينزلوا في معركة خاسرة تسفك فيها دماؤهم بلا طائل! والسؤال: مَن مِن أهل العلم اتهم الصحابة بالغدر والنفاق! حاشا لله لا أحد بالطبع، ولكن علماء الكيبورد لم يتورعوا عن اتهام من تشبه بموقفهم وسار على دربهم بالعمالة والنفاق والخيانة والجبن والكفر!

والفريق الثاني الذي فر وترك الحسين ولم ينصره وغدر به، مَن مِن أهل العلم شبههم بموسى عليه السلام في خروجه من مصر والذهاب إلى مدين! بالطبع لا أحد ومعلوم في التاريخ الإسلامي أنهم من غدروا بالحسين وخدعوه، ولكن علماء الكيبورد شبهوا من فر من الجهاد الذي زعمه وترك الشباب يقتل ولم يكتف بذلك بل استمر في تحريضه للشباب من شاشات قطر بموسى عليه السلام حين خرج من مصر إلى مدين! والأعجب من ذلك أن معظم من يأتِ بهذه المفارقات ليس في مصر ولم ينزل إليها لينال الشهادة التي يحرض الشباب عليها، فهل يترك أحد ما يراه خيرا وينصح غيره به! وأي مفارقةٍ تلك!!!